آراءالشرق الأوسطتقارير

حصري من غزة: حوار مع الكاتب الفلسطيني فايز أبورزق.. الاعلام الإسرائيلي بين الحقيقة والتزييف (2- 2)

وجبت المعرفة أن النخبة الاشكنازية هي التي تسيطر على وسائل الإعلام في إسرائيل..

في الجزء الأول من الحوار مع الكاتب الفلسطيني فايز أبورزق تحدث لنا عن التضليل و التعتيم  الإعلامي الذي يحاول الإحتلال فرضه على قطاع غزة جراء حرب الإبادة المستمرة منذ السابع من أكتوبر.

كما تطرق إلى خيارات التغيير في الإعلام العبري وتعددية وسائله، وكذلك مدى ارتباط الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب بالساسة والعسكر الإسرائيليين في أوقات السلم والحرب.

إضافة إلى أن طريقة توظيف إسرائيل لوسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصفحات  لصالحها لتشويه القضية الفلسطينية والمقاومة وخدمة السردية الإسرائيلية في غزة.

في هذا الجزء الثاني والأخير سيتحدث لنا فايز أبو رزق عن علاقة الصحافة الإسرائيلية بالعائلات اليهودية، وبرأس المال وتأثيره على التغطية الإعلامية للاحداث، وكذا الفرق بين اعلام الاشكناز والسفارديم..

وسيحدثنا الكاتب كذلك عن كيفية التغطية الإعلامية لقضايا فلسطيني الـ48 في الاعلام الإسرائيلي.. ومامدى إستقلالية نقابة الصحافيين الإسرائيليين عن القرار السياسي والعسكري في تل ابيب.

وإليكم نص الحوار 

ما هي علاقة الصحافة الإسرائيلية بالعائلات اليهودية وبرأس المال وتأثيره على التغطية الإعلامية للاحداث؟

بداية علينا الإشارة، إلى أن القوى أو النخب الثلاث المهيمنة على المجتمع الإسرائيلي هي، النخبة السياسية، والنخبة العسكرية، والنخبة الاقتصادية، وهذه النخب الاستراتيجية الثلاث تمتلك السلطة والموارد وذات تأثير في صناعة القرارات وتستخدم وسائل الإعلام وجهاز التعليم والثقافة من أجل إعادة إنتاج الثقافة السياسية الاسرائيلية وتوفير الشرعية لها ولتبرير إستمرار سيطرتها.

على الرغم من أن لكل وسيلة إعلامية أهميتها ومصادرها، ولكن في ظل الانتشار السريع للإعلام الجديد وما يطلق عليه العصر الرقمي والذي يشهد تطورات مذهلة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، باتت الصحف الورقية المطبوعة على مستوى العالم أجمع تعاني أزمة كبيرة في التوزيع والانتشار وبعضها أعلن الإقفال بسبب تراجع دخل تلك الصحف وعدم قدرتها على التكيف ومنافسة الإعلام الجديد. حيث الإعلام الاجتماعي التفاعلي ينافس حتى مواقع الصحف الإلكترونية ويتصدر الكثير والعديد من المشاهد الإخبارية في حياة الفرد اليومية، فكل مواطن يملك هاتفا حديثا يمكنه أن ينشر خبرا على وسائل التواصل الاجتماعي منفردا بذلك عن بعض الصحف المطبوعة والالكترونية على حد سواء.

وإسـتفحلت في السـنوات الأخيرة ظاهرة السـيطرة على وسـائل الإعلام التجارية الكبرى في إسرائيل، من قبل كبار المسـتثمرين، وبشـكل خاص على الصحف الكبرى ومحطات التلفزة واسعة الانتشار، وخاصة القناتين الثانية والعاشرة، وهذه القضية طرحت أكثر من مرة على بسـاط البحث في الكنيست وفي أوساط معينة.

فسـوق الإعلام سـوق ضعيفـة، والأرباح فيهـا قليلة جداً وهامشـية، وغالبيـة الأطر التـي تعمل فيها في السـنوات الأخيرة تعانـي من تراجع مـالي كبير جـداً، يجعلها غير حصينة في وجه الأزمات، وأحد أسـباب هذا الضعف، التغيرات المتسـارعة في سوق الإعلام، وأمام وضع كهذا، تتحول وسـائل الإعلام من ذراع للمسـؤولية تجاه المجتمع، إلى ذراع استراتيجية لحماية مصالح أصحاب رأس المال. فكثـير من المال تدفق في السـنوات الأخيرة على وسـائل الإعلام.

