حدث عادي أن تنظم المؤسسات الجامعية حفل تسليم الشواهد وتكريم المتفوقين في مختلف التخصصات، عرفانا بما بذلوه من جهود لتعلم مهارات وكفايات علمية وبحثية ستعود بالنفع العميم عليهم وعلى أوطانهم.
والجامعة المغربية، كانت وما تزال مشتلا حاضنا للفكر الحر المحدد لاتجاهات الرأي الغالبة في المجتمع، وما الانتصار للقضية الفلسطينية باستثناء للقاعدة، حيث كانت حشود الطلاب تخرج عن بكرة أبيها تضامنا مع إخوانهم الفلسطينيين، ومنددين بما يرتكب من مجازر وإبادة جماعية ضد شعب فلسطين الأعزل.
ولعل من نافل القول، التذكير بموقف المغرب الرسمي والشعبي المناصر والداعم لصمود الشعب الفلسطيني، والسباق لحشد مواقف دولية منددة بالعدوان المستمر على أهل غزة العزة ومحاولات الكيان الصهيوني حرق البشر والحجر، لكيلا تقوم قائمة للفكرة الدولة والمشروع، الذي يحمله الفلسطينيون والمسلمون وأحرار العالم في قلوبهم، ولن يخلف الله وعده.
نتفاجأ اليوم بسلوك هجين بجامعة مغربية قدمت الكثير للقضية الفلسطينية العادلة، عبر عقود من الزمن، في عملية تثقيفية مستمرة لتكوين كوادر وخبراء فلسطينيين هم اليوم جنود دبلوماسيتها القوية في العالم بأسره، منافحين عن حق شعبهم في التحرر والانعتاق من كماشة استعمار استئصالي بغيض، لا يرى له من استمرار سوى محو اثار شعب عريق، قدم لنا صفحات مشرقة من النضال والكفاح المسلح والثقافي والادبي والفني والديني، ما نعجز عن وصفه.
بداية قصتنا الحزينة، صعود طالبة مجدة لمنصة التتويج لتلقي تهاني مسؤولي مدرستها وكليتها، على ما أبانت عنه من اجتهاد استثنائي لنيل المرتبة الأولى في هذا الصرح الأكاديمي، غير أنها تفاجأت بعميد يرفض تسليمها درع وشهادة التخرج، ما لم تنزع كوفيتها، وهو سلوك لعمري لم تستطع فرضه حتى لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (ايباك) في الجامعات الأميركية المثقلة بتأثير وتدخلات الكيان الصهيوني وأذرعه المنتشرة في العالم الغربي.
رفضت الطالبة نزوة السيد العميد وفاءا لمبادئها وتعلقها بحق الفلسطينيين في الحياة والعيش على أرضهم، دون رهن لأحلامهم ومستقبلهم من طرف كيان للفصل العنصري، لا يرى من استمرارية له إلا على أنقاض جثث أصحاب الأرض، وهو ما حذا بانسحاب مسؤول الكلية المحترم من المنصة، ليتولى مدير المدرسة القيام بالواجب.
فيديو.. يوثق رفض عميد الكلية تسليم جائزة التميز لطالبة المتفوقة بسبب الكوفية
وأمام هذا الفعل الشائن، يجدر بنا أن نذكر القائمين على مؤسساتنا العلمية، أن ملك البلاد يرأس لجنة القدس، ولم يغمض له جفن منذ بدء العمليات الإبادية ضد شعب لا ينشد سوى حريته وأرضه وسماءه، لينمو بشكل طبيعي كباقي شعوب العالم، ويسارع الخطى للتواصل مع قادة العالم للضغط من أجل إيقاف العدوان على غزة في جميع الاتجاهات
ويأمر بإرسال مساعدات إنسانية ومواد طبية بالأطنان، لدعم صمود الفلسطينيين وتخفيف وطأة العدوان عنهم، ويتابع عن كثب عمل وتدخلات وكالة بيت مال القدس، التي تقدم خدمات جليلة لحفظ طابع المدينة العربي والإسلامي من الاندثار، في مواجهة عمليات التهويد اليومي.
وأمام هذا الاختلاف في السرعات، يحق لنا أن نتساءل، كيف يجرؤ مسؤول جامعي مغربي على معاكسة إرادة وقناعة بلد بحالها اتجاه نصرة ودعم صمود الشعب الفلسطيني الشقيق، أم أن صديقنا اعتقد للحظة أنه عميد كلية بتل أبيب؟ ثم كيف يربط السيد العميد مسألة الاعتراف بتفوق طالبة بارتداء كوفية فلسطينية؟ هل كان الأمر سينقص أو يزيد من درجتها العلمية والخبرة التي تلقتها بمجهودها الخاص؟
إن إتيان مثل هذه الزلات القاتلة، تبعث على إعادة التفكير في دور الجامعة والغاية من مواكبتها وتمويلها من المال العام، إذا كانت ستكرس طاقتها لخدمة محتل صهيوني ينكر على الفلسطينيين حقهم في الحياة على هذه الأرض، وإذا تنكرنا للكوفية في الجامعة، فإنه تنكر بالمحصلة للدراعة والجلابية والملحفة والقفطان، كتعابير دالة على ثقافتنا وخلفيتنا الحضارية القوية بتنوعها وثراءها القيمي والمعرفي.