في نفس المنطقة التي كان يقضي بها العديد من وزراء حكومة الكفاءات والموظفين السامين عطلتهم الصيفية في أماكن فارهة بشمال المملكة، على الشريط الممتد بين الرأس الأسود والفنيدق، كان المئات من القاصرين واليافعين المهمشين يبحثون عن منفذ للعبور نحو الشريط الحدودي لباب سبتة.
حيث رابطت قوات الأمن المغربي على الجهة الجنوبية وقوات الأمن الإسباني على الجهة الشمالية، تحسبا لأول هجرة جماعية علنية تم التحريض عليها يوم 15 شتنبر الماضي.
جاؤوا من كل فج عميق إلى مدينة تطوان ونواحيها استعدادا لهجرة جماعية غير مسبوقة، طوفان بشري من شباب بلا مستوى تعليمي وبلا حرفة في اليد، بلا تكوين وبلا مؤهلات، توحدوا في هدف واحد، العبور عبر البحر نحو سبتة بحثا عن حياة بكرامة حتى ولو كانت محاطة بمخاطر الغرق في البحر.
زحف حفدة طارق بن زياد في اتجاه ذات المنطقة التي كان فيها أعضاء الحكومة وكبار صناع السياسات العمومية يتمتعون في الكابانوات والفيلات المشيدة على طول السواحل الجميلة لمدينة تطوان، وعوض أن يقطع المسؤولون عطلتهم ويستعدوا لليلة الهروب الكبير، ويستدعوا تنظيمات أحزابهم ويحركوا كل مؤسسات وزاراتهم للتوعية والتعبئة والتحسيس، اختبأوا وتركوا رجال الأمن وحدهم في مواجهة زحف شباب بلا عمل ولا أمل.
شباب يتصور أوربا جنة نعيم، وهو لا يملك أي مؤهلات تسمح له بأن ينجح في الاندماج في شريان حياة هذا “الألدورادو” المرسخ في متخيلهم الجماعي، أوربا “بلاد الشرفا” التي عرفت بدورها تحولات اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة جعلت اليمين المتطرف يسود في أغلب انتخاباتها، وتزداد شعبية رموز العنصرية بينها انتشارا وتمددا مستغلين حوادث فردية متفرقة هنا وهناك من نماذج الجيل الجديد من المهاجرين الذين تستقطبهم مافيات المخدرات والتطرف والتهريب..
لا أحد يمكن أن يحاكم شبابا على حقهم في الارتقاء الاجتماعي ولا على سعيهم نحو البحث عن سبل أفضل للعيش، لأنهم ضحايا لأطراف عديدة، ضحايا لما تركته السياسات الاستعمارية من ندوب على جسد دول الجنوب المستعمرة، التي أصبحت مصدر تهديد دائم للنزوح البشري والهجرة التي لم تعد سرية بعد ليلة الهروب الكبير، وضحايا أيضا بسبب الإقصاء الاجتماعي وغياب سياسات عادلة تدمج آلاف الشباب واليافعين في قلب الدورة الاقتصادية والاجتماعية.
وتبدو حكومة عزيز أخنوش كما لو تطاردها لعنات الأرض والسماء، من النشأة والميلاد إلى يومنا هذا، حيث ظل يطاردها نحس لم يجتمع بهذا الشكل إلا فيها، فبعد أزمة الهروب الكبير جاءت الفيضانات غير المسبوقة التي ضربت الجنوب الشرقي من المملكة وكشفت عن وضع مزري لبنية تحتية تفتقر للحد الأدنى الضروري لمواجهة الكوارث التي تنبأت بها نشرات الطقس، وقبلها ضرب الزلزال منطقة الحوز وتارودانت.
لقد تجمع في حكومة أخنوش من اللعنات ما تفرق في حكومات سابقة، فمنذ تنصيب فريقها وتقديم برنامجها في أكتوبر 2021، في عز وباء كورونا وما صاحبه من أزمة اقتصادية حادة، توالت سنوات من الجفاف الحاد غير المسبوق حيث جفت الأرض وعز الماء بعد أن نضبت الكثير من موارده التي ساهم رئيس حكومتها في تبديدها حين كان وزيرا للفلاحة بمخطط تجفيف الأخضر واليابس.
وعاشت حكومة أخنوش ثقل الأزمة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية التي ارتفعت تكلفتها على الاقتصادات العالمية وبالأحرى الاقتصادات التابعة أو الناهضة حيث وصل التضخم إلى مستويات قياسية، وبرغم أن سلسلة التوريد وتموين السوق الداخلي بالمغرب ظلت مستمرة، فإن غلاء المعيشة مع ارتفاع الأسعار، زاد من حدة الأزمة الاقتصادية..
والعزاء الوحيد لأخنوش هو أنه في ظل كل لعنات النحس الذي طاردت حكومته ومارست ضغطا كبيرا عليها، فإن شركاته كانت أكبر مستفيد من إحدى هذه اللعنات، أقصد ارتفاع أسعار الوقود، وقد قفزت ثروته إلى 1.7 مليار دولار لهذه السنة.
كثرة الدكاكين السياسية في المغرب والعزوف يزداد يومآ بعد يوم وشيوخ الاحزاب السياسية قد هرموا أين الشباب المثقف؟؟