لم نكن في حاجة ماسة لكتابة مقال طويل وعريض للحديث عن هاو في مجال الصحافة والأخلاق، لأننا من فرط الاعتياد على مشاهدة وسماع هذيانه اللذين كلما ضاقت به السبل، انجرف نحو الهاوية بما يستلزم من أدوات ومعجم يمتحي مفرداته من الصرف الصحي والبذاءة التي تعكس اعوجاج ذهنية ومزاح نجم الفايسبوك الجديد، لم نعد نبحث عن جديد في شطحاته اللاهثة وراء عطف قيادة غير شرعية لمخيمات لا تعدو أن تكون غيتوهات للاحتجاز المطول لصحراويين لا ينشدون غير الكرمة وحرية التعبير عن تطلعاتهم، وحرية التعبير في حدوده الدنيا.
فالاشتغال في مجال الصحافة وحقوق الإنسان، لا بد له أن يتمسك أولا بالأخلاق وأن يحوز تربية عالية تأهله للحديث عن قضايا بتجرد، بغض النظر عن وضعياته وظروفه الشخصية. ولعل الأمثلة كثيرة لأشخاص كرسوا حياتهم لخدمة الحقيقة والعدالة والمساواة ومواجهة قمع الأنظمة غير ابهين بالمخاطر والتحديات التي يمكن أن تؤدي بهم الى التهلكة.
هل تعتقد أن صحافيي غزة وسوريا ولبنان والسودان، غير تواقين الى حياة أفضل والجلوس على كراسي وثيرة ورؤية العالم من مكاتب مكيفة، أم تعتقد أنهم رهبان في دير منعزلين عن الفضاء الخارجي؟
لماذا اختار هؤلاء الاستشهاد والتضحية بأنفسهم خدمة لرسالتهم السامية؟ وهل خدمة أجندة البوليساريو استثناء في قواعد ومدونة سلوك الصحافة والدفاع عن حقوق الإنسان، رغبة في الوصول الى نيل رضى عسس قصر المرادية؟
لم أجد من جواب شاف على سؤالكم العبقري، المتعلق برغبتكم معرفة بماذا الصحراء الغربية مغربية، سوى سخرية المتدخلين في برنامجك الشهير “اضحك لتسعد”، بالرد على تلك الترهات بتصريحات لكم لا يمكن التشكيك فيها، لوضوح الصورة وصفائها، وجدتكم حين كنتم تنعمون بالتعويضات المجزية، فقط لأنكم من أبناء الصحراء، وليس لكفاءتكم ودرجتكم العلمية الرفيعة!
كيف لصحفي مهني، صال وجال في العالم واكتسب تجاربا كبيرة، شملت الخوض في قضايا والتفاعل مع صانعي قرار ورؤساء منظمات عالمية وقادة رأي كثر، أن يتصرف كسارق مال أبيه حساب اخرين، لا هو استفاد من والده بطريقة مشروعة وبذلك سينال رضاه وإرثه، ولا هو أصبح بطلا في عيون اللصوص؟
يرد أكثر رواد الفايسبوك متابعة لسلعكم الموبؤة بخطابات الكراهية والحقد والعنصرية المقيتة وانتشار الخطاب السوقي المنحدر، والذي لا ينم عن خلفية ثقافية، نمت مكوناتها في دورة حياة طبيعية، بأن أي رد أكثر تناسبا على سؤاله، لن يضاهي خرجاتكم العصماء على شاشة قناة الأولى، والتي كنتم طوال الوقت تتشبه في نشراتها بكبار مذيعي نشرات الأخبار العرب، لنيل الحظوة داخل أروقة دار البريهي.
