طلبت الأميرة سالمة ذات يوم من جواريها وخدمها أن يعدّوا لها زورقا صغيرا وخفيفا لتستحم بمناسبة العام الجديد. فأعد هؤلاء الزورق واستقلته الأميرة العاشقة واندفعت به إلى البحر حتى وصلت إلى السفينة الإنجليزية.
فأنزل لها القبطان السلم في الحال ورفعت السفينة مرساها فورا وكان القبطان على علم بخطة هروبها إذ أنها أخبرته في رسالة سالفة بالخطة التي دبرتها للهروب بسبب علاقتها مع عشيقها. ولما رأتها الجواري صاعدة إلى السفينة حسبتها قد اختطفت فصرخن ولكن السفينة قد اقلعت بعيدا، وحينا وصلت إلى عدن نزلت عن متنها الأميرة سالمة وبقيت مدة من الوقت تنتظر حبيب العمر الذي هربت من أجله ومعه بعد التمّ الشمل في عدن.
كان اللقاء في تلك المدينة اليمنية عذبا ومليئا بنشوة اللقيا وهناء الوصل فأغمضت الأميرة عينيها وشدّت الرحال مع عشيقها على متن الباخرة الإنجليزية “هاي كلاير” إلى حيث لا تدري، إلى حيث الحبّ وحيث اللاوطن!! أرستها السفنية في مدينة مارسليا مع عشيقها هاينرش رويته، التاجر الألماني الذي تزوجها بعد ذلك وأنجب منها طفلين.
كان ثمن حبها أن أُجبرت بدخول المسيحية قبل الاقتران، وما كان منها إلى أن تذعن لرغبة الأهل ورجال الدين. تمّت الزيجة ولكن لم يدم سعدها به طويلا فقد تُوفي زوجها الثري بعد قرابة السنة والنصف من الزواج ولم تستطع الحصول على الورثة العظيمة التي تركها وراءه، حيث حكمت المحكمة بعدم مقدرتها، لكونها امرأة وحيدة في ذاك الزمان الغابر، بأن ترثه.
أجادت إيميلي رويته اللغة الألمانية إلى درجه مدهشة فكانت تعبّر من خلالها عن حزنها الدفين وفقدها للوطن، الذي كان يتمثل لها في فقد أهلها ودينها الذي تركته صاغرة رغما عنها. خرج هذا الكتاب في مطلع القرن الماضي ونفذت الطبعة الأولى على الفور وجاءت الطبعة الجديدة بالمكتبات الألمانية قبيل أعوام، في سنة 2006 وبها توثيق لحياتها التي عاشتها ببلاط السلطان بزنزبار، وتدوين لدنياها التعيسة المتأرجحة بين الحب وفقدان الروح.
تجدها تكتب والدمع يتقطر بين الأسطر نادبة حظها العاثر حينا جارت الدنيا عليها فأصبحت مسيحية فقيرة دون رجل أو أهل يدفعون عن ضيمها ويضمدون جرحها الغائر. ماتت إيميلي رويته (سالمة) في عام 1924 ودفنت في مقابر المسيحيين بمدينة جينا بألمانيا الشرقية وتركت رسالة أخيرة على قبرها وكأنها تحدّث الأهل: “كل شيء يفنى إلا حبّ الوطن، فهو شعلة في القلب”.
كانت الأميرة سالمة هي آخر من مات من بين أبناء السلطان سعيد، ومن أولادها رودلف سعيد رويته، وقد عاش في إنجلترا وعمل محاضرا في الجامعة لمادة التاريخ واشتغل بالتأليف وبخاصة في تاريخ عمان وفيما يتعلق بسيرة جده السلطان سعيد وقد جاء إلى زنزبار في مارس 1930 ليرى أهله ومن بقي منهم من بني العرب وليقف على ورثة أمه الضائعة وذكريات لا تعاد. إنها دون أدنى شك مذكرات جديرة بالقراءة (بالإنجليزية أو الألمانية)!
رائع جدا يا دكتور محمد بدوي