قطاع غزة.. لماذا الموت لم يقوض همة الفلسطينيين وتطلعهم للاستمرار والحياة رغم الألم؟
نظرا لهول ما يقع من فظاعات إنسانية بأرض فلسطين وبغزة على وجه الخصوص، حيث الموت يوزع بحصص إضافية لمن يلاحقه بعد في غفلة من طائرات وقنابل وصواريخ ودبابات جيش الإحتلال الإسرائيلي، قد لا يكفي نشر أخبار بما يقع على نطاق واسع مهما أبدعنا في الوصف، لأن وحشية القتل والتشريد والتدمير الصهيوني يفوق بكثير ما تصلع مخيلتنا لترجمة ما يقع على أرض الواقع.
ورغبة من موقع أنباء إكسبريس في تقريب الصورة أكثر للقارئ المغربي والمغاربي والعربي وللمتتبع الحر عموما للتعريف بواقع الفلسطينيين في سياق الحرب الجائرة على غزة والفلسطينيين عموما، وكيفية عيشهم والسبل الكفيلة بدعمهم وتقوية صمودهم، وتسليط الضوء على المشاهد البطولية لنساء ورجال وأطفال واجهوا القصف الهمجي بصدور عارية للإنتصار للحياة واستمرار التشبث بالأرض والقضية شامختان دون انكسار، رغم مشاهد القتل المحزنة والدمار المدوي، وتخاذل العرب والمسلمين عن نصرة فلسطين.
في هذا الحوار الحصري الذي أعده الصحفي عبد الوهاب الكاين، مع الأستاذ عصام أبوشمالة بعد إحدى عشر شهرا من تواصل الحرب على غزة، يشرح كيفية صمود أهل غزة في وجه مشاهد القتل والحرق والتدمير، ويدعم فكرة التشبث بالحياة والمبدأ والأرض والعرض، وكيف يبتكر الفلسطينيون مبادرات خلاقة من لا شيء لجعلها كل شيء، وهو ما تحقق على أيدي سواعد للخير كرست ويومياتها في اللجوء والنزوح المتكرر لخدمة الإنسان وتقليل معاناته والبحث الحثيث لتوفير حاجياته الدنيا بالرغم من الإغلاق الكلي ومصادرة وتدمير كل شيء.
1- أنباء إكسبريس: نشكركم على قبول إجراء هذا الحوار الحصري لموقع أنباء إكسبريس المغربي في سياق خاص، وتحت موجات من القصف المتواصل.
في البدء، من هو عصام أبو شمالة؟ وكيف تبلورت فكرة إنشاء مبادرة سواعد الخير الإغاثية؟
عصام أبو شمالة:
انا فلسطيني يحاول بمعية فريق مقتدر، قدر المستطاع خدمة مئات الالاف من الفلسطينيين الذين يرزحون تحت القصف المتواصل للكيان الإسرائيلي.
اسمي عصام عقيل ابوشمالة، منسق عام مبادرة سواعد الخير الإغاثية، من مواليد 1986 بفلسطين، وعملت في المجال الخدماتي وتخصصي خدمة اجتماعية جامعية ودرست الماجستير في مصر العربية في تخصص علم الاجتماع.
مارست نشاطات كثير ة في مجال الخدمات الاجتماعية للأسر الفلسطينية سواء في سياق الحرب الحالية المستمرة على شعبنا بقطاع غزة أو زمن الحصار الإسرائيلي لمدننا وبلداتنا بالقطاع لمدة ليست باليسيرة.
أما بالنسبة للفريق العامل في مبادرة سواعد الخير الإغاثية، فهو متعدد التخصصات والخبرات، يضم مدرسين وإعلاميين واخرين متطوعين للخدمة الاجتماعية والإنسانية.
هذه المبادرة انطلقت بشكل عفوي تلبية لحاجة ماسة للتدخل الاجتماعي والانساني على إثر اندلاع حرب جائرة على شعبنا الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، وتكثيف القصف علينا بشكل متواصل، حيث يشعر المرء أن السماء لا تمطر سوى قنابل وصواريخ لا تبقي ولا تذر.
