يخلد العالم الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر كل سنة، على امل التذكير بالماسي والمعاناة الإنسانية الناجمة عن استعباد البشر والزج بهم في أعمال السخرة والعمل القسري ووقوعهم فريسة للاستغلال الجنسي، في أماكن مظلمة لا تخضع لسلطة القانون في الغالب.
وبالرغم من توصيف الاتجار بالبشر كجريمة خطيرة وانتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، نظرا لجسامة الأفعال المرتكبة من طرف المتاجرين بالأشخاص لا سيما الأطفال والنساء، سواء في بلدانهم أو خارجها، وتزداد تلك الجرائم خطورة في سياقات اللجوء غير النظامي، لغياب اليات أممية أو وطنية تضطلع بمهام الحماية لضحايا الاتجار بالبشر.
ويسجل تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، قلقه البالغ من استمرار جرائم الاتجار بالبشر، على الرغم من التدابير المتواصلة المتخذة على كل من الصعيد الدولي والإقليمي والوطني، ويزداد الأمر سوءا وإعاقة التمتـع بحقـوق الإنـسان.
وينو تحالف المنظمات غير الحكومية، إلى نسيان الالاف من الأشخاص في مخيمات غير نظامية للاجئين، خارج نطاق اليات الأمم المتحدة الدولية لحماية حقوق الإنسان، أو ضمن ولاية دولة الجزائر القانونية والقضائية، والإشراف على جهود مكافحة الاتجار بالبشر داحل التراب الوطني الجزائري، بما في ذلك منطقة مخيمات تندوف.
إن مصادقة الحكومة الجزائرية على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية في أكتوبر 2002، وبروتوكولها الملحق المعني بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، في مارس 2004، لم تحسن من الجهود المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر، لاسما الأطفال والنساء، ولم تكن ملاذا امنا لإنقاذ الضحايا ومنع الاتجار بهم والتحقيق بشأن ما تعرضوا له والتحقيق فيه.
فالاتجار بالأطفال الصحراويين المقيمين بمخيمات تندوف منذ أوسط الثمانينات، في إطار ما يسمى “برنامج عطل السلام”، لا يعدو كونه عملية احتيالية على أسر هؤلاء الأطفال لاستنبات هؤلاء الصغار في سياق ثقافي مناقض لبيئتهم واستغلال افتقارهم لوضع قانوني يضمن لهم حرية التنقل والتداوي والدراسة خارج المخيمات وعوز أسرهم وشراء صمتهم بمساعدات ومنح لترغيبهم في البقاء في دول الاستقبال، بين أحضان العائلات الحاضنة.
وقد خلف نتائج كارثية على التماسك الاجتماعي بين الصحراويين بين المخيمات وحرمان الأسر البيولوجية من فلذات أكبادهم، وتحول الكثير من هؤلاء الأطفال الى التشبث بثقافة بلدان الاستقبال وإنكار خلفيتهم الدينية والثقافية والمجتمعية في انتهاك صارخ لاتفاقية حقوق الطفل، وصمت مريب للسلطات الجزائرية إزاء تلك الجرائم التي تنسج خيوطها على أرض جزائرية وبتسهيل من إدارات امنية جزائرية قصد ترحيل الأطفال الصحراويين نحو وجهتم الأخيرة.
ويذكر التحالف ببشاعة ما يتعرض له لأطفال الصحراويين منذ إنشاء مخيمات الصحراويين بتندوف الجزائرية منذ 1975، من ترحيل قسري لعقود الى شبه الجزيرة الكوبية وإخضاعهم الى العمل القسري وانشطة عسكرية في سن مبكرة، واستمرار تلك البرامج في الدول الأوروبية بمبررات تهيئ أجواء ملائمة للترفيه في العطل الصيفية لأطفال المخيمات، مع ما يرافق ذلك من طمس للهوية الدينية والثقافية والانتماء لهؤلاء اليافعين، ومعاناة أسرهم في صمت بفعل ضغط وقمع تنظيم البوليساريو وتنصل الحكومة الجزائرية من مسؤولياتها بموجب القانون الدولي في حماية جميع الأفراد المتواجدين على أراضيها بما يشمل اللاجئين وطالبي اللجوء ومنعدمي الجنسي والمهاجرين، علاوة على المواطنين.
وينبه تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية إلى ضرورة تنفيذ دولة الجزائر لالتزاماتها الكاملة بموجب مصادقتها على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، وبروتوكولها الملحق المعني بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، وتفعيل التدابير المدرجة في القانون رقم 23/04 المتعلق بالوقاية من الاتجار بالبشر ومكافحته ليشمل نطاق تطبيقه مخيمات تندوف جنوب غربي الجزائر، وتطوير اليات تنفيذية فعالة لتجريم الاتجار بالبشر بالمخيمات واعتماد تدابير للوقاية وحماية الضحايا الصحراويين خاصة النساء والأطفال، وضمان ولوجهم إلى سبل انتصاف وطنية جزائرية والتقاضي أمام المحاكم الوطنية لدفع الضرر الحاصل جراء تعرضهم لجرائم الاتجار بالبشر.
ويدعو تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية اليات الأمم المتحدة الدولية لحماية حقوق الإنسان والمنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان ومكونات المجتمع المحلي الجزائري والصحراوي إلى تسليط الضوء على هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتكثيف العمل للفت انتباه السلطات الجزائرية الى ضرورة إلغاء تفويض ولايتها القضائية لتنظيم البوليساريو بهدف تفعيل مقتضيات قانونها الوطني بشأن منع الاتجار بالبشر والمعاقبة عليه بالمخيمات، وتنفيذ خطة عمل الأمم المتحدة العالميـة لمكافحـة الاتجـار بالأشـخاص بالكامل لحماية كرامة الانسان والصحراوي مختلف الفئات الأخرى، وسلامتهم البدنية وحقوق الإنسان الأخرى بما في ذلك الحق في التنمية.
ويشجع التحالف السلطات الجزائرية على الانفتاح على الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان واستدعاء المقررة الخاصة المعنية بالاتجار بالبشر لاسيما النساء والأطفال لتنظيم زيارة قطرية، قصد تحدد الشواغل المرتبطة بالاتجار بالبشر وتقديم توصيات داعمة للجهود المبذولة في مكافحة هذه الجريمة وطنيا.
ويدعو التحالف الى الانفتاح على منظمات المجتمع المدني الوطنية الجزائرية والمحلية الصحراوية، قصد ترسيخ ممارسة فضلى في مجال الرد والتوثيق والإبلاغ بارتكاب تلك الجرائم ودعم جهود التصدي لها، لا سيما بالمخيمات في غياب سلطة ضبط للأمور الأمنية والقضائية والتدبيرية.
ويعبر التحالف عن مخاوفه من استمرار اللجوء الى الاتجار في الأطفال الصحراويين تحت ذريعة “برنامج عطل السلام”، وتعريض هؤلاء الضحايا للاستغلال الجنسي وأعمال السخرة في المنازل، وحملات التنصير، ويدعو الى حاجة السلطات الجزائرية إلى تعزيز بناء القدرات لرصد وتحديد وتوثيق حالات الاتجار بالبشر بمخيمات تندوف، والمعاقبة على تلك الأفعال وحماية الضحايا وأفراد أسرهم.
ويوصي التحالف السلطات الجزائرية بتهيئ بيئة قانونية وتنظيمية تسمح لجمعيات المجتمع المدني والمنظمات الدولية بتقديم المساعدة لضحايا الاتجار والفئات المعرضة للاتجار بالبشر، وضمان إحالتهم لمؤسسات الرعاية وتلقيهم خدمات الحماية والمساعدة القانونية.
* عن تنسيقية تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية