الحسين بوخرطة
إن التأمل في بساطة أسلوب رواية الأديب أسامة المسلم “خوف” تدفع القارئ، بعد إنهاء قراءة أجزائها الثلاثة، إلى التأمل باستحضار الهوية الحضارية ما بين دول العالم المتقدم بشقيه الغربي (أمريكا وأوروبا) والشرقي (روسيا والصين) والعالمين العربي والمغاربي.
لقد ترسخ عند الأفراد والجماعات في العالم الأول تاريخ الفكر الفلسفي وتطوراته عبر العصور، بحيث برزت في العصر الحديث الأدوار الريادية للتاريخانية في تنوير الشعوب وحسم تفوقها العالمي.
لقد توفرت كل الشروط الثقافية والمعرفية التي مكنت شعوب هذه الدول من خلق القطيعة المنشودة النافعة مع ظلمات الماضي خلال القرنين 15 و 16، ليتم خلال القرنين 17 و 18 إعلان النجاح الغربي في المرور إلى الأنسنة وتحويل الإنسان إلى مركز الكون، وترسيخ الاعتقاد الشعبي بمزايا التنوع الثقافي والانفتاح على ثقافات الآخر.
أما في عالمنا العربي والمغاربي (الثاني)، كان موعد إصابته بداء فقدان القدرة على جعل الفلسفة والتاريخ والعلم أساس الوجود الحضاري مبكرا، ليصطدم في مطلع الألفية الثالثة بتهديدات النهاية من جهة ورهان استحقاق التموقع كونيا من جهة أخرى.
عاش هذا العالم نبوغا فكريا وفلسفيا وعلميا في القرون الأولى الموالية لظهور الإسلام. امتزجت السياسة بالثقافة، وتم تهميش التفكير الفلسفي، وبقيت الشعوب مرتبطة بالميتافيزيقا والسماء تاركة الطبيعة وعلومها للغرب.
تميز القرنان 15 و 16 الميلاديين باشتداد المد الإسلامي وبداية التدخل الأوروبي. لقد شكلت المرحلة امتحانا لقياس موازين القوى في العالم. مر العالم الغربي من مفهوم “الانسان الكائن الثقافي المالك للطبيعة” في وقت استمرت الهوة في الاتساع ما بين الشعوب العربية والمغاربية ومقومات التنوير الثقافي كأساس لطلب الكلمة على مستوى هياكل اتخاذ القرار الكوني.
بطل رواية “خوف” شاب من مواليد السبعينات. عاش طفولته الأولى بأمريكا. تشبع بمآلات ارتباط الفلسفة والتاريخ والحكمة والقوة بدولة العم سام. تشرب بعد ذلك عن طريق الإعلام بمعاني ودلالات إعلان النظام العالمي الجديد من طرف الرئيس بوش الابن.
عاد إلى بلاده، وعمره لا يتجاوز سبع سنوات، فانغمس في عالم غريب لا زالت أوضاعه الثقافية وكـأنها مشابهة للأوضاع بالغرب ما قبل القرن 15. هاجس التكيف مع الأوضاع الجديدة المتخلفة جعله يسرد علينا أحداث ثلاثة أجزاء من روايته جاعلا القارئ يبحر في عوالم الإنس والجن والشياطين.
استحضر تاريخ الأمة العربية الإسلامية، وتحدث عن المدونات الشعبية بشقيها النافع والمضر، مبعثا الأمل في نفوس الشباب واليافعين في تحقيق الذات بمنطق جديد. إنه المنطق الذي يفرض الحفاظ على الهوية العقلانية للأمة من خلال الغوص في تحليل وعقلنة التراث، والانفتاح بذكاء وسلمية على تاريخ الحضارات والأمم.
بطل الرواية، الذي اتخذ لنفسه اسم “خوف”، هو نموذج حياة النخب العربية والمغاربية التي استوعبت ارتباطات التنمية بالتنوير والفلسفة والتاريخ والعلوم المختلفة، لكنها وجدت نفسها مقوقعة سياسيا وثقافيا في فضاءات فعل جد ضيقة. وجدت نفسها كذلك مضطرة إلى التعبير أدبيا عن هذا الواقع بالتعاطي للفانتازيا.
2 تعليقات