بقادة محمد فاضل
إن تشخيص الوضع القائم حاليا في منطقة ازواد، ليس في حاجة لاستحضار الموروث الاجتماعي والتاريخي للمنطقة فقط، ولا لتقديم عرض جغرافي عن مساحة مجالها الصحراوي القاحل والصعب.. و لفهم الواقع الحالي لأزواد وجب أولا طرح التساؤلات الآتية والتطرق لها بالتحليل و التشخيص..
– جغرافيا ما هو ازواد الحالي و كيف كان ؟
إقليم ازواد حاليا أرض شاسعة مترامية الاطراف تحتل الصحراء القاحلة السواد الاعظم من مساحتها، يتموقع في شمالي وشمالي شرق مالي، بين النيجر و الجزائر و موريتانيا، يقول بعض الازواديون على ان المجال الازوادي أوسع و يمتد داخل حدود الدول المحيطة به..
– ما هو السياق الاجتماعي و السياسي بآزواد ؟
للخوض في الاعراق البشرية التي تمثل النسيج الاجتماعي لأزواد، واجب مراعاة الفسيفساء الاثنولوجية المكونة له لأنها معيار السلم الاجتماعي و استمرار التعايش بينها، اهمها امازيغ ازواد و هم قبائل الطوارق و ابرزها “افوغاس و اموشق..” و لغتهم “التشماقية” الفولان و السونغاي و العرب و أهم قبائلهم البرابيش بنو حسان، لقد أدى التصارع بين هاته العرقيات منذ القرن العاشر ميلادي عند وصول العرب إلى ازواد إلى تشكيل واقع تصالحي نوعا ما خاصة بعد وصول المستعمر الفرنسي نهاية القرن التاسع عشر.
و بروز قومية أزوادية بغض النظر عن العرق و اللون و هو ما افضى بسبب الصراع مع السلطة المركزية بباماكو و المدعومة فرنسيا منذ مشروع ديغول، إلى تأسيس حركات أزوادية ذات نزعة عرقية تاركية أهمها MNLA الحركة الوطنية لتحرير أزواد، و أخرى عربية MAA اي الحركة العربية الازوادية.
ظلت تحارب حكومة مالي حتى توقيع بيان اتفاق الجزائر، بين مالي و الحركات الازوادية المسلحة سنة 2015، لكن الاطراف كل حسب روايته لم تلتزم ببنود هذا الاتفاق، ثم عادت الحرب من جديد لتصل إلى ما وصلت اليه من اعتماد مالي على قوة عسكرية خاصة بعد إزاحة فرنسا عن الخارطة الاستراتيجية للمنطقة.
– فما الذي حدث بعد تدخل الفاغنر في ازواد و اين تتجلى أهمية المتدخلين المعنيين النزاع على ازواد ؟
إقليم ازواد ليس بصحراء قاحلة فقط بل هي أرض شاسعة تعادل مساحة بريطانيا ثلاث مرات و هي مليئة بالثروات المعدنية و الطاقية، لذلك تدخل في حربها بشكل مباشر و غير مباشر “اللاعبون الاساسيون و اتباعهم” لضمان السيطرة و بسط النفوذ فالوضع القائم حاليا ليس حربا تخوضها حركات لتحرير أرضها ضد حكومة تعتبر ازواد جزءا لا يتجزء من أراضيها فحسب.
وليست قصة شعب تاركي يغني ليصل صوته إلى العالم بمظلوميته بصوت تيناريوين، و لا بعرب تشردو في اللجوء بين موريتانيا و الجزائر تتوق أرواحهم لذاكرة الامجاد.. بكل بساطة، هي مصالح جيواستراتيجية عجلت بكشف المستور عنها بالامتعاضة عن شرعنة التواجد الفرنسي بالمنطقة، إلى تقوية الظهر بقوة روسيا الصاعدة من طرف حكومات باماكو و واغادوغو و نيامي، الحلف الاستراتيجي الجديد المتمرد على “الايكواس” فما مدى قدرة مشروع هذا الحلف على الصمود امام احلام و طموحات القوميات العرقية خاصة في ازواد !
يؤكد التاريخ الكفاحي لشعب ازواد أو القبائل الازوادية لقرون، على مدى قوة الرجل الازوادي و صبره صبر جمالها على تحمل العطش و الجوع و حر الشمس القاسية صيفا و برد ليالي أزواد شتاءا منطقة لا يعرف للعيش فيها طريقا سوى اهاليها فقاوموا بشراسة كل ذي طمع و لم يهنأ للمستعمرين بال خلال مكوثهم بحواضر و قريات ازواد..
إلا أن أساليب الحرب تغيرت أدواتها و تعددت وسائل الفتك فيها، فالضربات أحيانا تأتيك من حيث لا تدري..
لذلك دحرت الـ Fama بمساندة إلى الفاغنر ثغور الحركات الازوادية و ارغمتها على الاختباء حينا في مدن و قرى داخل و خارج الحدود لصعوبة ضبطها في صحراء شاسعة و قاحلة، لكن السيطرة على الارض بالقوة البشرية و الاجتياح العسكري، هي المعيار المحدد لمدى تحقيق النصر و المكاسب فكانت اخر موقعة “تين زواتين” جغرافيا هي مدينة يقسمها نهر من الشرق إلى الغرب، ضفتها الشمالية تقع تحت السيادة الجزائرية، و جنوبها تحت سيادة مالي.
فقدت الفاغنر خلال هاته العملية عشرات الجنود بالاضافة إلى أسر العشرات كما فقد عاصيمي غيوتا عشرات الجنود و اسر العشرات، خسارة فادحة في اعراف الحروب لكن ما الذي غير كفة الحرب لصالح الإطار الاستراتيجي الازوادي في حربه ضد مالي و الفاغنر ؟
للازواديين جنسيات متعددة و أبرزها النيجر و مالي و الجزائر و ليبيا في عهد القذافي، و من الصعب سيطرة الأجهزة الحدودية على النقط الحدودية، فلا ولوجيات رسمية بين تلك البلدان وإن وجدت فهنالك العشرات منها تحت سيطرة جماعات النصرة و الداعش و باقي الفصائل الازوادية..
فالمناخ الجيوسياسي بالتالي مناسب للمعنيين مباشرين و غير مباشرين بأزواد للتدخل و تحقيق اهداف متوسطة و بعيدة المدى حسب أجنداتها الخارجية مغاربيا و في منطقة الساحل، فما يحدث في ازواد لا يعني مشروعا ازواديا بالذات، بل يتعداه اقليميا و قاريا و دوليا..
– فما هي سيناريوهات المتوقعة في ما يقع في ازواد استشرافا للمستقبل ؟
هنالك فرضيات ثلاث يُحتمل حدوثها، و لا نعتقد بوجود غيرها أول الفرضيات استمرار الحرب لعقود طوال، و هي حرب بالوكالة ضحيتها الساكنة الازوادية من كافة العرقيات مع استنزاف لثرواتها الباطنية، فلا حكومة مالي الحالية مستعدة للتخلي عن الحرب، ليس بحثا عن الحل بقدر استفادتها من حالة الطوارئ الحربية و تأجيل دمقرطة القرار السياسي و الخيار المجتمعي.
ما يضمن مصلحة مشتركة للقوة الجديدة الوافدة على الساحل و حلفاءها، الفرضية الثانية حدوث انقلابات عكسية في مالي، ثم النيجر و بوركينا فاسو إيذانا بنهاية مشروع في الساحل لا زال في بدايته بالوكالة بسبب فشلها في الاجهاد على مشروع “تحرير الازواديين لأرضهم” فما بال بناء تكتل اقليمي و حمايته، و استعادة فرنسا و من معها السيطرة على غرب افريقيا.
الفرضية الثالثة حل ذو ابعاد اقتصادية و اجتماعية تذوب معه الادوات الراديكالية، و من بينه المبادرة الملكية للاطلسي لدول الساحل الثلاث النيجر و مالي و بوركينا فاسو، مبادرة اطلقها جلالة الملك محمد السادس لتمكين تلك الدول ولوج واجهة بحرية للاستثمار و التجارة الدولية خدمة للتنمية في بلدانها و خلق مناخ آمن لمرور السلع و الأفراد من و إلى تلك البلدان عبر موانئ الصحراء المغربية.
ما يميز هاته المبادرة إنها تتجنب التجاذبات الاثنية و العرقية و الجيوسياسية، و تتجه الى انصهار الجميع في خارطة طريق ذات أبعاد استراتيجية و إقتصادية و إجتماعية و بيئية اساسها السلم و الأمن و التعايش لمحاربة مظاهر التطرف و الارهاب و الاقصاء و العنصرية و الفقر و الهشاشة و الامراض و الاتجار بالبشر..
* أستاذ باحث