آراءثقافة

الشاعر يوسف مصطفى التِّنَيّ.. في الفؤاد ترعاه العناية

التِّنَيّ من شعراء السودان الذين اتسموا بالرصانة والتمكن التّام من أدوات اللغة العربية وبحور شعرها الوافر منها والزاخر. ولد هذا المبدع في عام 1907 في عاصمة السودان الوطنية أم درمان، هذا الصرح التاريخي الذي أنجب مئات بل آلافا مؤلفة من الشعراء والعلماء والمفكرين.

كان من النخبة الأولى التي اصطُفيت بالدراسة بكلية غرودن (جامعة الخرطوم حاليا). درس بها الهندسة ونال درجة الإجازة كمهندس عام 1930 وعمل في عدد من مؤسسات الدولة منها مصلحة الشغل التي داوم بها لغاية عام 1941، ثم انضم لقوات دفاع السودان كضابط وعمل بها كمترجم أثناء الحرب العالميّة الثانية في غضون فترة الاستعمار بالبلاد والتي دامت لغاية عام 1956.

ترك بعدها عمله بالجيش ليس نادما وهو برتبة ضابط (يوزباشا) في عام 1945وبدأت مسيرته العملية الوطنية والأدبية كأحد أعمدة الرواد الأوائل الذين ناضلوا من أجل الحرية والاستقلال ورفعة السودان الوطن وأرسوا دعائم الوحدة الوطنية. كان مديرا لمصلحة الشغل ومن ثم بالخارجيّة برتبة سفير.

ترك شعره بصمات خالدة في ذاكرة المجتمع السوداني الجمعية منها قصيدة “في الفؤاد ترعاه العناية بين ضلوعي الوطن العزيز” التي تغنى بها العديد من مطربي السودان ولا يزال يرددونها ويدندن بها إلى هذه اللحظة كل فرد، الكبير والصغير، الشيخ والفتى في بلاد النيلين.

عندما نتصدى لبعض أعماله الشعريّة فتنبثق في التوّ رصانة الكلم، جزالة اللغة ومرونتها وهي تطفح بين القوافي وفوق هذا وذلك يؤثرك خيال أخصب وافر وثري وبين هذا وذاك تقف على دقة الأوزان وتسلطن على الإيقاعات والموسيقى الشعريّة. خلّف يوسف التِّنَيّ أعمالا شعرية ثرية منها ديوان شعر بعنوان “الصدى الأوّل” (1938)، “ديوان التِّنَيّ ” (القاهرة 1955)، ويحمل في طياته “الهوى الأول”و”السرائر”.

نلمس في نَفَسِهِ الشعريّ وروح النظم به تأثّره بالأدب الصوفيّ وتعاليمه السمحة ونجد شاعريته قد ترجمت هذا الحسّ الباطن فنسج قصائد صوفيّة بديعة في سحرها وتأملها سواء بالعاميّة أو باللسان العربيّ المبين.

وجعل القصيدة كالروح ترقى وتنشأ في أطوار كما أطوار الخليقة والحياة: العشق، التردد، والانجذاب عند الوصول.

استحضر عند قراءة بعض قصائده الصوفية قصة إيمان سيدنا إبراهيم عندما عشق الشمس والقمر والأنواء، وسار يبحث عن الصانع ومن ثمّة تساؤله عن كيف يُحيي الله الموتى، إلخ. فهنا نجد نفس السيرة والنهج: الحبّ، والتردد والشك، حتى الوصول إلى الإيمان الراسخ الذي يؤدي إلى مرحلة الجذبة وانكشاف الحجاب.

وافته المنيّة بمسقط رأسه بمدينة أم درمان في عام 1969.

وطني

وطنـي شَقـيـتَ بشِيبـه وشبـــــــــــــابِهِ
زمـنـاً سقـاكَ السُمَّ مـن أكـــــــــــوابِهِ
قـد أسلـمـوكَ إلى الخراب ضحـــــــــــيّةً
والـيـومَ هل طربـوا لصـوت غُرابــــــــه؟
وطنـي تَنـازعَه الـتحـزُّبُ والهــــــــــوى
هـذا يكـيـدُ له وذاك طغى بـــــــــــــه
ولقـد يُعـانـي مِن جَفـا أبنـــــــــــائهِ
فـوق الـذي عـانـاه مـن أَغْرابــــــــــه
بـالأمس كـانـــــــــــــوا وحدةً فتفرّقتْ
فَسَطـا الـمُغـيرُ بظُفره وبنـابـــــــــــه
والـيـومَ هـم شِيَعٌ تُنـافس بعضَهــــــــــا
فـي رِقّهـا لـمسـوَّدٍ أو نـابـــــــــــــه
حتى الـذي نزف الـدمــــــــــــاءَ مُسخَّراً
كـالطـير حَفُّوا خُشَّعـاً بركـابــــــــــــه
كـم أُوهـمَ الـدهـمـاءُ فـيـه فأمّلــــــوا
فـي العـالـم الثـانـي جزيلَ ثـوابــــــه
ومشـتْ زرافـاتُ الـحجـيجِ لـبـابـــــــــهِ
فكأنمـا الـبـيـتُ الـحـرامُ ببـابـــــــه
وطنـي يعـيثُ بـه العـدوُّ ولا تـــــــــرى
مِنْ دافعٍ عـن حَوْضه ورِحـابـــــــــــــــه
وإذا انـبرى لـيذودَ عـــــــــــن سُودانهِ
ألـبـارعُ الـمِقْدام مـن كُتّابــــــــــــه
لـم يعـدمِ الشـرُّ الـدخـيلُ جـمــــــــاعةً
لـتُرتّلَ الأمداحَ فـي محـرابـــــــــــــه
وطنـي أُصـيبَ بـمعـشـرٍ آواهـــــــــــــمُ
وأظلَّهـم فسعَوْا لـيـوم خرابـــــــــــــه
لـو طُهِّر السـودانُ مـــــــــــــن دخلائهِ
لـتَطهّرَ السـودانُ مـن أوشـابــــــــــــه
لهفـي عـلى السـودان مــــــــــن دخلائه
لهفـي عـلى السـودان مـن أحـزابــــــــه.

https://anbaaexpress.ma/15d0y

محمد بدوي مصطفى

كاتب وباحث سوداني مقيم في ألمانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى