آراءثقافة

نظرات في الكتب المُقَدَّسَة

القرآن به فصول طويلة من اللغات الأخرى غير العربية تم جعلها ونطقها وترجمتها من تلك اللغات أو اللسانيات إلى قومية ذات لسان عربي مبين..

تنبيه مهم جداً

هذه الكلمة لا علاقة لها بالمعتقد الديني حيث كان، وإنَّما هي نظرات في الكتب المُقَدَّسَة من حيث اللغة العربية فقط.

الأمر الثاني هذه الكلمة ناقصة وتحتاج إلى مزيد من التفاصيل والضبط والمعلومات وبالتالي هي عامَّة من حيث النظرات فقط.

تعريفات لغوية

“توراة” مشتقة من الفعل العبري “يرى” بمعنى “يعلم” أو “يرشد” أو “يرى “، كما في ” وعمل يهوآش ما هو مستقيم في صدره الرب كل أهمية التي فيها علمه يهوياداع الكاهن”.

التوراة: اسم عبراني (بالعبرية: תּוֹרָה؛) تعني الشريعة أو التعليم أو التوجيه الترئية بالمعنى الحرفي (وخصوصاً فيما يتعلق بالتعليمات والتوجيهات القانونية)، وقد تكلَّف النُحَاةُ في اشتقاقها وفي وزنها وذلك بعد تقرير النحاة أنَّ الأسماء الأعجمية لا يدخلها اشتقاق، وأنَّها لا توزن، يعنون اشتقاقاً عربياً.

والإنجيل بعد التعريب من اللغة الآرامية تعني البشارة السعيدة، ولكن من حيث المعنى اللغوي والدلالي يفيد بمعناها من الحكمة.

والقرآن نفسه من الناحية المصدرية من قرأ وهي القراءة المعروفة، وقيل من القِرَى أي إكرام الضيف، وقيل غير ذلك، ويقع في ثلاث مستويات هي: الصفة والفعل والاسم راجع سورة الرعد: {ولو أنَّ قرءاناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ، بل لله الأمر جميعاً}.

دلالات الإنزال والتنزيل

أصل الإنزال من أعلى لأسفل، لكنه يأخذ معاني أشد دقة منها الإيضاع أو التموضع والتضمين والتكنين – المكنون – منه وفيه وله وبه ذاته من ذاته – أي من أصله – حيث كان إلى القلب مباشرةً ومن بعد يخرج إلى اللسان من باب التفوُّه واللغة إلى حيز الفعل والحركة ومثالها التوجيهات أفعل ولا تفعل.

أمَّا التنزيل فيفيد التراخي في الزمن من حيث حكم الوقت والمناسبة والحكمة وهلم جرا؛ وليس بالضرورة وجود التنزيل من أعلى لأسفل قاعدة ثابتة بل يتعداه إلى غيره من المعاني والدلالات مثل حركة ونشاط المجتمع البشري ذاته، أي من واقع الحياة نفسها فيساق ويُلْتَقَطُ المثَلُ الأعلى والفعل والتشبيه والتنفيذ والمحاسبة والمعاقبة وافعل ولا تفعل وما إلى ذلك من حركة الناس وحيواتهم.

القرآن العربي والقرآن الأعجمي

هذه مادة لطيفة لا تخلو من إشكال وخلاف واختلاف للرأي والرأي الآخر؛ فهل القرآن كله عربي أم كله أعجمي أم بين دفتيه العربي والأعجمي ؟.

قبل أن أُعَلِّق على هذه الفقرة؛ أصحاب التخصصات العلمية والأكاديمية وبالتحديد اللسانيات يقولون إنَّ القرآن لا يخلو من كلمات أعجمية مثل: قسورة وسندس واستبرق وما أشبه؛ وبالتالي ليس عربياً صرفاً كما حدثتنا الآيات القرآنية عن ذلك؛ ومنهم من يقول: بل هو عربيٌ صرفٌ نزل بلغة العرب ولسانهم – اللسان يعني القومية – وثقافتهم وما يجري مجراه؛ ومن هنا برز الخلاف بين الفرقتين.

حسناً ! الآيات القرآنية تقول: {إنا أنزلناه قرءانا عربياً لعلكم تعقلون} سورة يوسف؛ وتقول: {إنا جعلناه قرءانا عربياً لعلَّكم تعقلون} سورة الزخرف؛ فما هو الفرق بين الإنزال وبين الجعل من عِلَّة التعقل والعقل؟.

حسناً! الإنزال من ناحية الدلالة المعرفية تفيد بقاعدته الذهبية وهي اللغة العربية الصرفة التي هي اللسان القومي العربي القرشي بجزيرة العرب؛ وليس ههنا خلاف للسواد الأعظم من الناس؛ أمَّا الجعل فهو عملية تحويل الشيء من شيء إلى شيء آخر من مادته أو غير مادته بحيث تتغير القاعدة الذهبية ههنا ولا تخل بالقاعدة الذهبية الأولى ولا تتعارض معها ومثالها قوله تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي إلا يؤمنون} سورة الأنبياء، فالقاعدة الأصل هنا الماء ثم تحول منه مادة الدواب لكل شيء حي، إذ الدواب لم تكن في الأصل دواباً بل كانت ماءً فصيرت بعد التخليق والتحويل والصيرورة إلى دابة تختلف في المقدار والشكل والحجم والفكرة حيث كانت؛ وتتحد في النوع من حيث ثبوت القاعدة الأولى الأصل وهي مادة الماء.

إذا فهمت هذه الفقرة الأولى، فستفهم الفقرة الثانية من ذات الموضوع؛ وهي عملية جعل لغة القرآن الأعجمية وتحويلها إلى نص عربي فصيح وواضح ومبين؛ ومثالها الترجمة من لغة لأخرى، وهنا من العبرية إلى العربية كلغة بني إسرائيل مثلاً،  ومن الآرامية إلى العربية كلغتهم أيضاً لكن في عهد مختلف وهو عهد المسيح؛ فكان الأصل منهما غير عربي (عجمي بلا شك وهي عكس عربي تماماً) فجعلت بعد لأي ترجمةً حيَّة ومباشرةً ونقل من العبرية أو الآرامية أو السريانية أو أي لغة بادت وانتهت إلى لغة عربية حيَّة ومستمرة وضعت بين دفتي المصحف فصيرت عربية صرفة لا عوج فيها ولا أمت.

مثال على ذلك من سورة الشعراء: من الآية 1 – 9 عربية واضحة قُحَّة ومن الآية 10 – 189 غير عربية لأنَّها تتحدث عن تاريخ أممي سابق بلغات اندرست وانتهت وبادت فجعلها أو ترجمها من لغاتها الأصيلة الأصلية السابقة إلى لغة العرب المعروفة اليوم منذ قرون طوال،ومن الآية 190 – 227 عربية صرفة.

إذاً ما بين الأعجمية والعربية في سورة واحدة مثالٌ جليٌ على أنَّ القرآن حمل الصفتين لكنه أثبتها إلى أن تقوم القيامة باللغة العربية الفصحى لغة قريش ومن جاء بعدهم من العرب والعروبيين وليس مجرد كلمات فقط يا أهل اللسانيات.

لاحظ التوافق بين الفكرتين في منهج واحد؛ القواعد الأصلية للسان كل قوم في الزمان السابق غير عربية – لغير الناطقين بها – وحتى المبعث النبوي صيرت أو جعلت أو ترجمت أو تحولت أو تطورت أو سمها ما شئت إلى اللغة العربية الفصحى، فينتفي في تقديري الشخصي الخلاف والاختلاف بين الفريقين هل القرآن به كلمات غير عربية أم لا ؟ والإجابة كما سبقت بالتفصيل: نعم! به كلمات غير عربية ولم تلكها العرب من قبل وأخذتها من اللسانيات المجاورة بحكم الاختلاط والهجرات والمعايشة بين القطيع الآدمي من كل الاثنيات والعرقيات والعنصريات فصارت عربية بحكم النطق والكلام بها.

