في إطار مواكبة تحالف المنظمات غير الحكومية لقضية اختطاف المرأة الصحراوية محمودة احميدة سعيد من أمام مقر الكتابة العامة لتنظيم البوليساريو بالرابوني، بمخيمات تندوف، والتحديات التي يواجهها الأشخاص القاطنين بتلك المخيمات.
إرتئ تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، تجديد التواصل مع الرأي العام المحلي والوطني والدولي بخصوص هذا الانتهاك، وتوضيح السياقات والملابسات التي جعلت تنظيم البوليساريو يلجأ الى تلك الممارسات القمعية، بشكل ممنهج دون احترام لمقتضيات القانون الدولي وفي حل من أي التزام اتجاه الصحراويين المتواجدين قسريا على التراب الجزائري لمدة فاقت الخمس عقود.
يواجه تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية بمعية مختلف مكونات الفضاء المدني بمنطقة شمال إفريقيا تحديات بخصوص المساهمة في حماية وتعزيز حقوق الإنسان، وتحري الحقيقة وتوثيق الأحداث والانتهاكات والترافع بشأنها، ولذلك إرتئ تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان، انطلاقا من التواصل الواعي مع المؤسسات والمنصات الإعلامية الإخبارية والتحليلية لبسط الصورة كاملة عما يقع بالاقاليم الجنوبية للمملكة المغربية ومخيمات تندوف في ارتباط باحترام وتعزيز الحقوق والحريات.
واتفقت هيأة تنسيق تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، على إطلاق برنامج تحت إسم “مرايا”، تبسط من خلاله مكونات التحالف مختلف القضايا الحقوقية من زاوية تحليلية واستقراء للسياقات وتقديم توصيات داعمة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان بالمنطقة.
وتتناول حلقة البرنامج الأولى حادثة اختطاف المرأة الصحراوية “محمودة احميدة سعيد”، والظروف والملابسات المحيطة بهذا الانتهاك الجسيم.
قضية الحلقة الأولى تتعلق باختطاف إمرأة صحراوية، تمردت على كل الخطوط الحمراء التي وضعتها البوليساريو لإبقاء الصحراويين رهن الاحتجاز في بيئة رافضة للعيش الكريم والتمتع بالحقوق.
إمرأة قررت بإرادة فردية، التخلي عن فتات المساعدات المنهوبة منذ إنشاء المخيمات وانتهاج أسلوب الاعتماد على النفس، لتحقيق الاكتفاء الذاتي لأفراد عائلتها وابتكار أساليب جديدة للصمود في سياق يكتنفه الغموض حول مستقبل الالاف من الصحراويين، الذين يخضعون لسلطة تنظيم عسكري غير دولتي، يرهن أحلامهم وتطلعاتهم لعقود من أجل ضمان استمراريته وانتفاع مسؤوليه من كنز المساعدات الإنسانية الموجهة المخيمات، وكذا تنفيذا لأجندات إقليمية بمنطق التعاقد من الباطن.
إمتهنت السيدة محمودة احميدة سعيد التجارة المعاشية لما يربو عن ثلاثة عقود، واستطاعت تطوير تجارتها عبر فتح محلات تجارية، كان من سوء طالعها ان أصبحت تجارتها محل أطماع مقربين من مسؤولين نافذين في جهاز البوليساريو التنفيذي.
تحوز السيدة محمودة احميدة سعيد ملكية محل تجاري محاذي لادارة داخلية البوليساريو منذ عقدين من الزمن، تبتاع فيه مواد غذائية وتمارس أنشطة تجارية أخرى في فضاء المخيمات، دون إثارة مشاكل مع أي جهة تذكر، وتحوز تقدير غالبية ساكنة المخيمات لصبرها وجلدها في تربية أبنائها وجلب موارد مالية واقتصادية لعائلتها تكفيها لسد حاجياتها أمام سياسات التفقير التي تنتهجها قيادة البوليساريو في حق الصحراويين بالمخيمات.
تتوفر السيدة محمودة على شهادات شهود كثر تثبت حيازة هذا الملك محل النزاع، وقد شكلت لجنة تحقيق صورية لحل المشكل، وبعد ضغوط كثير ة على الضحية بضرورة التنازل جزئيا عن مطالبها، توصلت مع الطرف الاخر المدعوم من قبل مسؤول نافذ بالبوليساريو على تكسير أجزاء من البناء الذي يمتلكه الطرفان، وأمام وفاء السيدة محمودة بما التزم به الطرفان، تخلف الطرف الاخر عن التزامه وامتنع عن هدم الجزء المخالف للاتفاق، ليظل محل السيدة محمود احميدة التجاري شبه مغلق امام الزبائن والمتبضعين بفعل تعنت الطرف الاخر ورامتناعه عن هدم الحائط الذي يحجب الولوج عن محل الضحية.
لم تشأ السيدة محمودة احميدة سعيد التنازل عن حقها رغم علمها بما ينتظرها من تضييق وقمع جراء مطالبتها بحقوقها ورفع الظلم عنها، بل صدحت بصوتها عاليا بما تتعرض له من قمع وتضييق من طرف أشخاص مدعومين من قيادات بجهاز البوليساريو.
قام مقرب من مسؤول نافذ بنباء نوفذ كبيرة مطلة على محلها التجاري، منع الولوج له، وبعد ذلك دبروا عملية إحراق لمتجرها، مما. تسبب لها في خسائر مادية وإرهاب نفسي لها ولعائلتها خشية تعرض سلامتهم الجسدية للخطر، غيرأن إصرارها على نيل حقوقها جعلها تحتج أمام مقر أمانة البوليساريو بالرابوني للتحسيس بقضيتها، غير أن سياسة الاذان الصماء وتغليب الزبونية ومنطق القرابة والتحكم وتضييق هامش الحقوق والحريات، داس على وجوب إحقاق الحق وإنصاف المتظلمين، لتتفرد عبقرية البوليساريو النضالية بعملية اختطاف واضح المعالم للصحراوية محمودة احميدة سعيد من امام مقرها الرسمي الى مكان ما زلنا نجهله الى حدود الساعة، رغم إدعاءات تفتقر لسند بإدخالها لمركز احتجاز غير نظامي يدعى “اذهيبية”، وكان ولا يزال مخصصا لارتكاب انتهاكات جسيمة تتراوح ما بين القتل خارج نطاق القانون والتعذيب والاختفاء القسري والأفعال المهينة والحاطة من الكرامة.
وقد أصدر تحالف المنظمات غير الحكومية المكون من منظمة أفريكا ووتش ومنظمة مدافعون من أجل حقوق الإنسان والشبكة، بيانا موضحا لحيثيات الحادثة، وأطلق نداءا عاجلا لاليات الأمم المتحدة من اجل الضغط على الدولة الحاضنة لمخيمات تندوف، بغية إطلاق سراح غير مشروط للمختطفة محمودة، وتوجيه دعوة مفتوحة الى جميع مكونات الفضاء المدني بشمال إفريقيا على وجه الخصوص لإطلاق مبادرات وحملات مناصرة للسيدة محمودة احميدة سعيد، من أجل معرفة وتحديد مكان احتجازها وإطلاق سراحها الفوري وتوفير ضمانات بجبر ضررها وتعويضها عما لحقها من قمع وتضييق وحرق للممتلكات.
قدمت مكونات تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية معلومات مفصلة لآليات الأمم المتحدة التعاهدية، بمناسبة فحص تقارير المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية امام لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، تبرز فيها حالة حقوق الإنسان بمخيمات تندوف والانتهاكات المرتكبة والمسؤوليات والالتزامات الدولية التي تقع على السلطات الجزائرية في علاقة بحماية حقوق الأشخاص والجماعات المتواجدة على ترابها الوطني بما يشمل الصحراويين القاطنين بمخيمات تندوف جنوب غربي الجزائر.
أفرز هذا التفاعل المكثف مع خبراء الأمم المتحدة، فهما لما يقع داخل تلك المنطقة المغلقة في وجه هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والمنظمات الدولية، نتج عنه إصدار توصيات في علاقة بحث الدولة الحاضنة للمخيمات على وجوب حماية جميع الأشخاص المتواجدين على ترابها الوطني وتحت ولايتها القضائية والقانونية.
وحث السلطات الجزائرية على إلغاء تفويض اختصاصاتها والتزاماتها الدولية لحماية حقوق الإنسان بمخيمات تندوف الى تنظيم عسكري، لا يفي بأي تعهد إلزامي أو أخلاقي اتجاه الالاف من الأشخاص المتواجدين بمخيمات، لا تخضع لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ولا يمتثل مسؤولوها لتشريعات الوطنية للدولة المضيفة للمخيمات.
هذا الوضع الشاذ وغير المقبول، ترك أثرا مدمرا على حياة قاطني مخيمات تندوف في علاقة بالتمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجعل منطقة تندوف سجنا مفتوحا لكل الأشخاص المتواجدين بالمخيمات، من الذين لا يحظون برضى مسؤولي البوليساريو.
وقد راسلت مكونات التحالف العديد من إجراءات مجلس حقوق الإنسان الخاصة، في ارتباط باختطاف واعتقال مدونين ونشطاء سياسيين معارضين للبوليساريو سنة 2018 و2019 و2020، وتفاعل مع ولاية مستشار الأمين العام للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان، والذي يصدر تقريرا سنويا حول المضايقات التي يتعرض لها الأشخاص المتعاونين مع الأمم المتحدة، وولاية المقرر الخاص المعني بتحقيق العدالة والجبر وضمانات عدم التكرار وولاية المقررة الخاصة المعنية بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان بمناسبة زيارتها لدولة الجزائر في دجنبر الماضي.
وأعدد التحالف مذكرات وتقارير تقاسم مضامينها مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة زيارته للمنطقة وكذا مسؤولي الخارجية الامريكية، لتسليط الضوء أكثر حول حقيقة الوضع بالمخيمات وحالة الحقوق والحريات بها في ارتباط بمسؤوليات والتزامات دولة الجزائر، كفاعل حكومي يحتضن تلك المخيمات، بالمخالفة لمقتضيات القانون الدولي ذات الصلة، لاسيما المنع المستمر لساكنة المخيمات من الإحصاء عبر الية الحوار الفردي لتحديد حاجيات قاطني المخيمات الإنسانية والتمويلية وكذا في القضايا المتعلقة بدعم الحق في التعليم والصحة وغيرها من الحقوق الداعمة لحق هؤلاء الأشخاص في العيش الكريم.
وتأسيسا على ما سبق، قام التحالف بتحركات واسعة الناطقة ضمن ديناميات محلية ووطنية وإقليمية بالتحسيس بالانتهاكات الجسيمة المركبة، التي يتعرض لها الصحراويون بالمخيمات من مثل القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد من قبل وحدات للجيش الجزائري لشبان صحراويين بمحيط المخيمات، دون ارتكابهم أي أفعال يمكن أن تؤثر على الأمن الوطني الجزائري، بل وازدادت تلك الانتهاكات وحشية بارتكاب عناصر من الجيش الجزائري لجريمة حرق شبان أحياء في ابار محلية للبحث عن الذهب، بالقرب من المخيمات، دون أن يفتح أي بحث قضائي من قبائل السلطات الجزائرية أو من قبل مسؤولي البوليساريو أو تنديد وشجب من طرف تنظيمات البوليساريو الموازية.
فما حدث الأسبوع الماضي، يثبت بما لا يدع مجالا للشك، أننا بصدد عملية قمع وتضييق على امرأة لم تخضع لأساليب الإذلال والخنوع لتنظيم لا يرى من سبيل لاستمراريته سوى تركيع الأشخاص الخاضعين لسلطته، وجعلهم أرقاما إحصائية يتم التسول بها لهيئات ومانحين دوليين قصد المزيد من التربح وتحقيق المصالح الشخصية للمتحكمين في المخيمات.
وتحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، بتنسيق من الدكتورة مينة لغزال، رئيسة منظمة مدافعون عن حقوق الإنسان، تفاعل بشكل سريع مع عملية الاختطاف البئيسة التي وقعت ضحيتها السيدة محمودة احميدة سعيد، والتي تتوخى إسكات صوتها الذي يأبى الإذعان لتلك السياسات العمياء، لكيلا يتمدد الشعور بالرفض لتدخلات البوليساريو القمعية ضد قاطني المخيمات.
ولن يأل تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية جهدا من أجل تسليط المزيد من الأضواء على هذه الجريمة النكراء التي تضرب في العمق أسطورة تمجيد المرأة الصحراوية بالمخيمات، ومنحها دورا رياديا في دواليب التنظيم، وانكشاف نوايا التنظيم في استغلال هشاشة تلك الفئة لتحييدها عن الفعل الاحتجاجي والمد الجماهيري الرافض لأطروحات البوليساريو وممارساته المشينة، لا سيما المتعلقة بقتل وتعذيب وإساءة معاملة المعارضين وكذا السماح ومشاركة أجهزة الأمن العسكري الجزائري في تشديد القبضة الأمنية على المخيمات، خوفا من مغبة خروج الأوضاع عن السيطرة وفضح العديد من الانتهاكات والملفات وبروزها الى العلن، والتي ما زالت طي الكتمان، تغرق تنظيم البوليساريو في وحل التنكيل والقمع الممنهج لألاف الأشخاص الذين يفترض انهم قاعدة لأسطوانة ترددها بشأن التمثيل الشرعي والوحيد للصحراويين.
وليس من قبيل إفشاء السر، التصريح بدخول هيأة تنسيق التحالف في لقاءات تواصلية مع العديد من خبراء الأمم المتحدة والاليات وكذا ممثلي المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان للتحسيس بمحنة السيدة محمودة احميدة سعيد، ومسؤولية تنظيم البوليساريو والسلطات الجزائرية عن سلامتها، والضغط من أجل تحديد مكان احتجازها تعسفيا وإطلاق سراحها بشكل فوري وضمان جبر ضررها وتعويضها عما قاسته جراء قرارات ظالمة تحكمها المصلحة الشخصية والنظرة التحكمية لقاطني المخيمات.
وفتح نقاش عام متعدد الأطراف، تقوده مكونات المجتمع المدني بالمنطقة حول وضع مخيمات تندوف القانوني والضمانات الواجب توفرها لحماية الأشخاص من الانتهاكات وكذا سبل الانتصاف الوطنية والدولية الواجب الوفاء بها من قبل الدولة الحاضنة للمخيمات، تعزيزا للحقوق والحريات، وتقوية للوفاء بالتزامات الجزائر الدولية بموجب القانون الدولي، الذي تعتبر طرفها في العديد من اتفاقياته الأساسية لحقوق الإنسان.
2 تعليقات