تلقيت دعوة كريمة من صديقتي الممثلة القديرة و المتألقة فرح الغربي لحضور مسرحية “الأزمنة الهاربة” لمؤلفها الاستاذ عزيز قنجاع و مخرجها الأستاذ مراد الجوهري التي ستعرض بمسرح رياض السلطان بمدينة طنجة.
فلبيت الدعوة و أنا كلي فرح لأشاهد تجربة لمؤلف أحببت فيلمه الرائع “زمن الرفاق” فلما وصلت قبل الوقت بساعتين وجدتها فرصة لزيارة القصبة من الضفة الأخرى حيث المحلات و الورشات الفنية و المقاهي العتيقة و الأزقة و المعمار القديم و البناء بالأحجار التي تعطي للمكان قداسته و جماليته التاريخية و الإطلالة الجميلة على البحر من علو، فجلست على كرسي من إسمنت و بدأت أتأمل في المكان الذي زواره غالبيتهم أجانب.
و لما حان وقت العرض دخلت المكان و جلست على كرسي خشبي داخل الفضاء الذي به أشجار وورود و ظل و زقزقة عصافير، و طلبت شايا منعنعا، وبقيت أنصت لموسيقى هادئة تليق بالمكان، و بعد دقائق معدودات ولجت القاعة و مباشرة بدأ العرض بشخصيات شابة عددها أربعة، و كان العرض و التشخيص قمة في الروعة.
و أنا أشاهد العرض كنت قد وضعت مذكرتي و كتابا يتحدث تن تجربة الفنان التشكيلي و التشخيصي ماتبيس أثناء زيارته لمدينة طنجة و تأثيرها على فنه و التي أصبح مميزا و ملموسا ذلك التأثير الايجابي، فجأة إنقلب الكرسي للوراء و سقط معه الكتابين و الهاتف، و الممثلون مندمجون في أداء أدوارهم ، فلم أجد لا الكتابين و لا الهاتف، فبدأ تعجبي.
الجاذبية كما عرفتها أن الهاتف و الكتابين بعد السقوط يكون مكان سقوطهما هو الارض و لكن العكس هو الذي وقع أي إختفاء كل ما ذكرت، حتى السيدة التي كانت تجلس بجانبي أضاءت نور هاتفها على المكان فلم تر شيئا مثلي، فنهضت مسرعا للبحث عن مفقوداتي و بما أن الظلام يحف المكان وجدت نفسي جنبا إلى جنب مع ممثلين من فرقة المسرحية و من بينهما صديقتي فرح التي تفاجأت بي بالقرب منها، و عدت لمكاني خائفا أن أزعج المتابعين للمسرحية.
و لم يهدأ لي بال و بقيت منتظرا حتى خرجت سيدة من باب صغير فتتبعت خطواتها و بالفعل غادرت القاعة و إلتقيت حارسا و أخبرته بالواقعة فقال لي إطمئن كل أغراضك فهي في الحفظ و الصون و بعد دقائق أحضر لي كل ما ضاع مني و عدت لمكاني و أتممت المسرحية التي كان موضوعها يتحدث عن الحرية، و التي إستطاع المؤلف ان يحلق بنا عاليا و يجعل من الممثلين نشاهد سيناريوهات و تصوير يخلق بك لعالم كيف يقهر فيه الضعيف عبر حقب تاريخيّة بفلسفة تحدث عنها فلاسف مشهود لهم بالنبوغ.
و إنتهى العرض و صفقت كما صفق غيري للمجموعة و كل من ساهم في هذا الإبداع الفني الراقي الذي إستعملت فيه لغة راقية عربية فصيحة و فرنسية متقنة و دارجة خالية من لغو الكلام.
و لزاما علي بعد كل ماذكرت أن أبوح لكم بسر أتمنى أن لا يقلق ممثلتنا الأستاذة فرح، فهي أخبرتني بأن ستقوم بدورها في هذه المسرحية لأول مرة و أنها خائفة فذهب بي خيالي بأنها ستكون مرتبكة خائفة و لكن العكس هو الذي حصل، كانت متمكنة من دورها و متقنة له تصول و تجول فوق الخشبة كلبؤة متيقنة من نفسها و يزداد جمال المشهد في تناسق أدوار الفرقة كانوا كالعقد تكمل حباته بعضها البعض.
كانت تحركاتهم سمفونية موسيقية متناسقة الحركات و النغمات، و الذي يبدو طريفا أنه لما هممت بالخروج و إلتقى وجهي بوجه الأستاذة فرح و زميل لها ظننت نفسي انني ممثل علي بأداء دور مع المجموعة و المشاهدون كذلك لان أعضاء الفرقة و هم يؤدون أدوارهم كانوا يتحركون فوق الممرات الموجودة أمام كراسي المشاهدين.
خلاصة القول شكرا للمجموعة و على الخصوص صديقتي فرح الغربي الممثلة المتألقة على حسن الاستقبال و الحفاوة و أتمنى أن أراكم قريبا فوق خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط.