جلس فوق صخرة متأملا البحر في فترة هدوئه، فلفت نظره قارب صغير عند منتهى حد بصره، و شمس لم يعد يظهر منها سوى منتهاها و أشعة بلون ذهبي تكاد تغرق في ماء البحر.
في تلك اللحظات أسراب من الطيور بأعداد كبيرة تحاول مغادرة المكان محلقة و هي تهندس لتحليقها بأشكال جمالية تأسر عينيك، و تجعلك ترى أشكالا هندسية كأن فنانا أعدها ليشاهدها المتلقي، و أنا أتأمل كل هذا غصت بخيالي قعر البحر، فإذا بي أرى كل الحيتان و المخلوقات تأخذ مكانها للراحة، هكذا هو حال كل المخلوقات الليل سكن لها.
في هذه اللحظة بالذات ظهر بجانبي مخلوق بشري يحمل صفة إنسان مثلي، بدوره يعشق البحر و لحظة غروب الشمس و ما يرافقها من أحداث ذكرت لكم بعضها، فدار بيننا حوار تعارف، فعلمت منه أنه يعمل حارسا ليليا بإقامة محروسة، و لم يعرف عملا آخر في حياته سوى هذه المهنة.
و مجيئه للبحر في هذا الوقت هو مقصود به استعداد لقضاء ليل بتنوع فصوله خريف و شتاء و ربيع و صيف تختلف درجات حرارته و برودته و رطوبته، يعتبر حضوره هو شحن لنفسيته بطاقة ايجابية.
فسألته كيف استطاع أن يتأقلم مع هذا الوضع النشز ؟ فأخبرني في البداية أنه وجد صعوبة و لكنه إعتاد و حاول ان يتأقلم معه، فسألته أيضا فكيف يتصرف مع أسرته الصغيرة و الكبيرة ؟ فأجاب هم بدورهم إندمجوا و قبلوا بوضعي ، فسألته مرة ثالثة: هل انت سعيد بهذا الوضع النشز ؟ أجاب : لا، و لكن أخوك مضطر لا بطل ، فسألته عن بعض معاناته التي عاشها و هو يمارس مهنته هاته ؟
الحارس الليلي هو إنسان يمتهن مهنة يصعب على كثير من البشر ممارستها لما يحفها من إهانات و مخاطر ، كم من حارس ليلي أصيب بعاهة مستديمة و هو يمارس مهنته ليلا من طرف لصوص محترفين، و منهم من مات غدرا.
أضف إلى ذلك الاهانات اليومية من طرف بعض السكان كبارا و صغارا، لا حق له في التغيب بسبب مرض أو طارئ يحدث له ، كثير منا لا عطلة سنوية له بمعنى لا حق له في السفر، كم من بيت سرق أو ملابس من فوق السطوح فنجرجر في أقسام الشرطة و يكون اللص من بين شباب منحرفين من ساكنة الإقامة، و الأصعب و هو أننا لسنا مشمولين لا بتغطية صحية و لا ضمان اجتماعي و لا سن لنا للتقاعد.
نحن فئة مهمشة نعيش مكسوري الأجنحة، لا الدولة و لا الحكومة و لا المجتمع المدني و لا المنظمات الحقوقية بجميع تلاوينها تهتم بقضيتنا، كم ليلة قضيتها كما هو حال غيري ممن يمارسون الحراسة محموما و مريضا و جائعا و مهموما، لا أحد يفكر فينا نعيش الضياع، نعيش البؤس، و لا خيار لنا..
بعد كل ما دار بيننا لم يعد ما جئت من أجله يغريني، لا الغروب و لا أمواج البحر و لا الطيور و لا الحيتان تبعث في نفسي طمأنينة بعد كل ما سمعت من آهات الحجر و البشر و الطير و الحيتان و كل المخلوقات تنام ليلا “و جعلنا الليل سكنا”.
و صنف من البشر محروم من هذه النعمة و محروم من الآدمية و العيش الكريم و الأمن و الأمان مستقبل مظلم و آمال أقبرت بأي ذنب كسرت أجنحتهم، هي صرخة أعلنها بصوت مرتفع: كفى ظلما، فلسان حال صديقي يقول نريد عدلا، نريد إنصافا، نريد حقا مهضوما نريد إلتفاتة تشفي بعضا من آلامنا و جراحاتنا.