أمام تعطش الصهاينة اليائس لاجتثاثنا من أرضنا ولجوئهم إلى استخدام كل وسائل القتل والدمار المحرمة دوليا لتحقيق أهدافهم الاستعمارية، وكثرة مشاهد القتل والتدمير الكلي لكل مظاهر الحياة والاستقرار والتمدن بغزة، اتفقت ارادات الكثير من الشباب الغزاوي للعمل بشكل فوري لمساعدة جهود طواقم الإغاثة الوطنية وفرق الدعم والتعاون الدولي وكل احرار العالم الذين أعلنوا عن رفضهم لما يقع للشعب الفلسطيني من عقاب جماعي على صموده في وجه الة القتل والدمار الصهيوني.
هذه القناعة الجماعية استدعت استنفار كل الطاقات القادرة على مساعدة الضحايا والجرحى وعوائل الشهداء والنساء والاطفال على الصمود في ظل سياسة الابادة الجماعية ضد شعب تواق للحرية، لا يرى من سبيل للحفاظ على أرضه ومقدساته سوى الصمود عليها وابتداع وسائل وطرائق مهما كانت بدائية للبقاء على هذه الارض الطاهرة، لكنها ضرورية وملحة، لإظهار حقيقة هذا الكيان الدموي الذي يريد باستماتة تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا والارث الانساني والحضاري والديني والاجتماعي للشعب الفلسطيني على أرض فلسطين.
فريق عمل مبادرة سواعد الخير الإغاثية يضم أعضاء دائمين ومتطوعين يصل مجموعهم إلى 22 فردا، في ظل سعي حثيث إلى توسيعه نظرا لقوة الطلب على العمل الانساني وضعف الموارد الذاتية وضرورة تعدد وتنوع المتدخلين لخلق مسارات جديدة للفعل الاجتماعي والانساني، للتخفيف من معاناة الضحايا والجرحى والنساء والاطفال والنازحين عموما في قطاع غزة.
2- أنباء اكسبريس: كيف هو وضع الفلسطينيين الحالي في القطاع؟
عصام أبو شمالة:
قطاع غزة كما تعلمون سيدي هو مساحة أرضية صغيرة مقتطعة من باقي مناطق الوطن السليب، تبلغ مساحتها الاجمالية 365 كيلومترا مربعا بشريط ساحلي في حدود 40 كيلومترا، ويمتد على سواحل البحر الأبيض المتوسط ومصر العربية وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد ظل القطاع تحت حصار خانق منذ 2006، عقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، واستمر تشديد قبضة الكيان الإسرائيلي على غزة ابتداء من 2007، على إثر سيطرة الحركة على قطاع غزة بالكامل، ولم ينج السكان الفلسطينيون من اثار وتبعات هذا الإغلاق الكامل على شعب فلسطين بالقطاع وتأثرت حقوقهم وحربات بشكل بالغ، حيث فرضا إسرائيل قيودا مشددة على دخول الوقود والبضائع وحركة الأشخاص من وإلى غزة، في تطبيق ميداني وواقعي لسياسة عزل القطاع عن محيطه الفلسطيني والعربي والتحكم في جميع مظاهر الحياة فيه.
وتجدر الإشارة إلى أن المجتمع الدولي لم يستطع في محطات كثيرة تغيير الظلم الممارس على الشعب الفلسطيني ككل وقطاع غزة بشكل خاص، فلا أحد استطاع تخفيف الركود الاقتصادي الشامل الذي أصاب غزة وأهلها ولا تمكن المنتظم الدولي من تخفيف حدة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ولا تمت الاستجابة السريعة لحاجيات القطاع الصحي الفلسطيني في القطاع، ناهيك عن القدرة على صد هجمات الكيان الصهيوني الأربع المدمرة على القطاع قبل طوفان الأقصى.
فنحن كنشطاء دائما ما اعتبرنا أن غزة والضفة وكامل التراب الفلسطيني لم يتمتع قط باستقلال شامل أو جزئي، حيث يمكن ممارسة مقومات السيادة، لأن وطأة الاحتلال الاسرائيلي الغاشم لا تترك رقعة فلسطينية مهما صغرت إلا ويصلها شرره، وهي منطقة لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي بموجب القانون الدولي بالرغم من الانسحاب الصوري من جانب واحد عام 2005.
