أمين بوشعيب
ما يمكن أن نستنتجه من المذكرة التي وجّهها عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، إلى رؤساء الجامعات ورؤساء المؤسسات الجامعية، حول “ولوج مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة برسم السنة الجامعية 2024 – 2025”. هو أن هذا الوزير يريد إثارة الفتنة في المجتمع المغربي.
هذه المذكرة التي تحمل توقيع الوزير عبد اللطيف ميراوي، بتاريخ 12 يوليوز 2024 ونشرتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، صنفت اللغة الأمازيغية مع اللغات الأجنبية مع الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية.
فبعد صدورها مباشرة، انتفض المغاربة بجميع أطيافهم واعتبروا ذلك فضيحة تستوجب إعفاء الوزير من مهامه. حيث طالب المكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بمدرسة الملك فهد للترجمة بطنجة بـ”المساءلة القانونية في حق من تورط في الضجة التي أحدثتها إدارة المدرسة في إعلانها عن فتح مسلك للترجمة عربية أمازيغية فرنسية، وما ورد فيه من مغالطات بتصنيف الأمازيغية لغة أجنبية”.
في حين تفاجأ أساتذة المدرسة بوضع اللغة الأمازيغية في خانة اللغات الأجنبية الأولى، وتبرؤوا منها.
إلى ذلك وقعت 51 جمعية أمازيغية على “ميثاق ديناميات الفعل الأمازيغي بالمغرب”، طالبت من خلاله بوضع دستور جديد ضامن للمساواة في الحقوق والحريات، ومكرس لها بين اللغتين الرسميتين للدولة، الأمازيغية والعربية، بدون أي تراتبية أو تمييز لأي سبب كان.
وسجلت الهيئات الموقعة على الميثاق استمرار الدولة في نهج سياساتها المكرسة للميز والتمييز ضد مقومات الأمازيغية، بالرغم مما تمت مراكمته من مكتسبات تشريعية ومؤسساتية، علاوة على ما يتهددها من مخاطر الانقراض. واعتبر الميثاق أن المرحلة الراهنة تتطلب إعادة صياغة الأفق الاستراتيجي لمطالب الحركة الأمازيغية، في إطار مواصلة دينامية الحركة لمسارها من أجل بناء مغرب أمازيغي حداثي وديمقراطي.
وطالب الميثاق بتنقية الأجواء الحقوقية بالمغرب، عبر رفع كافة القيود والتضييقات المفروضة على الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والتعبير، ومنهم معتقلو حراك الريف، فهل هذا هو ما كان يسعى إليه هذا الوزير “العبقري”؟
إن مسألة التعدُّدية اللغوية بالمغرب ظهرت مع الظهير البربري عام 1930، الذي كان يحمل في طيّاته بُـعدا سياسيا للمقيم العام الفرنسي، وكان هدفه فك التركيبة الاجتماعية للمغرب ومحاولة فصل العرب عن البربر، في إطار السياسة المعروفة بسياسة فرق تسد، الأمر الذي أثار حفيظة المغاربة آنذاك بصفة خاصة، والمسلمين بصفة عامة، من خلال رفضهم للظهير جملة وتفصيلا واعتباره خرقا للأعراف ومساسا بهوية المغاربة.
ولقد أمضى المغرب سنوات طويلة يتعامل فيها بحكمة ورزانة مع المطالب الثقافية والانتمائية للحركات الأماريغية التي كانت تطالب بسياسة لغوية ديمقراطية أساسها الاعتراف واحترام الحقـوق اللغوية والثقافية المشروعة لمختلف مكونات الشعب المغربي لإمكانية بناء ثقافة وطنية ديمقراطية، إلى أن استجابت الدولة المغربية لتلك المطالب، فجاء دستور يوليو 2011 ليتضمّن دسترة اللغة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية، فأصبح المغرب بذلك الدولة العربية الأولى التي تذهب باتِّـجاه إقرار التعددية اللغوية بشكل نهائي وواضح.
لكن، وبجرة قلم جاء هذا الوزير “العبقري” ليضرب بالدستور الذي أقره المغاربة بأطيافه المتنوعة عرض الحائط، في محاولة منه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإحياء أجواء التوتر والانقسام التي أثارها الظهير البربري المشؤوم في سنوات القرن الماضي.
لا شك أن هذا الوزير الذي ينتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة، هو من النخبة السياسية المثقفة التي صنعها الاستعمار الفرنسي، بهدف الحفاظ على مصالحه الثقافية والسياسية والاقتصادية داخل المغرب. ولو بحثنا عن سيرة هذا الرجل لوجدنا أن له ماضيا سيئا وغير مشرف، وأن اسمه مرتبط بالفضائح أكثر من ارتباطه بالإنجازات، والذي تعقدت في عهده ملفات كثيرة كان من المفروض أن تلقى حلا عاجلا.
فهو عرّاب تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية في مجال البحث العلمي، حيث قام بتوقيع مذكرة تفاهم مع وزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا العبرية، تهم التعاون بين المؤسسات الجامعية للبلدين. وهي الاتفاقية التي تفتح باب “تبادل الخبرات والتجارب، فضلا عن تشجيع حركية الطلبة والباحثين، وتشكل كذلك فرصة لتطوير برامج مشتركة للبحث العلمي في المجالات ذات الاهتمام المشترك، كالطاقة الخضراء والفلاحة المستدامة والقطاع الصحي؛ بالإضافة إلى مجال الصناعات الحديثة”.
وهو الذي وقع اتفاقية مع جامعة التكنولوجيا Belfort Montélimar خدمة لمشاريع الفرنكفونية، مقابل تلقي تعويضات بقيمة تقارب 260 ألف أورو، انطلاقا من أن الجامعة الفرنسية ستتكفل بـ90 في المائة من كلفة الاتفاقية، نتيجة “محدودية موارد” نظيرتها المغربية، الأمر الذي جعله يواجه اتهامات بتضارب المصالح.
وفي تقارير إعلامية، أشارت إلى أن الاتفاق الذي وقعه الوزير مع الفرنسيين، يتضمن وجود بند خطير يضرب في عمق عمل مؤسسات الدولة، ويبين بالملموس أن الوزير المغربي المكلف بالتعليم العالي “مُخبر لدى الفرنسيين”، وفق تعبير التقارير الإعلامية. حيث يفرض العقد الموقع على الميراوي إحالة تقارير عن عمله كرئيس لجامعة القاضي عياض على الفرنسيين.
وتبقى أكبر فضيحة تلاحق هذا الوزير، هو قيامه بإبرام صفقتين لمشاريع وهمية لا وجود لها على أرض الواقع عندما كان رئيسا لجامعة القاضي عياض، وكان موضوع شكاية أحالها رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي، سنة 2019 على وكيل الملك بمحكمة الاستئناف بمراكش، تطالب بالتحقيق مع مجموعة من المسؤولين بجامعة القاضي عياض بمراكش، في صفقات “مشبوهة وأخرى وهمية” بلغ عددها “19 صفقة بمبلغ إجمالي يزيد عن 14 مليار سنتيم” ولا ندري أين وصلت نتائج ذلك التحقيق إلى غاية يومنا هذا!
الوزير معروف أيضا بسوء تدبيره للعديد من الملفات، وآخرها فشله في حل ملف طلبة كليات الطب والصيدلة، مما فتح الباب لاستمرار إضرابهم الذي دخل أسبوعه الثامن، وعوض أن يتدخل بإيجابية ويجلس مع ممثلي الطلبة قام بسبّهم ونعتهم بالكلاب، مما فاقم الأزمة، التي لا تزال قائمة إلى اليوم. وباتت تهدد بسنة بيضاء.
ثم بعد هذا الفشل الذريع، قام بإصدار مذكرة لا ندري من صاغها؟ ولا أين صيغت؟ ليثير فتة أكبر، تتعدى حرم الكليات والجامعات لتطول المجتمع المغربي برمته.
فإلى متى سيظل هذا الوزير يتلاعب بمصالح الوطن العليا؟ ولماذا لم يتم إعفاؤه رغم كل تلك الفضائح التي اقترفها؟ وهل للوبي الفرنكوفوني يد في الإبقاء عليه في منصبه خدمة لمصالحه التي تتعارض مع مصالح الوطن؟
فلاش: الفتن من أهم عوامل تدمير المجتمعات، وتُفْقدها عزتها، وتحقق غرض أعدائها المتربصين بها، فتجعلها لعبة في أيدي الأعداء. لذلك حذّر الله منها في قوله عز وجل: والفتنة أشد من القتل، ثم حذر منها رسوله الكريم ولعن صاحبها في قوله: ”الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها”.
* كاتب مغربي مقيم في إيطاليا