وحقيقة أن أصحـاب رأس المال يوظفون أموالهم بهذا الشـكل، وعلى الرغـم من الوضع الاقتصادي القائم في وسـائل الإعـلام، تعكس ظاهرة الاحتكارات في الاقتصاد الإسرائيلي، وتركيز الكثير من المصالح بأيدي عدد قليـل من المسـتثمرين، وهذا الأمر يخلق حواجـز تحافظ على الكارتيلات والاحتكارات الكبرى في وجه أي منافسة محتملة. وقبل عدة سنوات مضت، كانت صحيفة يديعوت هي أوسع الصحف توزيعا في إسرائيل، وجاءت صحيفتا معاريف وهآرتس في المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي من حيث التوزيع.

حتى برز في المشهد الإعلامي في إسرائيل عام 2007م، ملياردير يهودي أميركي يدعى شلدون أدلسون يحمل أفكارا يمينية متطرفة ويعتبر من أهم داعمي بنيامين نتنياهو، ما أدى الى خسائر مادية كبيرة في مدخولات كل الصحف الإسرائيلية.

أدلسون أصدر صحيفة يطلق عليها ‘”يسرائيل هيوم” في نهاية تموز/ يوليو العام 2007م، وبسبب امتلاك هذه الصحيفة رأس المال، امر أدلسون بتوزيع يومي لآلاف النسخ المجانية في نقاط توزيع في ومحطات الوقود ومحطات القطارات والمتاجر الكبرى وأكشاك الصحف والأماكن العامة، إضافة لذلك، قام أدلسون عام 2014م، بالمزيد من التوغل ومحاولات السيطرة على المشهد الإعلامي من خلال شرائه صحيفة ماكور ريشون الأسبوعية، وموقع nrg الإلكتروني، الذي كان تابعا لـ معاريف، وأصبحت الصحيفة والموقع ملكا لـ “يسرائيل هيوم”.

لعل المثال الأكثر وضوحا على تأثير علاقات رأس المال والسلطة على التغطية الصحافية، يكمن في التغيير الذي شهدته صحيفة “يديعوت أحرونوت” خلال العقدين الأخيرين، بتوجيه من أرنون موزس، أحد أصحاب الشركة الناشرة للصحيفة و”المحرر المسؤول” فيها. ففي أواخر تسعينيات القرن الماضي كان الملحق الرئيسي للصحيفة “يديعوت أحرونوت” يحفل بالتحقيقات الصحافية حول أنشطة السياسيين ورجال الأعمال والعلاقات المريبة بين الجانبين. ولكن منذ بداية سنوات الـ 2000م، أخذ موزس يمارس الضغط على المحررين والصحافيين كي يكفوا عن نشر تحقيقات صحافية انتقادية تتعلق بقائمة طويلة من المقربين.

ومن هنا، فإن كل من رغب في نشر معلومات مهمة حول العلاقات الشاذة والمريبة بين أصحاب رؤوس الأموال والسياسيين، وجد نفسه في صراع ليس فقط ضد ضغوط خارجية، من قبيل التهديد برفع دعاوى قضائية وأعمال انتقام شخصية، وإنما أيضا ضد ضغوط من داخل المؤسسة الصحافية، ومن جانب كبار المسؤولين فيها.

لعله يجدر بنا توجيه الأنظار نحو صحيفة “معاريف،” التي كانت على امتداد سنوات طوال المنافس الرئيسي لـ”يديعوت أحرونوت،” والتي أي “معاريف” قدمت في السنوات الأخيرة مثالا على الانحياز لأسباب تجارية صرفة.

ففي ربيع العام 2011م، سيطرت شركة يملكها رجل الأعمال نوحي دنكنر على صحيفة “معاريف”، ومنذ تلك اللحظة أخذت الصحيفة تخدم الأهداف التجارية لمالكها الجديد.

وبما أن رجل الأعمال (دنكنر) ترأس في تلك الفترة كارتيلا ضخما يضم مجموعة من الشركات الإسرائيلية البارزة، ومن ضمنها شركة تأمين كبرى وشبكة حوانيت وإحدى أكبر شركات الهواتف الخلوية في السوق الإسرائيلية، فقد كان تأثير ذلك على عمل المراسلين والمحررين في صحيفة “معاريف” حاسما، فيما يتعلق بنشر أي أخبار أو معلومات لها صلة بالشركات الخاضعة لسيطرة مالك الصحيفة دنكنر.

