آراءثقافة

موعد غرامي..

في اللحظة التي دخَلَتْ فيها إلى القاعة وجلست بجواري غير بعيد لتستمع لمن هم بالمنصَّة تنفست صعوداً وحملت هموماً وسكرت فنوناً وكنت استمع لدقات قلبي تتقافز إذ ملت إليها بدون إرادة لأنَّها من النوع الذي يهواه قلبي لشكلها العام وصورتها المقبولة، وتذكرت قول مسلم بن الوليد:

قل للمليحة في الخمار الأسود * ماذا فعلت براهب متعبد
قد كان شمَّر للصلاة ثيابه * حتى عرضت له بباب المسجد
بالله ردي عليه صلاته * وصيامه بحق دين محمد

أنا على ثقة تماماً أنَّها لم تنتبه لأي شيء من حولها فلا هي بذات البصيرة النافذة ولا بذات التفكير البعيد لسبب بسيط هو المناسبة التي جمعتني بها ليست ذات فرصة مناسبة لأن تعمل المشاعر بين طرفي نقيض، وأغلب الظن أنَّ هذه الخفقات لا مبرر لها لأنَّها بعيدة عن الواقع فلم تكن ثمة وقت لنتعارف على بعضنا البعض ولم تحن بعد هذه الفرصة حتى لحظة كتابة هذه السطور.

عرفت اسمها فيما بعد؛ اسمها بخيتة بت حسب الله؛ فتاة في منتصف العشرينات من العمر متوسطة الطول معتدلة القوام ذات شعر قصير وخفيف وخصر هضيم وجسد شهي ناعم مما يثير الغرائز ويسيل اللعاب؛ فكانت الخطة الاستراتيجية الطارئة كالآتي؛ مباغتتها بالمشاركة في مناقشة محاضرة “النظرية الجدلية للمعرفة وأطر البروليتارية لشعب الماهون” والغرض الأساس من ذلك لا مداخلتها حول القضية المطروحة والتي يناقشها البروفيسور جون ريتشموند؛ سكرتير عام الجمعية الوطنية للحزب الشيوعي الماهوني؛ فهي لا تقدر على تلك المناقشة؛ بدا واضحاً خلال سنها الحداثي فقلة التجربة والمعترك الفلسفي لا يخفى على فيلسوف القرن الواحد والعشرين سعادة البروفيسور  آب قرن كرفاس الزين؛ المحاضر بجامعة كونستانس بجمهورية ألمانيا الاتحادية للعلوم الفلسفية.

لكن الغرض هو سماع نبرة صوتها لتبرز من خلاله مدى قوة شخصيتها من عدمها وكذلك مدى إلمامها عملياً أمام الحضور بالفلسفة الماهونية ومن ثم تقييم أداء تكوين العلاقة العاطفية بين طرفين التقيا لأول مرة دون سابق موعد مع الترصد التام لحركات القلب الشفيف والأهم من ذلك كله رؤية جسدها حراً في مساحة أوسع من الكرسي.

فعلاً؛ تمَّت مباغتتها وحملها على المداخلة فقامت تجر الذيل زهواً وانكساراً لأنَّها وُضِعَتْ أمام الأمر الواقع فتلعثمت بادئ الأمر وظهر ضعف مقدراتها الفكرية في الفلسفة المعاصرة أمام البروفيسور أب قرن كرفاس الزين؛ ابن اللذين الذي لم تنتبه له بكل هذه الخطة الاستراتيجية منذ دخولها القاعة ولن تنتبه إلى يوم يبعثون.

بخيتة بت حسب الله؛ فتاة راقية لا تصلح للزواج ولا للعاطفة التي رسمت لها لكنها في ذات الوقت بعد تحليل شخصيتها اتضح أنَّها كتلة متحركة من العاطفة الجياشة والمشاعر الرقيقة والبراءة الطفولية المحببة لأبي قرن مما جعلها تصلح لمشروع عاطفي فاشل وممتع في ذات الوقت ما لم تتمسك هي بالخطة التي تقرأها الآن وتتصبب عرقاً وخجلاً بعد أن أصبحت هدفاً مشروعاً للحب وتبادل المشاعر المقدسة جنبات قلبها وتحويل قبلتها من فارس أحلامها الفاشل أب درق حقَّار مَساعد؛ الذي يوعدها منذ بلوغها مبلغ الأنوثة بالغرام المستحيل واللقاء الكذوب.

بخيتة الآن بين أمرين أحلامها مُر؛ إمَّا أن تدخل في مشروع غرامي جديد خاسر ما لم تتمسك بعوامل نجاحه هي بكل ما أوتيت من فكر وقلب وروح؛ أو تواصل سيرها مع الساقط عاطفيا “أب درق حقار مساعد” وتجني المستحيل وهي داخلة على سن التقاعد العاطفي.

بعد انتهاء مداخلتها أمام المنصَّة التي قوبلت بالاستحسان والتصفيق من قبل الحاضرين واتحدى أي واحد منهم أن يتذكر ما قالته بخيتة لحظتها أو هي ذاتها ناهيك عن البقية عدا “أب قرن كرفاس الزين” لأنَّه صاحب الخطة الاستراتيجية الناجحة التي أثمرت عن بداية علاقة عاطفية صادقة بدون التزامات إلى حين إشعار آخر.

هذا ! بعد نهاية الجلسة والتعارف السريع نشأ من جانبها قليل من الإهتمام الذي يمكن تنميته في ظل الفلسفة الوجودية واستعمال الخطة “ب” باعتبار كينونتها الإنسانية الراقية الرقيقة مدخلاً مهماً للغاية؛ وكان من مظاهر هذا الاهتمام أن ضغطت بلطف عجيب على يده حين صافحته مودعة لأمل اللقاء غير النهائي وسرعان ما سرت في جسده رعشة يعرفها جيداً ولا تدركها هي مطلقاً؛ قال الدوش:
ولا الحزن القديم إنتِ
ولا لون الفرح إنتِ
ولا الشوق المشيتْ بيهو
وغلبْنى أقيف
وما بِنْتِ
ولا التذكار ولا كُنْتِ
بتطْلَعِى إنتِ من غابات
ومن وديان…
ومنى أنا..
ومِن صحْيَة جروف النيل
مع الموجَهْ الصباحيَّه
ومن شهقَة زهور عطشانَهْ
فوق أحزانهْا
متْكَّيهْ
بتَطْلَعي إنتِ من صوت طِفلَهْ
وسط اللمَّهْ منْسيَّهْ
تَجيني
معاكْ يجيني زمن
أمتِّع نفسى بالدهشَهْ
طبول بتْدُق
وساحات لي فرح نَوّر
وجمّل للحُزن ممْشى
وتمشي معاي
خُطانا الإلفَهْ والوحشَهْ
وتمشى معاي وتْرُوحي
وتمشى معاي وسط روحى
ولا البلْقاهو بِعْرِفني
ولا بعرِف معاكْ روحي

ليتها تفهم ما يقوله الدوش ويحوكه أب قرن المسكين ويستمر الموعد الغرامي المضروب على القلوب في الخيالات والكتابات فقط لا الحقيقة لأنَّها محض رغبة لكاتب موهوب أو موهوم وليست بخيتة بت حسب الله قال الشاعر الكبير مصطفى سند “بيني وبينك تستطيل حوائط ويوصد ألف باب” ولا بارك الله في الفلسفة ولا الخطط الاستراتيجية الطارئة.

https://anbaaexpress.ma/hji6d

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى