ميخائيل نعيمة، أحد أعمدة الرابطة القلمية ونائبا لجبران رئيسها، رفيق درب عظماء الشعر العربي ومجدديه من أبناء المهجر مثال جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي، ولد عام 1989 في جبل صنين في لبنان بغضون عقد بزغت فيه شمس كثير من العلماء والأدباء الذين ظلوا رموزًا لنهضة الأدب والشعر في بلادنا العربية.
وتوفي في عام 1988 حيث بدأت كل معالم النهضة التي كان هو أحد دعامتها تتلاشى وآلت من ثمّة للسقوط والانهيار. قضى مرحلة المدرسة الأوليّة في مدرسة الجمعية الفلسطينية في بسكنتا وأتبعها بخمسة أعوام جامعية في بولتافا الأوكرانية وكان ذلك بين عامي 1905 و1911 ومن ثمّة أكمل دراسته الأكاديمية بالولايات المتحدة الأميركية وصار مع مرور الأيام يحمل جنسية هذا البلد.
بلغ نعيمة من العمر مائة ربيع وكان يقيم غالبية وقته في قرية الشخروب الجبليّة الواقعة قريبا من بلدة بسكنتا التي يُعرف عنها طبيعتها الخلابة ومناظرها الساحرة التي تسلب القلوب وتذهب بالألباب. كانت تلك القرية هي المكان المثالي لشخص مثله يرنو إلى الوحدة، العزلة والتأمل حتى يستطيع تفجير ما به من براكين.
وكان يؤثر الانفراد بنفسه في مواقع قريبة من الشلال حيث منزل الوحي ومرتع الأفكار التي تجعل منه إنسانا يحمل رسالة وتذكره بواجبه تجاه العالم والأمّة التي سخّر دأبه وعمله جلّهما من أجل تحريرها وتربيتها وتطورها وانعتاقها من أغلال الماضي وبراثن الجهل والرجعيّة. كانت اللغات تنساب إليه كالأطياف وتسجد حمائمها أمامه رجليه، لذلك فقد كتب بالعربية والإنجليزية والروسيّة والفرنسيّة، على سبيل المثال وما خفي أعظم!
تعرف في إجازاته التي كان يقضيها في قرية كيراسيموفكا بحسناء شقراء طويلة القوام والضفائر، زرقاء العينين، وعرض عليها قلبه لكنها كانت وقتئذ بعصمة رجل آخر.
وبما أن الطلاق في العرف الأرثوذكسي كان من سابع المستحيلات فوجد نعيمة نفسه أمام خيارين: إما أن يخترق النواميس والقوانين والأعراف المتينة وإما أن يقطع علاقته بالمحبوبة إلى الأبد ويترك بسببها الدراسة الجامعية بروسيا التي هي أيضا سكنت قلبه ووجدانه كما حسناؤه ويعود أدراجه إلى بلدته. بيد أنه ظهر في غفلة على الأفق حل لم يكن يحسب له نعيمة أي حساب، حيث أراد زوج محبوبته أن يطلقها ويتجه إلى الرهبنة في الدير.
وأوشك ميخائيل أن يشعر بقرب سعادته وأنها قاب قوسين أو أدني من تلبية نداء فؤاده المضطرم. لكن ولسوء الطالع لم يرض راعي الدير بقبول زوج المحبوبة راهبا نسبة لوضعه الصحيّ المزري وضعف بنايته ومرضه. وكان ذلك سببا وجيها في انفصال القلبين فقرر حينئذ نعيمة أن يقطع دراسته في الفور في بولتافا وترك كل شيء وراء ظهره حتى علم اللاهوت وترك روسيا لا يلوي على شيء إلا ويرمي بمآسيها وراء ظهره.
عاد إلى لبنان ولم يحلُ له البقاء بها فعقد العزم على الهجرة إلى أميركا فشرع في الأمر بصحبة أخيه نجيب وأمضى بالولايات المتحدة الأميركية حوالي عقدين من الزمان. وذُكر أن محبوبته الروسية فاريا استطاعت أن تطلق زوجها وتأتي باحثة إثر ميخائيل لكن سفينة هجرته إلى أميركا كانت الأسرع.
اكتشاف مآثره في روسيا:
بفضل الآنسة إيرينا بيليك، الباحثة في إبداع ميخائيل نعيمة ومترجمة أشعاره إلى اللغة الروسيّة تحقق للقرّاء أن يتبّنوا ويكتشفوا بعضا من معالم حياة نعيمة في روسيا لا سيما قصة حبّه من فاريا والتي ما كان لها أن تخرج للعالم لولا هذه الباحثة التي زارت لبنان في عام 2008 وعرجت على مسقط رأس الشاعر في قرية بسكنتا والتقت بابن أخ الشاعر، المدعو يوسف نعيمة وبنجله نجيب. ويا لدهشة الباحثة الروسية عندما علمت أن ابنة نجيب، الحقوقي اللبناني المعروف، تدعى فاريا وهي شقراء وزرقاء العينين.
مؤلفاته:
همس الجفون، البيادر، كان ما كان، الأوثان، سبعون، المراحل، كرم على درب، مذكرات الأرقش، مسرحية الآباء والبنون، كتاب مرداد: منارة وبناء، أيوب، جبران خليل جبران، اليوم الأخير، في مهب الريح، هوامش، دروب، أكابر، أبو بطة، أبعد من موسكو ومن واشنطن، صوت العالم.
إعجابه بلغة القرآن الكريم:
لقد بلغ إعجاب نعيمة ببلاغة آي القرآن وبلغته مبلغا لا بد أن نذكر به هاهنا، واقتبس منها اقتباسات عديدة واعتبر نعيمة أن أبلغ نصوص العرب على الإطلاق يتضمنها آي الذكر الحكيم وقال ذات مرّة: إن أبلغ هذه النصوص هي في وصف الطوفان بسورة هود، (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقعلي وغيض الماء واستوت على الجودي).
ميخائيل نعيمة يظل عملاقا مع عمالقة المهجر وعلما من أعلام النهضة في الأدب والشعر العربيّ المعاصر. إدراك وفهم وصياغة للغة خارق للعادة!