مراسلة من جنيف
شاركت مكونات تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية في ندوة نظمت على هامش أشغال الدورة السادسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد تناول مسؤولو التحالف سياقات وظروف نشوب هذا الصراع الذي دام خمسة عقود ومحاولات الجزائر، رهن المنطقة من خلال تقديم الدعم السياسي والعسكري والمالي لتنظيم عسكري شوفيني لمنازعة المملكة المغربية على سيادة أقاليمه الجنوبية، وما نتج عن الوضع الشاذ لحشر الالاف من الصحراويين في غيتوهات سجنية في صحراء غير مأهولة كشكل من العقاب الجماعي لصنع مأساة إنسانية، تعرض في أسواق النخاسة الدولية، كلما فتح النقاش حول الكوارث الإنسانية والحروب وما تخلفه من اثار مدمرة وويلات على الضحايا وذويهم.
إن الحديث عن نزاع الصحراء لن يثمر عن نتائج إيجابية على مستوى كشف حقيقة ما يجري بتلك المخيمات وتحسيس المنتظم الدولي بما يقاسيه ساكنتها، إلا باشتغال مجتمع مدني فعال وبخطة عمل قابلة للقياس وتستند الى معايير ومقتضيات القانون الدولي، وهو ما رأيناه مجسدا في مداخلات مسؤولي التحالف من حيث كم المعلومات المقدمة للحضور وطرائق مقاربة وتناول قضايا الانتهاكات الجسيمة المتنوعة الواقعة بمخيمات تندوف، وكذا وسائل تكثيف التواصل واللقاء اليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان، سواء تعلق الأمر بلجان المعاهدات أو بخبراء الإجراءات الخاصة لمحلس حقوق الإنسان والمنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان وكذا التمثيليات الدائمة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة المتواجدة بجنيف.
وفي هذا الصدد، أوضحت الدكتورة أمينة لغزال، رئيسة منظمة مدافعون من اجل حقوق الإنسان، ومنسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، بأن استمرار ارتكاب الانتهاكات الجسيمة بمخيمات تندوف لنصف قرن، ناتج عن تهاون خطير للمجتمع الدولي منذ إنشاء المخيمات في العام 1975، وتقاعسه عن القيام بواجباته المرتبطة بإحصاء هؤلاء الأشخاص الذي كدسوا في صحراء قاحلة، دون تحديد مواقع سكناهم الاعتيادية قبل النزوح الى صحراء تندوف الجزائرية وسبب هذا الانتقال الجماعي لالاف الأشخاص من أرضهم، إن كان يتعلق باضطهادهم او ترغيبهم من قبل البوليساريو والسلطات الجزائرية في إطار معاكسة السلطات المغربية لاستكمال وحدتها الترابية، أو إطلاق حملات تخويف وترهيب زائفة من المملكة المغربية لإفراغ الإقليم من ساكنته، وصناعة قضية من ورق!
وواصلت الدكتورة لغزال في بسط المزيد من الشروحات حول طبيعة المخيمات ووضع ساكنتها القانوني، حيث أشارت الى أن الحكومات الجزائرية المتعاقبة لم تشأ قط الاستجابة لنداءات الأمين العام للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن المتعاقبة بشأن إحصاء ساكنة المخيمات عبر الية الحوار الفردي، لمعرفة سبب قدومها للمخيمات وتحديد حاجياتها الإنسانية للاستجابة لها، وحسب الأستاذة مينة، فإن الكثير من الخبراء الدوليين أثبتوا أن الوضع اللاقانوني الشاذ الذي يعيشه الصحراويين في المخيمات، يعد سببا رئيسا في سماح الجزائر للبوليساريو بارتكاب انتهاكات جسيمة دون رقيب، لتواجد تلك المخيمات خارج رصد اليات الأمم المتحدة الحمائية وتتبع المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
وأضافت منسقة التحالف، أن وضعية ساكنة المخيمات تثير الكثير من الفزع، نظرا لحجم وشدة الانتهاكات التي ترتكب بشكل ممنهج ومستمر في الزمن، وبتفويض كامل من سلطات البلد المضيف للمخيمات، حيث ذكرت أن التحالف أصدر أكثر من خمس بلاغات عاجلة حول حالات قتل خارج نطاق القانون، كان أكثرها بشاعة، إقدام وحدات من الجيش الجزائري على قصف أكثر من 20 صحراوي مدنيين عزل وقتلهم بدم بارد مع سبق الإصرار والترصد، بمنطقة إيكيدي في الحدود الجزائرية الموريتانية أواخر ماي الماضي، كانوا ينقبون عن الذهب، في إطار البحث عن مصادر دخل لإعالة عوائلهم بسبب قتامة الوضع بالمخيمات وحالة الإغلاق الشديد لفضائها من قبل جهاز أمن البوليساريو وقوات الجيش الجزائري واستخباراته العسكرية.
وارتباطا بموضوع الندوة، أوضح الأستاذ عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة أفريكا ووتش، ونائب منسقة التحالف، أن الترافع الدولي لكشف حقيقة وحجم الانتهاكات الجسيمة المرتكبة للمخيمات، يتطلب من مكونات التحالف جهودا مضنية لإيصال اهات والام الصحراويين بالمخيمات وما يتعرضون له من قمع متواصل بفضاء لافظ للحقوق والحريات تحت إشراف تنظيم عسكري توتاليتاري بمباركة النظام العسكري الجزائري.
وقال الأستاذ الكاين، أن التحالف ماض في تنفيذ أهدافه المرتبطة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان بشمال إفريقيا، وبخاصة بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية ومخيمات تندوف بجنوب غربي الجزائر، وأضاف أن مسؤولو التحالف تواصلوا خلال مشاركتهم في أشغال الدورة السادسة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان مع سفراء دول وخبراء لجان معاهدات ومكتب المفوض السامي حول حالات انتهاكات جسيمة وقعت الشهر الماضي بالمخيمات، من بينها اختطاف المرأة الصحراوية محمودة احميدة سعيد، وقتل أكثر من 20 صحراوي مدني بقصف جوي موجه بالحدود الموريتانية الجزائرية، وإشعار هذه الاليات بتلك الانتهاكات وتقديم توصيات في هذا الشأن قصد التحرك الجماعي لمواجهة خطر تلك الجرائم الدولية المحظورة بموجب القانون الدولي.
وأسترسل قائلا أن هيئتهم قدمت تقريرا مفصلا يحمل بين طياته معلومات حول الممارسات الفضلى والتحديات والشواغل التي تسترعي اهتمام المجتمع الدولي ومكونات الفضاء المدني في علاقة بالجهود المبذولة لمكافحة الاختفاء القسري، ونوه الى التحالف قدم ملاحظاته وتوصياته بشأن إشكالية الاختفاء القسري بمخيمات تندوف في ظل اللجوء وسياقات تفويض كامل لولاية دولة الجزائر باعتبارها بلدا مضيفا لولايتها القانونية والقضائية والتدبيرية لتنظيم عسكري قمعي، لم يدخر جهدا في قمع وترويع سكان المخيمات، وتعقيد أوضاعهم إضافة الى حالة الغموض التي تلف وضعهم القانوني بتلك المنطقة.
وختم الأستاذ عبد الوهاب، إن عرض معلومات تحوز القدر الأكبر من الأهمية حول الحالة السيئة للحقوق والحريات بالجزائر والمخيمات بشكل خاص، يجب أن يستتبعه عمل مدني دؤوب لشرح السياقات والأوضاع المحيطة بارتكاب تلك الانتهاكات، بالإضافة الى حملات توعية واسعة النطاق بشأن النزاع، لمواجهة حملات التضليل المنظمة من قبل النظام الجزائري ومساعديه بالمخيمات، لتسليط الضوء على قضايا يكتنفها الغموض في سياق النزاع من قبيل مبدأ تقرير المصير، حيث أوضح السيد الكاين أن هذا المبدأ يخضع لمعايير صارمة، تنأئ عن المساس بالوحدة الترابية للبلدان، وأنه من المستحيل تصنيف الصحراويين كشعب أو أقلية في أرضهم او شعبا أصليا، حتى يتوفر رابط يمكن من الاعتقاد بأحقية البوليساريو في تمثيلية شرعية، لا تحوز منها غير الترويج الإعلامي، لافتقارها الإشراف على الأرض والموارد والساكنة المحلية للإقليم.
تعليق واحد