بينما أنا أُقَلِّب في صفحات من القرآن الكريم عن سورة يوسف؛ وجدت أنَّها لا ترتكز على مجموعة من التوجيهات والتشريعات والأحكام كما جرت العادة لكثير من الأنبياء وما إلى ذلك؛ لكني وجدتها ترتكز على أمرين مهمين للغاية متعلقين بذات شخص يوسف النبي هما: ممارسة ومعايشة الصبر والأناة في كل حياته حركة وسكوناً منذ ميلاده؛ أو قل للتدقيق: منذ رؤيته التي رءاها وقصَّها على أبيه يعقوب وحتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى (حوالي سبع وخمسين عاماً لا أكثر) والأمر الثاني هو الدقة الدقيقة والحكمة المحكمة والضبط النافذ في حسن التصرف لكل سيرة ومسيرة حياته.
إذاً يوسف النبي، يُمَثِّل مرتكزاً حياتياً جوهرياً في ذاته قدوة واقتداء لمن جاء بعده من البشر متى ما أمعن النظر وأطال التفكير وتأمل سيرته ومسيرته وأسقطها على عصره؛ ذلك لأنَّ عنصري الصبر والأناة ودقة التصرف التي لا تخطئ مرماها هما ديدن المشروع الناجح لإدارة الأسرة والمجتمع وإدارة الدولة من بعد.
تأمُّلات ونتائج
دعني أُلَخصها في الآتي من القرآن الكريم فقط كما وردت بالسورة:
1 / ليس ليوسف قوم معينون يدعوهم إلى عبادة الله والتوحيد؛ وإن كان بعامة هذه بالبداهة معروفة لكن ليس له قوم ينسبون إليه.
2 / تجسيد مقام الرؤيا عين الحقيقة في شخصه؛ وهو تمهيد الطريق لطريقة الوحي الإلهي على الناس وبالتحديد الأنبياء منهم؛ راجع آخر سورة الشورى.
3 / ليثبت ذلكم الفهم في الأذهان من البند السابق؛ نراجع ما ورد في سورة الأنفال من رؤيا النبي محمد لأحداث وحيثيات معركة بدر؛ إذ تجسَّدت الرؤيا النبوية عين الحقيقة والتقى الجمعان إلى آخر الخبر.
4 / قضية الرِق والرقيق؛ والثمن الزهيد الذي اشتراه عزيز مصر به من مالكه مالك بن زَعْر؛ ذات القضية مطروحة على مر التاريخ للمعالجة وبالتحديد في قارة أفريقيا واتخذت في عصرنا الحالي مسمىً آخراً وهو الكفالة في دول الخليج وفي دول أميركا باللوتري تحت اسم حقوق المواطنة وفي دول أوروبا تحت اسم الهجرة غير الشرعية وفي قارة آسيا تحت اسم العمالة الوافدة أو العمالة المنزلية.
وفي دولة كوريا الشمالية مثلاً اسم القهر والكبت والدكتاتورية للشعب؛ والشعوب الواقعة تحت الحكم الدكتاتوري من كل العالم تحت اسم الحكم الشمولي والعصا لمن عصا والطاعة قهراً واذلالاً واستكانة لقوة الحاكم الباطش الفاتك وهكذا.
تُمَثِّل هذه القضية محوراً أساسياً في الأفكار التحررية لكل دول العالم ومن ثَمَّ الثورات التحررية من بطش الحُكَّام والتنكيل بالمعارضين السياسيين ولنا مثلاً حياً في دولة السودان وكثرة الحركات المسلحة التي تقاوم الأنظمة والقوانين المقيدة للحريات باسم الهامش والتنمية المستدامة واستغلال النفوذ للموارد البشرية والطبيعية لمنطقة ما على حساب مناطق مختلفة وليست ثورة التحرير لجنوب أفريقيا ببعيدة عن الأذهان.
تطرح هذه الفقرة من السورة أهمية كبيرة في كيفية التعايش السلمي والتقسيم العادل للثروة والسلطة في ظل القانون والدستور الذي يحمي الأقليات من هيمنة الاكثريات سواء بالسلاح أو بالقوانين أو بالأفكار ويجعل الجميع سواسية تحت مظلة العدالة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وهلم جرا.
5 / وجود يوسف النبي في قصر عزيز مصر بوتيفار يمكنني أن أسقطه على قضية أيضاً مستمرة منذ زمان بعيد وإلى يومنا هذا وهي قضية اللجوء الإنساني بينما يمثل لي قصر عزيز مصر الدولة الغنية المانحة لحق اللجوء الإنساني الدولي الآن؛ ويحقق هذا المفهوم اتفاقية جنيف واتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1051 وتعني التمتع بحق الحماية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين طبقاً للمادتين 31 – 33 من اتفاقية 1951.
من ناحية أخرى؛ بعد تحويل البشر من حالة الرق تم تحويلهم لمواطنين شرفاء يتمتعون بالحماية والحصانة الدولية من الدولة المانحة المضيفة بذات الدستور الحاكم للدولة المعنية؛ بمعنى؛ الاستعداد والقابلية لتحول الأفكار وتوجيه الطاقات المتجددة للفرد أو للمجموعات الوافدة على المقيمة حسب ما تقتضيه الحالة ويوفره النظام المجتمعي والمناخ السياسي لبلورة الأفكار والطموحات والطاقات وما إلى ذلك؛ ويصطلح عليها بالاندماج ثم المشاركة المجتمعية الفاعلة في الوسط المجتمعي الجديد له ما لهم وعليه ما عليهم من حقوق وواجبات والتزامات.