هل هناك فرق بين اعلام الاشكناز والسفارديم؟

يوجد فروقات في التعامل بين الاشكناز والسفارديم في وسائل الاعلام الإسرائيلية، ولكن لا يوجد إعلام خاص بالاشكناز وإعلام خاص بالسفارديم بل يوجد برامج موسيقى أحيانا أو برامج خاصة بأعياد اليهود من أصول شرقية أو غربية ونجد قنوات راديو خاصة على سبيل المثال تبث أغاني مغربية أو روسية أو امهرية وهذا لا يعتبر إعلام بل هي محطة موسيقى بدون برامج حوارية سياسية او اجتماعية مؤثرة.

لكن على الرغم مما سبق وجبت المعرفة أن النخبة الاشكنازية هي التي تسيطر على وسائل الإعلام في إسرائيل، وقد فضح الكاتب اليميني المتشدد افيشاي بن حاييم وهو يميني متشدد ولد لأبوين مهاجرين من المغرب، من خلال كتابه، (إسرائيل الثانية.. البشرى السارة والظلم المر). الظلم الذي تعرض له اليهود السفاراديم (الشرقيين) على أيدي اليهود الإشكناز (الغربيين).

والمثير للسخرية أن الكاتب بن حاييم من أصول شرقية، إلا أنه من أشد المدافعين عن سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (ذو الأصول الاشكنازية).

وقد حاولت في كتابي الثاني “أيديولوجيا الصحفيين الإسرائيليين”توضيح الفروقات بين الصحفيين الإسرائيليين، واختلاف ولاءاتهم وانتماءاتهم الحزبية في تعاملهم مع الشأن الفلسطيني والعربي، وذلك من خلال رصد التوجهات والآراء السياسية لعشرات الصحفيين من مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية الكبرى (رجال ونساء ويمنيين ويساريين وشرقيين وغربيين ومتدينين ومستوطنين).

ويعتبر الكتاب هو الأول من نوعه في المكتبة العربية الذي يتعمق في تناوله لموضوع الصحفيين الإسرائيليين بأبعاده المتشعبة.

الطبعة الثانية من كتاب الإعلام الإسرائيلي بين الحقيقة والتزييف 

عالجتم في أحد فصول كتابكم عن كيفية التغطية الإعلامية لقضايا فلسطيني الـ48  في الاعلام الإسرائيلي هل هذه التغطية مشابهة لقضايا فلسطينيي الضفة وغزة؟

العنصرية الإسرائيلية ضد فلسطينيّ 48 هي ماكنة إعلامية لا تتوقف عن الدوران، حتى إن وسائل إعلام إسرائيلية نشرت تقارير عديدة حول حرائق اندلعت في عدة أنحاء في إسرائيل عام 2016م واتهمت العرب بإشعال الحرائق ومنها الموقع الالكتروني لصحيفة يديعوت احرونوت الذي كتب في عنوانه الرئيس” انتفاضة الحرائق” وذلك بتاريخ 24-11-2016م، والمثير للسخرية في التحريض الإعلامي الإسرائيلي أن الحرائق لم تقتصر على المدن التي يقطنها اليهود، بل اندلعت أيضا في نفس الفترة في مدن وبلدات عربية مثل الناصرة وأم الفحم، وحيفا والقدس “اللتان تقطنهما أقلية عربية”، وباقة الغربية وأبو سنان والبطوف، ولم يعتقل الأمن الإسرائيلي أي متهم، ولم يثبت كذلك أن الحرائق كانت بفعل فاعل.

تؤكد أبحاث أساتذة جامعيين في الإعلام الإسرائيلي أن التغطية النمطية للعرب في إسرائيل ما زالت على حالها منذ إقامة الدولة العبرية، وأنها تساهم في نزع الشرعية عن مطالب الجمهور العربي للمساواة المدنية والقومية.

وطبقاً للباحثين فإن التغطية الإعلامية لأخبار الأقلية العربية في إسرائيل تقوم على تجاهل شبه تام لقضاياهم الحياتية اليومية وحصرها في أخبار سلبية، أو ما يعرف بأحداث إخلال بالنظام، وشغب، فضلا عن تبني وسائل الإعلام نمط استضافة شخصيات عربية معينة دون سواها لاعتبارها معتدلة وفق القاموس الإسرائيلي، كأنها تقول لجمهور المستهلكين إن الشخصيات التي لا يسمع صوتها هي متطرفة ومعادية للدولة. كما يشير هؤلاء إلى حقيقة أن معظم وسائل الإعلام العبرية لا تشغل عربا إلا في حالات نادرة على الرغم من أن الجمهور العربي يعتبر مستهلكا لها.

تبنت وسائل الإعلام النظرة السياسية الرسمية الإسرائيلية التي رأت في العقدين الأولين للدولة الإسرائيلية في العرب الذين لم يهربوا أو يهجروا من وطنهم طابورا خامسا أو أعداء للدولة، ولم تتبدل الحال كثيرا بل اشتدت وطأتها في العقدين الأخيرين مع اتساع النفوذ اليميني في الشارع الإسرائيلي، وتبني أحزاب متطرفة برامج عنصرية تقوم على إرغام العرب بإعلان الولاء للدولة اليهودية، مثلا مشروع “التبادل السكاني” أي ترحيل فلسطيني منطقة المثلث إلى الدولة الفلسطينية العتيدة للتخلص من 300 ألف عربي وأكثر. وقد باتت مثل هذه المسائل والطروحات، منذ سنوات، موضع سجال ونقاش علني في برامج متلفزة وإذاعية.

ومما يلاحظ من التلاعب الإعلامي الإسرائيلي في قضية تهميش العرب في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أنه حين يتم استضافة العرب عبر البرامج الحوارية في القنوات الإسرائيلية، فلا تكون هذه البرامج هي الأكثر مشاهدة في المجتمع الإسرائيلي، كذلك لا يتم استضافتهم في برامج ذات طابع سياسي، وخاصة إذا كانت المواضيع المطروحة تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ومثال آخر من أمثلة تهميش العرب في وسائل الإعلام العبرية، في العام 2015م، تم اختيار عضو الكنيست عايدة توما- سليمان، لمنصب رئيس لجنة النهوض بمكانة المرأة والمساواة بين الجنسين، لتكون بذلك أول عضو كنيست عربي يرأس لجنة دائمة في الكنيست الإسرائيلي، توما التي عملت سابقا رئيسة تحرير لصحيفة الاتحاد، وتتحدث الإنجليزية والعبرية بطلاقة تامة، تجاهلت وسائل الإعلام العبرية إستضافتها عند الحديث حول قضايا المساواة بين الجنسين والعنف ضد المرأة، بينما رحبت تلك الوسائل بزميلات توما اليهوديات في اللجنة.

وفي أحد الأبحاث التي نشرت حديثا، تبين المعطيات بأن الصحافة الإسرائيلية تختار أن تتجاهل المجتمع العربي في فلسطين المحتلة عام 48، وتفضل بشكل عام تصويره بشكل سلبي أو نمطي، رغم ما يتسبب به ذلك من تأثير دراماتيكي سلبي على وجهة نظر الغالبية اليهودية تجاه الأقلية العربية ومكانتها في إسرائيل وبخاصة في حالات التوتر الأمني.

وفي البحث الذي أجراه مركز “إعلام” الفلسطيني بتمويل من الاتحاد الأوروبي، حول خطاب حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيلي، وشملت عينة البحث وسائل الإعلام التالية: “يديعوت أحرونوت”، “معاريف”، “هآرتس”، “يسرائيل هيوم”، “القناة الأولى”، “القناة الثانية”، “القناة العاشرة”.

ومن ضمن ما أظهرته النتائج، انشغال وسائل الإعلام التي شملتها عينة البحث بحقوق الإنسان الخاصة بالمجتمع اليهودي على مختلف أطيافه، وهامشية التقارير التي تعالج حقوق الإنسان في مدينة القدس الشرقية، كذلك، لم تحظ انتهاكات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين لحقوق الإنسان باهتمام كبير في الإعلام الإسرائيلي، وفي الحالات التي ظهر تناول كهذا، لم تظهر التقارير تأييدا دائما للجهة التي انتهكت حقوقها.

وأظهرت نتيجة أخرى من البحث، تجاهل الإعلام الإسرائيلي للقانون الدولي والمواثيق الدولية التي صادقت إسرائيل عليها. وبيّن البحث أن ثمة خشية مبطنة لدى الإعلام الإسرائيلي، من استخدام خطاب حقوق الإنسان، أو مفردات تستقى من عالم حقوق الإنسان. عوضا عن ذلك، يجري استخدام مصطلحات عاطفية يفترض فيها أن تستدر التعاطف، أو أن تخلق النفور من حدث أو سلوك معين. وبين البحث أن التغطية الإعلامية لانتهاك حقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة تتأتى من خلال المنظور الأمني، لا من خلال منظور حقوق الإنسان.