هذه المثبطات القاسية التي لا تترك فرصة لأهالي غزة ليتنفسوا نسائم الحرية وتدبير أمورهم بأنفسهم والمحاولات المتكررة لكتم أنفاسهم وقمع تطلعاتهم قبل التعبير عنها وإقدام جيش الكيان المحتل على وأد أي فرصة للانفتاح على الفضاء الخارجي وإقامة علاقات طبيعية مع الجوار، رجحت القناعة بأن الوضع لا يمكن تحسينه دون مقاومة وأن حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن تحقيقها عبر التفاوض، وأن انتشار المعاناة والمأساة في أوساط الفلسطينيين في القطاع، يستوجب هبة قوية واستنهاضا للهمم للصدح بأعلى صوت بما يعانيه أهل غزة، وتقاسم تلك المأساة مع الشعوب وأحرار العالم.
غير أن الرد الصهيوني الوحشي على حقوق الفلسطينيين في غزة وغيرها، ما كان ليقع بهذه الصورة البشعة لولا ضمانات دولية غربية بجواز ارتكاب مجازر وانتهاكات جسيمة ضد المدنيين الفلسطينيين، ومحاولات القيام بعمليات تهجير قسري جماعي لإفراغ الأرض رمن أصحابها وتسليمها لجحافل المستوطنين الوافدين تحت الطلب والترغيب.
ما أعقب طوفان الأقصى، شكل بحق صدمة للإنسانية جمعاء، مشاهد القتل الجماعي والمجازر المتكررة بشكل يومي والقتل الموجه بأحدث الأسلحة التكنولوجية والقصف المتواصل عبر أسراب الطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة والقناصة والقنابل الثقيلة بمختلف أصنافها المدمرة.
حصيلة ثقيلة، لا يسع الانسان إلا أن يقف مشدوها لفداحتها ويطرح أسئلة عميقة من قبيل، هدفنا كبشر من الوجود على هذه الأرض إذا لم نكن نتحرك ونتفاعل بدافع قيمي وأخلاقي؟ وكيف يستبيح نظام مجرم ودموي دماء الالاف من الأبرياء المدنيين من المسنين والأطفال والنساء، دون أن يهتز جفن لدعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وهل التشبث بالحياة لدى الصهاينة يبرر القتل الوحشي والابادات الجماعية وعمليات التطهير العرقي الواسعة النطاق ضد الفلسطينيين لدى ساسة الغرب؟
ماذا ينتظر مجلس الأمن لاستصدار قرار بإيقاف العدوان الغاشم على غزة وأهلها والفلسطينيين جميعا؟ وهل الجامعة العربية مسخرة فقط لإصدار بيانات لا تترك اثرا حتى نفوس محرريها فما بالك في نفسية الكيان الصهيوني العنيد؟
هذه كلها أسئلة تتضمن إجابات عن الوضع بغزة، ولعمري هي أصدق من الوصف وملايين المقالات الخبرية عما يقع في غزة، لأن كلما كتب لم يحدث أثرا حتى اللحظة، وكأن هذه البقعة الطاهرة، ليست جزءا من كوكب أرضي اتفق ساكنوه بعد الحرب العالمية الثانية على أن الكرامة متأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وأن الناس متساوو الحقوق على أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، وأن واجب الإنسانية جمعاء عدم إهمال مسألة حقوق الإنسان، لكيلا تتكرر الأعمال الهمجية التي أثارت غضب ضمير البشرية.
الوضع في غزة يا سيدي أشبه بالتواجد في محيط بركان مشتعل، إن لم تسقط في فوهته، ستصيبك حممه لا محالة، حيث مشاهد القتل البشع والوحشي، وانتشار المجاعة بين الضحايا والنازحين والمهجرين والأطفال والنساء. في غزة وضع كارثي، حيث لا مكان آمن للمدنيين.
بعد مضي أكثر من عشرة أشهر، لا زال المدنيون بقطاع غزة يدفعون الثمن الأغلى، وهم بحاجة ماسة إلى الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية والمأوى.
ببساطة، ما نحن عليه شهود وضحايا في الان ذاته مأساة إنسانية بجميع المقاييس في غزة، عشرات الالاف من الشهداء وأضعاف ذلك من الجرحى والمفقودين وانهيار كامل للنظام الصحي ومنع كامل لدخول المساعدات الإنسانية للقطاع وبروز مؤشرات قوية على انتشار المجاعة بين النازحين لندرة المواد الغذائية الكفيلة بسد رمق الجوعى، إمعانا في القضاء على أي فرصة للبقاء على قيد الحياة.
أصبحت قطاع غزة منطقة جرداء بلا خدمات ولا ماء ولا طعام، حيث وقفنا على رصد وتوثيق حياة من البؤس والمعاناة داخل الخيام، ونعمل على إيصال تلك المشاهد الى المجتمع الدولي والعربي من أجل تحفيز وزيادة التبرعات لهذه المبادرة وجعل جميع النازحين مستفيدين من خدماتنا.
هذه هي غزة اليوم، وهذه هي بلداتها وهذا هو الوضع الإنساني الكارثي!
3- أنباء إكسبريس: كيف إهتديتم إلى العمل الإنساني في سياق تواصل الحرب على غزة؟ وهل استطعتم تحقيق نتائج في هذا المجال؟
عصام أبوشمالة:
أولا، أود أن أعرب عن تقديري العميق وعرفاني لأخوات وإخوة وأصدقاء امنوا منذ الوهلة الأولى لاندلاع العمليات العدائية الوحشية ضد ساكنة غزة، بضرورة وحتمية الاشتغال المكثف والمتواصل في المجال الإنساني لتغطية الخصاص المهول في توزيع المساعدات الإنسانية وعمليات الإنقاذ وتوفير الغذاء للنازحين والجرحى والمرضى والنساء والأطفال، ناهيك عن التدخل في مجال التعليم والطفولة.
انطلقت هذه المبادرة في تزامن مع بداية الحرب الجائرة على الشعب الفلسطيني، ومواصلة العدوان الغاشم على غزة الذي خلف وراءه الكثير من الماسي الانسانية. بدأ اشتغالنا في زحام الاوقات الصعبة القاسية على أبناء الشعب الفلسطيني.
انطلقت مبادرتنا ومبادراتكم جميعا، مع مجموعة من الشباب والشابات الفلسطينيين الذين يشاركون معاناة الحرب اليومية، وكانت عبارة عن مبادرات وجهود شخصية لمجموعات صغيرة من الشباب، تولدت من خلالها فكرة إنشار دينامية كبيرة بطموحات أكبر وبطاقات مستعدة للاشتغال في أحلك الظروف وبإمكانيات شخصية ومتواضعة وقليلة، لفعل ما يمكن فعله خدمة للنازحين من الأطفال والنساء والمهجرين والمشردين وباقي الفئات في حالة عوز شديد بسبب اشتداد وطأة الحرب على قطاع غزة.
انطلقت مبادرة سواعد الخير الإغاثية في المنطقة الجنوبية لقطاع غزة في مدينة خان يونس، ومتواجدة في منطقة دير البلح والمنطقة الوسطى.
ونسعى إلى التواجد في شمال غزة إذا توافرت الامكانيات رغم فصل الجانبين بفعل الإحتلال الإسرائيلي واليته العسكرية المدمرة، وستكون لنا مبادرات في الشمال حال توفر الشروط، أما نشاطنا الميداني الأن فهو متمركز في جنوب قطاع غزة، ونخطط إلى توسيعه ليعم الشمال إذا زادت رقعة التبرعات والدعم.
في البداية بادرنا بوضع الكثير من الخطط، لكن واجهتنا الكثير من التحديات نظرا لصعوبة إن لم أقل استحالة المعل في ظل تواصل الحرب الظالمة على أهالنا في غزة، حيث لا يسعفنا الحديث عن التفاصيل في الوقت الحالي.
غير أنه بالرغم من تقطيع أوصال فلسطينيي غزة وتقسيم القطاع إلى مناطق عسكرية مغلقة واستمرار الاجتياحات البرية والقصف الجوي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة والجرائم الوحشية، انتشر فريق عمل مبادرة سواعد الخير الإغاثية في أكثر من محور.
المحور الأول بالنسبة لنا، كان اختيار بعض المخيمات الصغيرة التي تقارب الخمسين أسرة أو 84 أسرة، حيث أنجزنا مبادرات خاصة بتلك التجمعات الصغيرة، من قبيل تنظيم عمليات لتوزيع الطعام والخبز وما شابه ذلك.
وفي خطوة أخرى، قمنا بحفر ابار لاستخراج الماء لمخيم يحوي 84 أسرة تقريبا من أجل الاستخدام الذاتي، علما أن المنطقة تعاني من شح كبير في توفر هذه المادة في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل، بفعل القصف والتدمير الإسرائيلي المتواصل الواسع النطاق، وعدم وجود أي وسيلة أخرى.
بالتالي هذه الأبار حلت مشاكل كثيرة للناس كالشرب والاستخدام المنزلي والنظافة، بل وأصبحت المخيمات المجاورة تلجأ إلى البئر للبحث عن المياه.
ونتيجة لذلك، طورنا طريقتنا في جلب المياه وتوفيرها، حيث انتقلنا إلى اللجوء عملية سقي المياه المفلترة أو المحلاة، بالرغم من شحه وارتفاع أسعاره بالمخيمات، نظرا لارتباط محطات تحلية المياه في غزة في الوقت الحالي باستخدام السولار، والذي يشهد ارتفاعا كبيرا في أسعاره، حيث يصل سعر اللتر الواحد إلى أربعين دولارا.
قمنا أيضا بتنفيذ مشروع إعداد الطعام للكثير من النازحين، وهذه المبادرة عبارة عن تهيئ سبع قدور طبخ أو طناجر لإعداد الطعام، يتم الطبخ فيها بشكل يومي وإعداد وجبات ساخنة إلى جموع النازحين في الخيام.
وهي مبادرة لاقت استحبابا من لدن المستفيدين وعموم النازحين المتضررين من هذا الوضع الكارثي والتجويع الممنهج ضد سكان غزة.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية التوزيع لا تستغرق أكثر من 20 دقيقة وهي دلالة على حجم العوز والجوع والتفقير الممارس ضد اهالينا في غزة، ولذلك وجب التنبيه أننا في مبادرة سواعد الخير الإغاثية نحاول بشكل يومي طرق أبواب كثيرة للتبرع لهذه المبادرة لضمان تشغيلها بشكل مستمر والاستجابة السريعة لحاجيات النازحين في غزة.
ففريق المبادرة راض تماما عن تدخلاتها في مجال تزويد النازحين بالمياه، نظرا لسرعة التنفيذ والفعالية التي تحيط بتدخلات أعضاء فريقنا، استجابة لضرورة وسرعة سد الخصاص في هذه المادة الحيوية.
الأسعار مرتفعة جدا، كما ننوه الى إبلاغنا برضى ساكنة المخيمات عن الخدمات المقدمة في هذا الباب، وهذا الشعور نستقبله بكثير من السرور ونعتبره وقودا ودافعا لبذلنا جهودا مضاعفة لتقليل معاناة مواطنينا وإسعاد أطفالهم في الحد الأدنى والتفاعل مع مطالبهم المرتبطة بإرادة الصمود والتصدي لمخططات إفراغهم من ارضهم.
4- أنباء إكسبريس: هل امتدت سواعد المبادرة إلى القطاع الصحي المنهار بفعل وحشية جيش الكيان الإسرائيلي؟
عصام أبو شمالة:
فيما يخص الجوانب الصحية، قام فريق مبادرة سواعد الخير الإغاثية بخطوات أخرى لتخفيف أعباء الحرب، حيث ننفذ زيارات للمستشفيات المتواجدة بمدينة خان يونس ومنطقة دير البلح والتي تأوي مئات الجرحى والمعوزين والمرضى والأطفال، وقمنا بتوزيع الهدايا ومبالغ مالية تعينهم في هذه الاوقات الصعبة.
ولعل من نافل القول، أن فريق المبادرة يعمل على توثيق كل مبادراته وتدخلاته وزيارته عمله على اشرطة وفيديوهات يتم تقاسمها على صفحتنا على منصة التواصل الاجتماعي فايسبوك، من أجل تسليط الضوء على مبادرة سواعد الخير الإغاثية ونطاق ومحاور تدخلاتها وعملها، ويدخل هذا العمل التوثيقي أيضا في إطار التحفيز على زيادة التبرعات وتوسيع قاعدة المسمولين بتوزيع المساعدات بقطاع غزة، والانفتاح على متبرعين وجهات مانحة من خارج القطاع.
5- أنباء إكسبريس: أخبرتنا قبل قليل، أن المبادرة التي تنسقون جهودها يتم دعمها عملها من داخل الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، كيف يتم الأمر؟
عصام أبو شمالة:
لما كنت طالبا بسلك الماجستير، تشرفت بنيل صداقة طلبة شباب من الصحراء المغربية، شكلنا مجموعة طلابية منسجمة خلال سنوات دراستنا بمصر العربية، وتقاربت رؤانا حول العديد من القضايا، وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني العادلة، وما يعانيه من ويلات الاستعمار الغاشم منذ إطلاق وعد بلفور الى حدود تنظيم هذا اللقاء.
هذه الصداقة المتأصلة لم تكن لحظية استجابة لنزوة شبابية عابرة، بل أينعت واكتمل نضجها منذ اللحظات الأولى، وكانت بمثابة البلسم لنا نحن الغزاويين، منذ بدء القصف الغاشم على القطاع، حيث لم يهدأ بال إخواننا في أقاليم المملكة المغربية الجنوبية حتى اطمئنوا علينا وعلى أحوالنا وبحث ما يمكن عمله في هذه الظروف العصيبة.
ومن هنا، انتقلت هذه المبادرة وفكرتها الصائبة إلى إخوتنا في المملكة المغربية، شكلنا فريقا تقنيا متواجد بالمغرب الشقيق، وهم من قاد عملية وحملة الانتشار والامور التقنية من أجل توسيع دائرة التبرع وتكبير قاعدة المستفيدين من هذا المشروع الإنساني والتعريف به جهويا ودوليا.
حاولنا في مبادرة سواعد الخير الإغاثية، بمعية الأشقاء الصحراويين المغاربة إلى إظهار حجم صور المعاناة الانسانية التي يعاني منها الاف النازحين الفلسطينيين، عن طريق توثيق ورصد حياة الناس الذين هدمت بيوتهم وهجروا، وكانوا حقيقة في وضع صعب ومأساوي، لشدة المعاناة، جراء استشهاد ابنائهم أو وقوعهم جرحى، وهم الأن موجودون بالخيام، وبحاجة ماسة إلى الكثير من المساعدة.
قمنا بتوثيق تلك الماسي والمشاهد والانتهاكات الجسيمة وفي مرحلة ثانية نرسلها إلى اخواننا بالمغرب من أجل مباشرة الجوانب التقنية والفنية والعمل على نشر هذه المواد التوثيقية في صفحتنا على موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك وفي صفحات كثيرة أخرى والتعريف بهذه المبادرة الإنسانية لدى الجمهور الإسلامي والعربي والعالم الحر.
نتقاسم في مبادرة سواعد الخير الإغاثية مع إخوتنا في المغرب، هدفا ساميا يتجلى في تطلعنا جميعا إلى أن نضع هذه المعاناة تحت المجهر ، ولتحقيق هذا المبتغى نعمل كخلية نحل على انتاج لقاءات وتصريحات وبودكاست وبرامج قصيرة حول أهالي الشهداء والجرحى والمعوزين والمرضى وكل من هجر قسريا أو نزح بفعل ضراوة القصف الإسرائيلي الأعمى سواء في المواصي كمنطقة غربية لمدينة خان يونس، وهي مكتظة بالنازحين وصحراوية بمحاذاة البحر الأبيض المتوسط، وأصبحت تضم أكثر من 750000 ألف نازح، عوض 5000 في السابق، أو في المناطق الأخرى بجنوب غزة.
يقوم شباب الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية الشقيقة بإعداد ومونتاج فيديوهات للحياة اليومية بمخيمات غزة المتناثرة، وأثار القصف والدمار بها، وتسجيل استحالة النفاذ للحقوق بسبب وحشية وضراوة الحرب واشتداد القصف المكثف على المدنيين بالمنازل والخيام ودور العبادة والمناطق المكتظة والاسواق وكل شيء يمت بصلة إلى الحياة بغزة.
وقد أعد الفريق التقني 30 شريطا توثيقيا لعمل مبادرة سواعد الخير الإغاثية الى حدود اللحظة، تظهر كلها مجالات تدخل الفريق الميداني في جوانب التغذية والخدمات الاستشفائية وتوفير سبل الحياة الاخرى المخففة من اثار القتل والدمار، كتوزيع مبالغ مالية لإسناد قدرة العوائل النازحة على قضاء حوائجهم في حدودها الدنيا.
6- أنباء إكسبريس: كيف تواجهون في قطاع غزة الإغلاق المستمر للمدارس وتوقف العملية التعليمية؟ هل للمبادرة أفكار في هذا الشأن؟
عصام أبوشمالة:
لم تغفل مبادرة سواعد الخير الإغاثية الجانب الثقافي والتعليمي، نظرا للضرر البالغ الذي لحق المنظومة التعليمية في قطاع غزة بفعل التدمير الشامل الذي أصاب البنيات التحتية التعليمية.
