لقد ظل حلم السيطرة على المنطقة العربية، حلما يراود الغرب الصليبي وظلت المحاولات تتكرر في مراحل تاريخية معلومة مترصدة ضعف الدولة الإسلامية و خصوصا المركز فيها و الصراع على السلطة داخل الدولة الإسلامية و التفتيت الذي حصل داخلها لأسباب كثيرة سياسية و مذهبية.
و قد تعرضت المنطقة العربية لأشرس حملة صليبية في القرون الوسطى بزعامة الكنيسة الكاثوليكية و تحت شعار استعادة السيطرة على مناطق نفوذ الإمبراطورية الرومانية في الشام خاصة و في مصر.
و قد توالت الحملات الصليبية على المنطقة العربية، لكنها انكسرت جميعها و فشلت في هدفها الأساسي و المتمثل في السيطرة على المنطقة من خلال السيطرة على الطرق التجارية و المنافذ البحرية، و قد كان شعار تلك الحملات استعادة الأراضي المقدسة، مما أعطاها صبغة دينية، و صراعا بين الحضارات و قد بدأت من القرن الحادي عشر و استمرت إلى غاية القرن الرابع عشر.
و قد كان للظروف التاريخية الصعبة التي عاشتها المنطقة العربية سياسيا، من تشرذم و صراع على السلطة و بذور الفتنة المذهبية الأثر الأكبر في استهداف المنطقة العربية و الطمع فيها، لكن الفشل كان نصيب كل تلك الحملات، و قد انتهت مع بزوغ فجر الخلافة العثمانية.
لكن ذلك الحلم لم يفارق العالم المسيحي، و ظل يتحين فرص ضعف جديدة في العالم الإسلامي، و قد كانت حملة نابليون على مصر في القرن الثامن عشر، بمثابة مؤشر جديد على تنامي أطماع الدول الغربية في الشرق العربي، بعد الاكتشافات الجغرافية الكبرى للسيطرة على الطرق التجارية في آسيا الوسطى و الممرات و المنافذ البحرية و قد تلى ذلك كلها الموجة الاستعمارية التي طالت كل من افريقيا و المنطقة العربية و استراليا و آسيا و الأمريكيتين، لتوسيع النفوذ المسيحي و فرض قيم الحضارة الغربية بالقوة و النار.
ونظرا للموقع الاستراتيجي الذي يحظى بها العالم العربي والإسلامي، فقد كان المستهدف الرئيسي من الحملة الاستعمارية الأخيرة كجزء من فرض هيمنة العالم الغربي المسيحي على العالم العربي والإسلامي.
وفعلا تم تفتيت هذا التكتل الذي ظل موحدا لقرون عدة بعد العمل على إضعاف الدولة العثمانية و إسقاط نظام الخلافة الإسلامية بها و جعل امصارها دويلات ضعيفة سياسيا و عسكريا.
ومن هنا كان على العالم الغربي المسيحي العمل على زرع كيان داخل جسد الأمة العربية والإسلامية لتأكيد سيطرته و تفوقه حضاريا و ثقافيا و عسكريا على المنطقة العربية و العالم الإسلامي.
عاشت المنطقة العربية، الاحتلال الاستعماري تحت مسميات عدة، فمن الانتداب إلى الحماية و عانت شعوب المنطقة العربية من ويلات و جرائم المحتلين، و لم يكن بد من مواجهة المحتل الغاشم و تشكلت في كل الوطن العربي الحركات الجهادية التي لقنت المحتل دروسا في الدفاع عن الأوطان و الأعراض و الأنفس و قد تم تسطير ملاحم و بطولات ترسخ صداها في الذاكرة الشعبية عند شعوب العالم العربي والإسلامي و بصمة في التاريخ الحديث.
مما أدى إلى كسر التطلعات الاستعمارية في المنطقة، و لاح في الأفق القريب فجر التحرر و الاستقلال، و هنا كان لابد من إيجاد آلية جديدة للحفاظ على المصالح الاستراتيجية الكبرى للامبريالية العالمية في المنطقة العربية، و جاء التخطيط لخلق حصان طروادة جديد لإبقاء المنطقة العربية والإسلامية خاضعة سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا لسيطرة النفوذ الامبريالي.
وقد تحقق ذلك بزرع الكيان الصهيوني داخل جسد الأمة العربية والإسلامية في منطقة الشرق الأوسط و خاصة في فلسطين.
و يبدو لي أن المنطقة العربية، لن تنعم بالتحرر الحقيقي، و الخروج من تبعات العهد الاستعماري و التبعية المذلة بكل أشكالها للغرب، إلا عبر تحرير فلسطين من المحتل الصهيوني و إحراق حصان طروادة الجديد.
إن حلم الوحدة العربية والإسلامية، هو الطريق الاسلم نحو التحرير و التحرر، تحرير الأوطان و تحرر الإنسان.
التحرر من كل الأيديولوجيات التي كانت سببا في التشرذم و الفرقة، المذهبية منها و الطائفية و العرقية و الفكرية والسياسية.
و تحرير الأوطان من الأوهام و السلطوية الزائفة و العقول المتحجرة و ذلك عبر تحقيق العدالة الاجتماعية و الكرامة الإنسانية. و لن تقوم للأمة العربية والإسلامية قائمة الا عبر قاطرة التعليم و الاستثمار في الإنسان لبلوغ المراتب العليا بين الأمم.
حصان طروادة اي الكيان الصهيوني أو إسرائيل، المشروع الامبريالي داخل جسد الأمة العربية والإسلامية، بدأ يحترق من الداخل و من الخارج أيضا، فقد اتضحت مرامي و أهداف زرعه في المنطقة العربية، و هي زعزعة استقرار المنطقة و جعل ثرواتها في قبضة الامبريالية و الصهيونية و خدمة أجندتها التخريبية في المنطقة.
إنحسار المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، يعد بمثابة الانفراجة التي ستعيد حلم الوحدة العربية والإسلامية إلى أجندة شباب الأمة العربية والإسلامية، و ما تشهده المنطقة من أحداث جارية يعد منطلقا لتحقيق ذلك.