هل نقابة الصحافيين الإسرائيليين مستقلة عن القرار السياسي والعسكري في تل أبيب ؟

تعمل في إسرائيل ثلاث نقابات للصحافيين، في: القدس وتل أبيب وحيفا. بدأ التنظيم الأول للنقابة في القدس في سنة 1922م، إلا أن الاعلان عنها بصورة رسمية تم في سنة 1933م، وأسست النقابة في تل ابيب في سنة 1935م، بمبادرة 27 صحافيا طلبوا تأسيس نقابة مهنية غير حزبية، غير منضوية تحت لواء الهستدروت (نقابة العمال).

وتأسست نقابة أخرى للصحافيين في حيفا في السنة ذاتها، أي 1935م. وينتسب إلى كل واحدة من هذه النقابات كل من يعمل صحافيا في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية. النقابات الثلاث تتمتع باستقلالية ذاتية، واتفقت الإدارات فيها على الانخراط تحت مظلة “الاتحاد الوطني للصحافيين في إسرائيل”.

وتقف هذه النقابات في الكثير بما يخص الصراع العربي الإسرائيلي إلى جانب الساسة والعسكر في إسرائيل، بحيث تتخلى تماما عن أخلاقيات المهنة وأدبيات العمل الصحفي.

عام 2014م، تم طرد “الاتحاد الوطني للصحافيين في إسرائيل” من عضوية الاتحاد الدولي للصحافيين بسبب عدم التزامه بقوانين الاتحاد.

وبخطوة غير مسبوقة “استدعت لجنة متفرعة عن لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي في فبراير 2016م، برئاسة النائبة تسيبي لفني، ممثلي الصحافة الأجنبية في إسرائيل، للرد على أسئلة واستفسارات اللجنة حول تغطيتهم لبعض الأحداث في تقاريرهم الصحافية، وعلى الرغم من امتناع المراسلين الأجانب المثول أمام اللجنة، ورفض التدخلات في عملهم ومضامين التقارير التي يرسلونها لوكالتهم، إلا أنهم وبعد ضغوطات تعرضوا لها من رئيس اللجنة “لفني” وافقوا على الجلوس مع أعضاء اللجنة التي اتهمت المراسلين بتغطية إعلامية أحادية الجانب ومتحيزة للفلسطينيين.

عام 2022م، وقعت حادثة من قبل أحد الصحفيين الإسرائيليين الذي ينتمون للنقابة المهنية، حيث قام المصور الصحفي الإسرائيلي “موشي بن عامي” بإطلاق النار من مسدسه الشخصي على فلسطيني في مدينة القدس، وهو المواطن “إسماعيل نمر” عمره 44 عاما من سكان بيتونيا قضاء رام الله، وأب لثلاثة أطفال، بزعم تنفيذه عملية طعن لمستوطن إسرائيلي.

الملاحظ في الخبر أن موشي بن عامي ليس شرطيا أو جنديا، وإنما صحفيا يذهب لعمله بمسدس، وقلما يحدث ذلك في المجتمعات المدنية المتحضرة، ولكن عندما نتحدث عن عسكرة المجتمع الإسرائيلي، فليس غريبا أن يفتخر بن عامي بمطاردته لفلسطيني وقنصه برصاصة من مسدسه، حتى أن صحيفة يديعوت احرنوت التي يعمل بن عامي في موقعها الالكتروني، تباهت ببطولته، حيث نشرت صورته في مكان الحادث، مرفقة معه تسجيلا صوتيا يتحدث لزميل له عما فعل وكيف أوقف سيارته وطارد الفلسطيني حتى أصابه برصاصة.

ولاستكمال دائرة العنصرية، وتبسيط قتل أي فلسطيني وجعله أمرا مباحا لكل إسرائيلي مدنيا أم عسكريا، فقد أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت أنذاك “يائير لبيد” بموقف بن عامي، ووصفه بالبطل.

وعام 2018م، وبعد انتقادات دولية واسعة لما ارتكبته القوات الإسرائيلية بحق الصحافيين الفلسطينيين والدوليين الذين قاموا بتغطية مسيرات العودة بغزة، عارض رئيس نقابة الصحافيين الإسرائيليين الانتقادات الدولية لممارسات الجيش الإسرائيلي، وقال في حديث للإذاعة العامة الإسرائيلية بتاريخ الثامن من أبريل عام 2018م: “نحن مقتنعون أن الجيش الإسرائيلي يحافظ على القيم الديمقراطية بما فيها ممارسة حرية الصحافة”

وفي نوفمبر عام 2018م، صمت الاتحاد الإسرائيلي على تعرض أعضاء من اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للصحافيين، لاعتداء من قبل الجنود الإسرائيليين الذين أطلقوا قنابل غاز مسيل للدموع على مسيرة سلمية شاركت بها قيادات من الاتحاد الدولي للصحافيين بالقرب من حاجز قلنديا المقام على مدخل مدينة القدس.