ولذلك اهتمت المبادرة بالجانب الثقافي في ظل الوضع المأساوي واستمرار الحرب على غزة وإغلاق المدارس، ووجود الكثير من الطلبة، وفي هذا الصدد، أود أن أؤكد أن نسبة الأمية في غزة قبل الحرب لا تتعدى 1 في المئة.
فقطاع غزة كان يعد المنطقة الأولى في العالم إحصائيا من حيث انعدام الأمية، فنحن شعب مهتم جدا بعملية التعلم والتعليم، ونظرا لظروف الحرب القاسية انتشرت مراكز تحفيظ القران، وكانت مبادرة سواعد الخير سباقة إلى دعم مركز في المخيم لتحفيظ القران وزودته بالمدرسين والامكانيات ونظمتها مهرجانا لتحفيظ القران.
حيث تمكن أكثر من 180 طالبا وطالبة من حفظ القران الكريم في هذا المركز المقام من قبلنا، الموجود على شاطئ دير البلح، وقامت المبادرة بتسليم جوائز نقدية إلى أفضل خمس حافظين للقران الكريم، وسلمنا جوائز مادية كتوزيع الطعام على الحافظين وهدايا رمزية بجهود خاصة وقليلة.
قمنا أيضا في مبادرة سواعد الخير الإغاثية بتنظيم عملية ترفيهية لأطفال المدارس، حيث قمنا بجمع تلاميذ ثلاثة مدارس، علما أن المدارس مخصصة لسكن اللاجئين والنازحين والمهجرين منذ عشرة شهور.
وأشرف فريقنا على تنظيم برنامج ترفيهي حول الفلكلور الشعبي، وورشات رسم بالألوان على خدود الأطفال، واستمتعوا بعروض موسيقية للدبكة الشعبية الفلسطينية والمنشدين الوطنيين، واختتم البرنامج الترفيهي بتوزيع بعض الهدايا في مسابقات للمرح على الطلبة والاطفال، حيث توخينا من تنظيم تلك الأنشطة، تقوية صمود الشعب الفلسطيني ضد غشامة هذا العدو الصهيوني، حيث لاقت فكرة تنظيم المهرجان ترحيبا قويا من اهالي الأطفال لما احتضنه من نشاط وفاعليات ترفيهية لأبنائهم.
7- أنباء إكسبريس: ما تقييمكم لدور المملكة المغربية في المساعي الدولية لإيقاف الحرب على غزة وحماية فلسطينيي غزة والاستجابة لحاجياتهم السريعة؟
عصام أو شمالة:
نحن الفلسطينيين لا يمكننا إلا أن نقف إجلالا وتقديرا لجهود الملك محمد السادس والمملكة المغربية، لما يوليه ملك المغرب من جهود مقدرة لدعم الشعب الفلسطيني وصموده، والترافع من أجل تمكين فلسطين من حقوقها التاريخية وعلى رأسها بناء دولة فلسطينية على أرضها.
وبالنسبة لنا، الشعب المغربي شقيق للشعب الفلسطيني وقد ترجمت تلك المشاعر عبر الكثير من المحطات النضالية والإنسانية والإسناد المعنوي والمادي والميداني.
وليس سرا التصريح أن المملكة المغربية عريقة بالمساندة وقت الأزمات، حيث شارك المغرب عبر جسر جوي وبري بتقديم مساعدات عينية منذ بداية الحرب، عن طريق إدخال الكثير من المساعدات الغذائية واللوجستية إلى قطاع غزة، بالرغم من التضييق الشديد نتيجة عناد وتعنت الكيان الصهيوني لفتح جسور جوية وبرية لإدخال المساعدات الإنسانية الى القطاع.
ومن واجبنا الإشادة بنشاط المملكة المغربية القوي في قطاع غزة، حيث عمل المغرب بتعليمات ملكية على إقامة عديد مراكز الاستشفاء الميدانية تحت اسم مستشفى الرباط المغربي، وهو عبارة عن ثلاث نقاط طبية لخدمة النازحين في مدينة خان يونس، وهو ما شاهدناه فعليا على الأرض.
ولم تنحصر المساعدات الإنسانية المغربية في الخدمات الطبية والغذائية فقط، بل أشرفت البعثة المغربية على تزويد إخواننا من النازحين بالخيام، حيث تم توزيع كميات كبيرة من الخيام المغربية، ولكن أمام عظم الحاجة بفعل وحشية الإحتلال الإسرائيلي وبالرغم من أن الفلسطينيين يكنون كل العرفان والفضل للإخوة المغاربة، إلا أننا في قطاع غزة لا زلنا بحاجة ماسة إلى مزيد من الدعم الانساني والغذائي والطبي المغربي، لمجابهة التحديات الانسانية الملحة.
لا أخفيكم سرا أننا في مبادرة سواعد الخير الإغاثية نقدر عاليا جهود جلالة الملك محمد السادس، ملك المغرب على جهوده الخاصة والعامة في قطاع غزة في ظل هذا العدوان المستمر، حيث كان في المقدمة دائما.
ونرجو أن يكون لمساعيه أثر أكبر في قطاع غزة، لمواجهة الوضع المأساوي وحالة النزوح والتهجير والدمار والركام، ونصبو لكي تكون مبادراته شعلة أمل إلى كل الأطفال والنساء والرجال في قطاع غزة، ويشمل أهل القطاع بكرمه الفياض، ويضاعف إرسال المساعدات الاغاثية لأهالينا من النازحين وعوائل الشهداء والجرحة والأطفال والنساء، سواء كانت مساعدات عينية أو نقدية للمساهمة في تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني.
يكفي أن نذكر في هذا الباب أن شعب المغرب وملكه والشعب الفلسطيني دائما في كل مراحل التاريخ هم شعب واحد وأخوة ونحن نفخر ونعتز صراحة أن أحد أبواب القدس هو باب المغاربة. وبذلك يشهد التاريخ أن الإخوة المغاربة كانوا دائما حاضرين معنا في السلم وفي الحرب وفي الرخاء والشدة.
فلذلك نلتمس من جلالة الملك محمد السادس أن يضاعف جهوده على قطاع غزة في زيادة المساعدات ويعمل على تقوية تدفقها، علما أن المملكة المغربية دائما ما ترسل لنا بعثات تعليمية مقدرة ومنح للتعليم الجامعي في سلك الماجستير والدكتوراه ومبادرات أخرى لم تنقطع تحت أي ظرف.
8- كلمة أخيرة
عصام أبو شمالة:
بقدر سعادتنا في مبادرة سواعد الخير الإغاثية بالانفتاح على المملكة المغربية الشقيقة وشعبها المضياف وقواها الحية المساندة للشعب الفلسطيني في مختلف مراحل صموده ونضاله من أجل التحرر من نير الإحتلال الصهيوني الغاشم، فإننا نتطلع إلى نشر المعرفة على نطاق واسع بمبادرتنا في المغرب الشقيق، وجعل موقعكم الإعلامي الرائد قناة تواصل لإيصال صرخة أهالي غزة وصوتنا في مبادرة سواعد الخير الإغاثية إلى جلالة الملك محمد السادس، ملك المغرب السباق إلى فعل الخير للشعب الفلسطيني قاطبة، ولأهالي قطاع غزة على وجه الخصوص.
ونأمل من خلال موقعكم الموقر، أن يتم التعريف بمبادرتنا الإنسانية على نطاق واسع في المغرب وفي الأقطار المجاورة، وأن تشكل المنظمات غير الحكومية الحقوقية والعاملة في المجال الإنساني منصات لنقل مأساة شعب غزة ومعاناته اليومية مع مشاهد القتل والدمار والتهجير والتشريد والنزوح وشح الموارد، وأن أي دعم مهما قل شأنه يعد بمثابة طوق نجاة وتشبث بالبقاء ودعم للصمود على أرض فلسطين لإفشال مخططات الكيان الصهيوني الغاشم لإفراغ الأرض من أصحابها.
وإننا إذ نشكر موقع أنباء إكسبريس الشكر الجزيل على تواصله الفعال لتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين بقطاع غزة وتقاسم ما يعانون مع أحرار العالم، فإننا نحيط كل من يهتم بدعمنا أو تتبع أخبار مبادرة سواعد الخير الإغاثية أن يتصفح موقعنا على موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك لتلقي المزيد من المعلومات حول مشاريعنا وبرامجنا وسبل دعمنا.