هل سيكون الرأي العام بكافة أطيافه وتواجده على طول تضاريس شمال إفريقيا أعلم منكم بالجواب على السؤال الرئيس في مسلسلكم الشهير “اضحك لتسعد”؟ لا أعتقد أن بمقدور أحد الرد على سؤال لصحفي لا يتقن من شيء سوى الرد على هذا السؤال بالضبط لمدة تقارب الثلاثة عقود. ما أثارني في زيارتكم للمخيمات، وهي بالمناسبة ليست للاجئين، وانت مدعو للمشاركة في دورات تقوية في القانون الدولي لكي تمتلك أدوات التمييز بين المفاهيم، هو عفويتكم المبالغ فيها في التجول داخل المخيمات والحديث مع الناس بكل أريحية، وهذا لعمري يثير التساؤل حول التعاقد من الباطن مع أجهزة الأمن، وحول الامتيازات التي من المفترض أن تحصل عليها لتغطية العجز الحاصل، عقب تقلبكم على مشغلكم الأول، وتفضيلكم خوض غمار مغامرة، لم تكونوا تقدرون اثارهم المدمرة على مستقبلكم وذهنيتكم وفضاء تحرككم.
ألم تلحظ أن حوارك العفوي مع السيدة الصحراوية التاجرة في مخيم السمارة ورفيقتها، انتزع مجانا أي شرعية لتنظيم البوليساريو ومن يسبح في فلكها، من حيث لا تدري، لأنها حين صرحت أن معضلتهم الرئيسية هي سوء تدبير قادة الرابوني لتزويد قاطني بالمخيمات بالماء، بل وفسادهم المزمن، هو صك اتهام مباشر لدوركم الاستخباري الرخيص الذي لا يبحث سوى تلميع صورة لتنظيم عسكري مهترئ، نال الصدأ منه مداه، وتتمة لشهادة رفيقتها الصغرى التي كانت تتكأ على باب الدكان، صرحت أن الناس غير مستعدين نهائيا للمكوث بسجن قطاع تندوف المفتوح سنة أخرى، لتآكل مشروع البوليساريو وخفوت انتشاره محليا وإقليميا ودوليا، وتبدد قناعات الناس من انتظار طال أمده، واستحالت شعلته إلى قتل واختطاف وتعذيب وسوء معاملة للصحراويات والصحراويين المحتجزين كخزان بشري يبقي الملف مفتوحا في رفوف الأمم المتحدة إلى ما لا نهاية.
إن عدم استعداد الشابات المستجوبات في نفس الزقاق للتعاطي معك في مسرحيتك الرديئة، والرد على سؤالكم حول تبيان كيف يعيش الصحراويون في المخيمات بكرامة، بكلمة “money, money, money”، يظهر بجلاء خبرة هؤلاء النسوة في أساليبكم وقلة ورعكم عن فعل أي شيء لجني المال وإن كان بطرق ملتوية، وبالمحصلة لم يتجشمن عناء الوقوف لدقيقة للتعبير عن رأيهن ردا على سؤالك.
ما يعجبني في الكاميرا، أنها إذا نالت حريتها تخطف دلائل إدانة من حيث لا يدري المرء، وواحدة من تلك الدلائل، أن أي محل تجاري مهما كان متواضعا، يتزين بعلم الجزائر الخفاق على حيطان الدكاكين وبجانبه خرقة صغيرة لما يفترض أن ضيف المخيمات الكبير يدافع عنه، ويتحمل حرارة المكان الكاتمة للأنفاس، حتى في دكان للعطارة، تشاهد بأم عينيك خلفية من ستة أمتار تلتحف بعلم الحليف، دون أن تظهر إشارة واحدة للبوليساريو، التي طالما أرهقتنا بالشعارات والأعلام المرفرفة في مواقع التواصل الاجتماعي.
نأمل، أن يكفكف الصحفي الالمعي دموعه ويوفر طاقته لفضاء أرحب وأكثر اتساعا حيث البذل والعطاء مقترن بالكفاءة والخبرة والإبداع، لا بنشر الشائعات والتحريض الكراهية والعنصرية، وتغليف الواقع المر بالأحلام الوردية التي لم تعد تجد صدى حتى في ذهنية صانعيها، فما بالك في خاطر صحراويين قضوا خمسة عقود في البؤس والحرمان والقمع والتضييق، دون أن يلوح حل في الأفق لمحنتهم.
مقال رائع