وبرغم توجيه الاتحاد الدولي للصحافيين رسائل احتجاج لكل من الأمم المتحدة واليونيسكو ورئيس الحكومة الإسرائيلية، إلا أن اتحاد الصحافيين الإسرائيليين تجاهل موضوع الاعتداء، ولم يصدر عنه ما يدينه.

وبلا جدوى يطالب الاتحاد الدولي للصحافيين السلطات الإسرائيلية الاعتراف ببطاقة الصحافة الفلسطينية الدولية التي تعترف بها 145 حكومة حول العالم، ولكن لا تعترف بها إسرائيل.

كلمة ختامية

التضليل الإعلامي الذي يقع فيه غير الخبير بدهاليز الإعلام الإسرائيلي، فمن يحاول العثور على مقالة مترجمة، تكشف المستور في دولة الاحتلال، عليه أن يفيق من وهم حرية الصحافة الاسرائيلية، فغالبية الصحف الكبرى في اسرائيل مملوكة لعائلات تدين بالولاء للمال أولا ،وثانيا لهذا السياسي أو ذاك، وبالطبع جميعها تدين بالولاء لجيش الاحتلال ومجندة خلفه في السلم والحرب، وعلى سبيل المثال فإن صحف مثل (يسرائيل هيوم ويديعوت احرونوت ومعاريف وهآرتس) يملكها على التوالي عائلات (ادلسون وموزس وبن تسفي وشوكن)، وهي عائلات يهودية لها نفوذها المالي والسياسي في إسرائيل.

ولكن النموذج الأخطر في نقل الأخبار وترجمتها من المواقع الإخبارية العبرية إلى اللغة العربية، هو فئة من المجهولين، حيث تبرز أسماء مجهولة في صفحات التواصل الاجتماعي وفي مجموعات الواتس أب، تتداول أخبارا بطريقة مشوهة ومشبوهة تثير علامات استفهام كبيرة، وفي الغالب أن هذه الفئة إن لم تكن وحدة اسرائيلية (على غرار وحدة التجسس والحرب الالكترونية 8200 ).

فهي بالتأكيد عميلة للاحتلال سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتتعمد هذه الشخوص المجهولة إثارة البلبلة وتهويل الأحداث، وتسريب أخبار مختلقة لا وجود لها فعليا في المصادر العبرية المشار لها في الخبر، والمطلع على الإعلام العبري يدرك على الفور أن هذه أخبار تحريضية مفبركة وترجمتها تمت وفق ما يخدم الاحتلال لبث الشائعات والتخبط، وللأسف تنتشر هذه الأخبار انتشار النار في الهشيم، ويقع كثير من الإعلاميين في فخ نقلها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التأكد من وجود الخبر في المصدر العبري المذكور.

ومنذ إعلان “إسرائيل” عن اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية، عمل هذا الإعلام على مزيد من التخطيط والتنسيق في الدوائر الإعلامية الحكومية في الدولة العبرية، لشيطنة الفلسطينيين واختراق الوعي الشعبي العربي، ومحاولة كسر حالة الجمود والجفاء الراسخة منذ عقود لدى الشعوب العربية.

الأمانة العلمية توجب أن نشير إلى أنه برغم تمترس الإعلام العبري وبشكل تام خلف رواية المؤسستين العسكرية والسياسية أثناء الحرب والسلم مع الفلسطينيين، لكن عندما يتعلق الأمر بقضايا الصراع الداخلي في إسرائيل فهو إعلام شرس جدا، يحقق ويكتب وينتقد ويهاجم بقدر كبير من حرية التعبير والفكر والرأي _أحيانا حسب مصالح أباطرة المال الذين يملكون الكيانات الإعلامية – بغض النظر عن قيمة أو مكانة الأشخاص الذين يُكتَب عنهم، وهذا ما اتضح بشكل جليّ بعد افتضاح أمر الكثير من قضايا الفساد في إسرائيل.

وفي النهاية لا يسعنا سوى شكركم على الاستضافة.

https://anbaaexpress.ma/cg4kz

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى