شابتان إلتقيتا على غير ميعاد، كل واحدة منهما تقطن بمدينة تبعد عن الأخرى بكيلومترات، القاسم المشترك بينهما هو الدراسة في الجامعة، و تشاء الأقدار أن تلتقيا في مدرج الجامعة، و من حسن الحظ أنهما جلستا جنبا إلى جنب في مقدمة الصفوف، ودار بينهما سلام و حديث حول صعوبة الدخول الجامعي و صعوبة الحصول على السكن و مشقة التنقل في مدينة إقتصادية عدد سكانها كبير.
تبدأ حركة السير فيها مبكرا بل لا تكاد تنقطع ليل نهار، تخف وطأتها ليلا و لا تنعدم ، مع كثرة المتنقلين الشيء الذي يتطلب صبرا، و في لحظة من اللحظات ناولت شيماء صديقتها خديجة ورقة و قلما فاكتشفت على الفور أن صديقتها الجديدة من ذوي الاحتياجات الخاصة “كفيفة”.
و تداركت الأمر بأن وضعت الورقة و القلم في يدها، و إستمرتا في تجاذب أطراف الحديث، و تواعدتا على أن تبرما عقد صداقة بينهما يكون شعارها التعاون و التضامن والوفاء.
شيماء وجدت صعوبة في الحصول على سكن بالحي الجامعي، مما جعلها تعاني مشقة التنقل يوميا لحضور الدروس، بل كم من مرة كانت تأتي متأخرة بسبب تأخر الحافلة التي تقلها للجامعة، فاقترحت عليها صديقتها خديجة المكوث معها في بيت والديها و هي فرصة تستطيع معها ربح الوقت و مراجعة دروسها مساء و ترتاح من مشقة التنقل، و كذلك مساعدة صديقتها خديجة في مهمتها التي تبدو صعبة لوجود عائق و هو فقدان البصر.
فمنذ أن قطنتا معا بدأت علاقتهما تتوطد بل أصبحتا شخصا واحدا بسبب وجودهما في كل مكان معا، فرحتا معا أسرة شيماء و أسرة خديجة بهذه الصداقة التي جمعت بين بنتيهما، و بسبب هذه العلاقة ظهر تفوقهما من خلال مشاركتهما في النقاشات التي كانت تفتح في قاعات و مدرجات الجامعة، و كانتا معا ترتادان مكتبة الجامعة مما سهل عليهما التفوق و ربح الوقت، و مضت السنوات اتباعاً و هما على ذلك الحال، و كم كان صعبا فراقهما في فترة العطل، فكانت سلوتهما هي مكالمات مطولة ليل نهار.
مما كان يخفف عنهما ألم البعاد، علاقتهما كان ملؤها الحب الصادق و البذل في العطاء بدون حساب، فلم يكن يتخلل هذه العلاقة لا حساب و لا عتاب، و تشاء الأقدار أن تحصلا معا على شهادة الدكتوراه بامتياز في تخصصيهما، و كانت هذه العلاقة الفريدة حديث كل الطلبة بل مثالا قل نظيره.
فشيماء كانت تخبر معارفها و صديقاتها و كل من تعرف بأن خديجة هي توأم روحها ، كما كانت تحب أن تناديها بهذا اللقب بل كانت بمثابة أختها التي لم تلدها أمها.
منحتها العطف و الحنان الأخوي و الأمن و الاستقرار و فرصة التفوق عندما إحتضنتها و فتحت لها بيتها و شاركتها غرفتها و منحتها مفاتيح البيت تأتي متى شاءت و تلج الدار دون إذن بل إذنها معها منذ ان وطأت قدميها ذلك البيت.
و كذلك كانت خير موجه و مرشد لها عندما تضيق بها الأرض… و نفس الخطاب كانت تقوله خديجة لمعارفها و صديقاتها و كل من تعرف بأن شيماء هي توأم روحها وجدت فيها خصالا يصعب تعدادها بحيث كانت عينيها التي طلت بهما على العالم بكل تلاوينه.
عالم المعرفة بحيث كانت شيماء لا يرتاح لها بال حتى تتم خديجة ما تشتغل عليه من بحوث، و قراءة ما تطلبه منها دون كلل و لا ملل، و كانت تصحبها للمعارض و المنتزهات و حضور المناقشات التي يعلن عنها في الجامعة..
و هي تعدد خصال صديقتها شيماء لم تتمالك نفسها حتى بكت و بحرقة و بدموع مسترسلة لسبب ليس بالبسيط و هو أن العمل بعد التخرج باعد بينهما المسافات و كذلك الزواج حيث تزوجتا معا في وقت متقارب..”
و كانتا ترددان نفس المقولات لشدة التصاقهما الواحدة بالأخرى لسنوات ليست باليسيرة “هو قدرنا الجميل و الله قادر على جمعنا في قريب الآجال كما جمعنا في البداية من غير ميعاد، قادر على أن يجمعنا ثانية”.