أبعد من ذلك، القرآن به فصول طويلة من اللغات الأخرى غير العربية تم جعلها ونطقها وترجمتها من تلك اللغات أو اللسانيات إلى قومية ذات لسان عربي مبين، راجع السورة السابقة ومثيلاتها لمزيد من التفاصيل، لعلنا نعقل هذا التحول من الجعل للإنزال والتنزيل.

التنزيل عملياً يعني الالتقاط اللغوي أو اللهجات المحلية أو اللسانيات المجاورة غير العربية وتحويلها للسان العربي من باب الاختلاط والمعايشة وحركة الحياة المتنقلة بين أقصى جنوب جزيرة العرب عند اليمن إلى أقصى حدود ما بعد بلاد الشام والعراق من الشمال لجزيرة العرب؛ يعني كل قارة آسيا باختصار شديد.

هذه هي العلاقة بين الإنزال والتنزيل، وبين الجعل بمعنى التحويل والتغيير وبين القاعدة الذهبية الأصل من لغة غير عربية إلى لغة العرب.

ذات الحال بين الترجمات الحديثة من العربية إلى الأجنبية والعكس بالعكس مثلاً ؛ ولك أن تلاحظ تحويل المفردة – ترجمتها وجعلها – من عربية إلى أجنبية وقد كانت من قبل عربية أعجمية فتأمل.

بقية الكتب المُقَدَّسَة

لاحظ بعد ما سبق ذكره أنَّ إنزال التوراة والإنجيل هما بذات الطريقة التي نزل بها القرآن من حيث الإلقاء في الروع أي في القلب وتجسيداً عملياً لهذا الإنزال والتنزيل في فرديات وشرائع الأنبياء وبالتحديد موسى وعيسى ومحمد موضوع الكلمة.

يحدثنا القرآن – أنا أقرر وأكرر: أتكلم هنا من الناحية اللغوية فقط لا العقدية – أنَّ الله آتى عيسى الإنجيل وآتى موسى التوراة وآتى محمد القرءآن؛ وآتى تعني الإنزال أي التضمين أو الإلقاء في القلب؛ بمعنى مكنوناً ومُضَمَّنَاً في عقله وقلبه وذاته ونفسه وروحه وليس ورقاً مكتوباً عليه بعض الحكم والأوامر والنواهي بل هو منطوقهما بحكم موضعهما في كينونة النبي من حيث هو نبي؛ فليست الحكمة أمراً ماديَّاً بل أمرٌ حسي معنوي ومثالها الهدى والتقى والرحمة والمحبة والبغض وما يجري مجراها.

قال تعالى: {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين} سورة المائدة.

لاحظ الإتيان كان على شكل: هدى ونور وموعظة.

ذات الأمر مع موسى بن عمران؛ في قضية الألواح وإنزالها كما وردت بسورة الأعراف وطه وغيره؛ فيحدثنا القرآن ونفهم منه اللغة العربية إلى العرفانية: أنَّ الألواح ليست الألواح الخشبية ولا الحجرية التي يُكتب عليها الحرف والكلام وإن كانت من باب اللغة العربية صحيحة، لكن أصلها الدلالي العرفاني من لائحة أي شروط وقوانين منظمة لحركة الناس في الحياة بحكم الوقت، راجع التعريف اللغوي للتوراة أول التنبيه من هذه الكلمة، ونفهم منها إقرار التشاريع الموسوية كما العيسوية من الحكمة والمحمدية من الأحكام وهكذا، إذ لم تكتشف الكتابة ولا تعلم الخط أيَّاً كان في عهد موسى وعيسى بل جاء متأخرا جداً وكذلك عهد التدوين والتسجيل بعد تعلم الخطوط التي كانت سائدة آنذاك إذ أخذت ردحاً طويلاً للغاية من الزمن حتى صيرت إلى ما هو عليه الآن من الورق والمخطوطات وما هو أقرب.

