يحاول نظام الثكنات كعادته ممارسة سياسة التمويه على الشعب الجزائري ليشغله في أزمات يفتعلها خصيصا لأخذ عامة الناس إلى مربعات لعلها تحجب الرؤيا عن الفشل الذريع الذي يراكمه النظام في شتى المجالات.
وما نعاينه اليوم من توالي الانتكاسات عليه قد يعبر عن سياسات الارتجال والترقيع تمليها اللحظة القائمة بسبب الارتباك الذي يوجد عليه أولئك الأوصياء والمتحكمون في رقاب الشعب الجزائري الشقيق.
وكذلك الحال كما هو عليه اليوم حكام الجزائر، لقد تعمدوا أن يجعلوا من مباراة لكرة القدم حدثا مفصليا بعد أن نفخوا فيه على قدر ما استطاعوا لمناكفة المغرب واستفزازه واحتجزوا فريقا بكامله وهو نهضة بركان لشد انتباه الجزائريين إلى هذا الحدث الذي اشتغلوا عليه تزامنا مع الحدث التاريخي الذي طالما أرق رجالات النظام ويتعلق الأمر بإعلان ميلاد دولة القبايل في نيويورك وبترخيص أمريكي.
ومن باب خشية ما كان يتوجسه ذلك النظام من تداعيات داخلية لإعلان نيويورك أسقط حكام الجزائر أنفسهم في المحذور وتلقوا الصفعة الأولى على خدهم الأيمن والثانية على الأيسر وتقطعت بهم السبل ما بين كيفية الخروج من الفخ الذي نصبوه لأنفسهم مع أقمصة فريق نهضة بركان التي تحمل خريطة المغرب وما بين الحيلولة دون وصول أصداء إعلان ميلاد دولة القبايل. فلا هذا الغراب استطاع أن يقلد مشية الحمامة ولا هو عاد إلى أصل مشيته، وبدأ ّيرفص و”يحنقز”، فتحولت الفضيحة إلى فضيحتين.
1 – ففي علاقته مع فضيحة فريق نهضة بركان أراد النظام الجزائري أن يصطاد في المياه المغربية ظنا منه أنها مياه عكرة فإذا بطحاليب تلك المياه أخذته وايتلعته إلى العمق وبات في حيرة من أمره من تلك الورطة التي لم يعد له فيها طوق نجاة أو يحفظ لنفسه خط الرجعة. لقد رفع السقف عاليا وركب عناده بالإصرار على إزالة خريطة المغرب من الأقمصة الرياضية لنادي نهضة بركان ولم يحسب الحساب لموقف الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم الذي جاء مؤازرا ومساندا للمغرب.
ووضع حكام الجزائر أنفسهم أمام خياران عرضته عليهم “الكاف” أحلاهما مر كالعلقم إما أن يتراجعوا ويسلموا الأقمصة إلى النادي المغربي كما هي ويواجهوا هذا الفريق بشعار يشير إلى الوحدة الترابية للمملكة من طنجة إلى لكويرة، أو يمتنعوا عن ذلك وعندئذ سيتعرضون لعقوبة أقلها تسجيل انتصار لفائدة فريق النهضة البركانية وهو ما يعرف بانتصار القلم.
هذه الواقعة وغيرها كثير تكشف عن التخبط والتهور اللذان يتملكان رجالات النظام الجزائري ويوقعانه في تناقضات صارخة باتت مكشوفة عند الجميع. من ذلك أن هذا النظام يدعي في المحافل الدولية وفي لقاءاته مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة “دي ميستورا” أنه غير معني بالمشاركة في الموائد المستديرة بحجة أنه ليس طرفا في هذا الصراع الذي افتعله أصلا ويفتعل سيناريوهاته الجارية والحال أنه في مختلف أوحالها يتمرغ.
الأبواق الإعلامية التي تترنح كعادتها على إيقاع معزوفة النظام لا تتردد هي الأخرى في رفع السقف عاليا ولا تمهل لنفسها خط الرجعة. فالحملة التي انخرط فيها الإعلام الجزائري ضد فريق نهضة بركان الغرض منها إيهام الرأي العام الداخلي بأن قميص النادي المغربي تشكل استفزازا لكل الجزائريين بسبب وجود خريطة مغربية في تلك القمصان الرياضية.
لكن في واقع الأمر أن ما تحاول تلك الأبواق من أن تصوره لعامة الناس بأنه استفزاز لمشاعرهم فهو لا يمت بصلة لتلك الحملة المغرضة ولا لتلك الادعاءات الكاذبة والمضللة، وليعلم الأشقاء في الجزائر أن عدوهم الحقيقي يعيشون تحت بطانته وأن معاناتهم ليست خريطة يحملها هذا النادي أو ذاك ومن يحاول أن يبني سياسته على هذا الأساس ويختزل المعضلات الكبرى للجزائر في صراع مع منتخبات وفرق رياضية فهو يستخف بعقول الجزائريين ويحاول أن يجرهم للتفاهات وبالتالي إبعادهم عن مشاكلهم الحقيقية التي يعانون منها في معيشهم اليومي.
مشكلتكم أيها الجزائريون ليست مع فريق نهضة بركان، مشكلتكم مع أولئك الذين يهربون أموالكم وثرواتكم إلى الخارج، مشكلتكم مع من يحرمكم من المال العام وينفقه في سبيل عصابات إرهابية وانفصالية لإنشاء كيانات وهمية نكاية في المغرب وفي دول الساحل.
نظامكم يحاول أن يتستر عن الإخفاقات التي راكمها على مدى نصف قرن، لقد فشل فشلا ذريعا في المعارك الحقيقية على مستوى المحافل الدبلوماسية ولم يبق أمامه إلا أن يستغيث بكرة القدم لأنها رياضة شعبية ويرى فيها آخر ما يمكن أن يلعبه من أوراق في معركة خسر فيها كل شيء.
2 – سؤال يجب أن ينتبه إليه الشعب الجزائري الشقيق وهو أنه لماذا عمد النظام الجزائري أن يثير كل هذه الزوبعة حول فريق نهضة بركان وأقام الدنيا ولا يريد أن يقعدها. الجواب عن ذلك السؤال يجد تفسيره بكل بساطة وهو أن رجالات ذلك النظام كانوا على درجة كبيرة من التوجس من الإعلان الرسمي عن ميلاد دولة القبايل وضرب موعد لذلك يوم 20 أبريل المنصرم.
ولكي لا يجد ذلك الإعلان صداه داخل الجزائر ويربك حسابات جنرالات النظام، استغل هذا الأخير وصول بعثة نادي نهضة بركان وقام باعتقال عناصر الفريق المغربي في مطار هواري بومدين يوم 19 أبريل ليخلق من لا شيء حدثا بارزا يفجر من خلاله أزمة مع المغرب لكي تغطي تلك الأزمة المفتعلة على الحدث الذي طالما شكل كابوسا للنظام الجزائري وهو الإعلان عن دولة القبايل أمام مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
وإن كان هذا النظام يعتقد أن إعلان نيويورك يبدأ وينتهي مفعوله في يوم 20 أبريل وعلى أساسه افتعل أزمته مع نادي نهضة بركان، فهذا النظام واهم لأن اليوم الرسمي للإعلان عن دولة القبايل ما هو إلا انطلاقة لمسلسل من المعارك السياسية والدبلوماسية التي ستفتح أبواب جهنم على النظام الجزائري.
فكيفما تدين تدان، والله يمهل ولا يهمل، فالمغرب لم يقف من وراء إنشاء أو رعاية عصابة ضدا في الجزائر كما فعل نظام هذا البلد مع عصابة البوليساريو. التفاعلات الداخلية في كيان غير طبيعي فاقد للحمة بسبب غياب الديمقراطية هو الذي سيكون السبب في تمزيقه وبلقنته.
فما بني على باطل فهو باطل ومن كان كيانه يستمد وجوده أصلا من مكرمات أغدقها عليه المستعمر فإن ذلك الكيان سيكون غير متجانس ولن يتوفر على عناصر تؤمن له الديمومة كما هو متعرف عليه عند الأمم العريقة الضاربة في القدم.
المغرب بلد أصيل وينأى بنفسه أن يلعب لعبة الأنظمة المارقة، والمغرب على قيمه ومبادئه لن يشمت في أي كان لكن للسيرورة التاريخية أحكامها. فبقاء الدول أو زوالها مرهون بما فيها من تناغم أو تنافر في البنية والتركيبة. وبنية بعض الدول لا تحمل على التفاؤل وإن أتينا على ذكر الجزائر كنموذج فلسنا فيها من الشامتين. ولله في خلقه شؤون ولن تجد لسنة الله بديلا.
اليوم صحوة يعلنها أهل القبايل ومن يدري عن توالي صحوات أخرى في كيان ترامت أطرافه أكثر مما هو قادر على لملمتها مع غياب عقيدة لم يجد لها نظامها رواسي قائمة على قيم الوحدة والتضامن. فهل النظام الجزائري كما كان يدعي مستعد للقبول بذات المبدإ وهو تقرير المصير الذي طالما تظاهر بالتمسك به في معاكسة المصالح الاستراتيجية للمغرب، أم أن لهذا النظام قراءة أخرى لمبدإ ليس من حق شعب القبايل أن يمارسه.
حق يعترف له التاريخ بذلك باعتباره أقدم شعوب المنطقة وله أنظمته وقواعده الخاصة في الإدارة والحكم وممارسة السلطة بناء على قيم من العدالة والحرية والمساواة والسلم والاعتراف بحقوق الآخر بدليل أن رسالة الرئيس فرحات مهني في يوم الإعلان كانت رسالة حضارية قائمة على انتزاع الحقوق بالسلم والسلام بعيدا كل البعد عن أدوات الإرهاب والترهيب كما فعلت وتفعل بعض الأنظمة مع الإرهابيين من جماعة الانفصاليين.
أشهر وسنوات عجاف تنتظر هذا النظام الجزائري لمواجهة وقائع وحقائق تاريخية لا يطالها الباطل ولا مجال فيها لتغليط الشعوب بسياسات الكذب والبهتان، كرة القدم هي رياضة للترفيه ومن يريد أن يقحمها في غير ذلك فهو يعزل نفسه ويغالطها قبل أن يغالط غيره.