الألواح، وردت في القرآن حوالي خمس مرات واختلفت في الرسم القرآني من الرسم الإملائي من سورة القمر إذ حذفت الألف التي بين الواو والحاء بينما أثبتت في بقية المواضع مما يعني من اختلاف الرسم اختلاف المعنى بطبيعة الحال؛ فالألواح هكذا بالرسم القرآني الموافق للرسم الإملائي يعني في هذا الموضع إن شاء الله.

الشروط والواجبات والالتزامات والحقوق في شكل لائحة محفوظة ذهنياً وممارسة عملياً وحركياً لموسى وأتباعه، والألوح هكذا بحذف الألف التي بين الواو والحاء ووضع ألف خنجري صغير بين الواو والحاء من سورة القمر المخالف للرسم الإملائي يعني اللوح الخشبي المعروف والذي يستخرج من لحاء الأشجار في شكول هندسية مختلفة وتصنع منه القوارب الخشبية وما أشبه؛ والدُسُر جمع دُسْرَة وهي الليفة أو السعفة الملتحفة بساق الشجر وبالذات النخيليات لتقفيل المسامات من الماء حين صناعة القوارب الخشبية منعاً للغرق.

اللوح المحفوظ هو لوح الوجود الماثل أمامنا المحفوظ بالقوانين الفيزيائية والحقول المغناطيسية والجاذبية الكونية وهي إحدى معاني القرآن في مستوى الفعل – الخلق والتخليق والتكوين – من المعاني التي سبقت.

ألقى الألواح وأخذ الألواح.

ألقى الألواح يعني تركها ونسيها وانشغل عنها وأهملها وما أشبه قال تعالى: {وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه} سورة الأعراف؛ ألقاها لأنَّه كان في حالة غضب وأسف لذلك نسيها ولم ينتبه لها من باب الحكمة والتريث لباب بشريته وفطرته.

أخذها يعني تمَسَّك بها وفهمها ووعاها وحفظها ورعاها وما إلى ذلك؛ ومنها قوله تعالى في سورة الأعراف: {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون}؛ لاحظ مافي نسختها : هدى ورحمة، وهناك: هدى ونور وموعظة من سورة المائدة؛ وهنا أخذها لأنَّه كان في حالة سكون وهدوء نفسي واستقرار ذهني فتذكرها وانتبه لها في جمعية بعد شتات.

لأربط لكم العلاقة بين كل ما ذُكِرَ في الكتب المُقَدَّسَة مما جاء آنفاً؛ قال تعالى: {قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} سورة الأعراف؛ والشاهد هنا للربط كلمة “آتيتك” للتوراة ولوائحها؛ ذاتها “وآتيناه الإنجيل” من سورة المائدة لما فيها من الحكمة والموعظة والهداية والرحمة؛ ونفسها “ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم” من سورة الحجر ؛ والاختلاف بين آتى وأنزل اختلاف مقدار إذ النوع في علم التوحيد يمتنع.

من نقاط الخلاف في الفهم لمعنى الآية: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين} سورة الأعراف؛ بالتحديد كلمة “وكتبنا له في الألواح” فظنَّ السواد الأعظم من الناس أنَّ كلمة “كتبنا” تعني الكتابة الخطيِّة المعروفة على ألواح حجرية نزل بها من جبل الطور وكان حملها وقر سبعين بعير، وهذا خطأ.

والصواب أنَّ كلمة “وكتبنا” لا تعني الكتابة الخطيِّة الحرفية الكلامية المعروفة بل تعني: أقررنا وفرضنا وألزمنا بحيثيات ما بالألواح – أي باللوائح – من تشريعات وقوانين وافعل ولا تفعل لقومه وما أشبه، وعليه أخذها بقوة أي بجدية وحسم والتزام وما إلى ذلك.

https://anbaaexpress.ma/ue1cs

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى