آراءتقاريرسياسة

على هامش استهداف سفارة طهران في دمشق.. بين الميديا والكو-ميديا رأفة بالمتلقّي

المعركة في فصولها المهمة هي بين واشنطن وطهران وهي تخضع لقواعد تفوق المتوقّع وهي بالغة الحساسية تجعل هذا النوع من الحروب يصعب على المحاور العربية استيعابه

لازالت الحقائق تترنّح بين ميديا الحرب الذّهنية والوقائع الخارجية. بما أنّ ميديا الحرب تستهدف الوعي بالحدث، فهي غير معنية بحقيقة الحدث.

ليس فقط الاحتلال وحده يأخذ بهذه العقيدة منذ منح هيرتزل الأولوية للقوة على حساب الحقيقة، بل هذا ديدن وسائل الإعلام التي شهدت تحوّلا مهمّا على صعيد المهنية، التي تعني اليوم كيف تلتفّ على الوقائع بمهنية، كيف تكذب بمهنية.

ما يجري في الشرق الأوسط وغرب آسيا هو نسق من الأحداث، لها عِللُها التي غالبا ما يجهلها أو يتجاهلها الإعلام، في هذا التقليد المُخاتل لمراكز أبحاث ومؤسسات ميديا غالبا ما تتحوّل إلى كو-ميديا.

إنّها الحرب على الحقيقة والوعي التي تواطأ عليها المُخاطِب وأيضا المتلقّي الذي بات يأنس بهذا العَلَف الكو-ميديائي ويتوقّعه. إنّ الهدف من جعل التغليط وجهة نظر بمهنية تقنية وسوء تدبير منطقي، هو استنزاف مفرط في حرب الحقائق وذُهان المُلاوغة. هناك فرق بين التحليل السياسي والتهريج، بين المهنية والارتزاق الوظيفي.

ما يجري في الشرق الأوسط وغرب آسيا في الواقع هو أكبر مما يجري في مدارك الوسائط التي عبّرت عن بؤس مُعطياتها وهُزال أدواتها، منذ استندت إلى تمنّيات مركوزة في سيكولوجيا الإعلام المقهور، بها يقوم استشرافها الملتبس للوقائع.

في العلاقة المتوتّرة بين واشنطن وطهران، لا يمكن دراستها في ضوء مبادئ التحليل الجامدة. ثمة تطور جاوز المراحل التقليدية، التي ازدهرت فيها القراءات التسطيحية للمشهد، حيث يكفي أنّ كلّ استشرافات المراقبين الأيديولوجيين خلال ثمانينيات القرن الماضي باءت بالفشل.

فما فائدة تكرار النّمط نفسه من التحليل ومن المعطيات الكلاسيكية للنزاع؟ لقد أخضع الذهن لحقائق ذُهانية، حتى تشكلت ملكة جماعية نتج عنها هدر عام للمعقول والمفهوم. إنّ أكثر الوقائع التي نجهلها، هي ما يجري على مسرح الأحداث في هذا المجال الإقليمي.

هذه المقدمة التي نجدنا مضطرين للتذكير بها، على الرغم من أنّ ما كنا نتوقعه منذ الثمانينات هو ما وقع، وما توقعه الكثير من المراقبين الذين لم يراقبوا شيئا، لم يحدث منه أمر قط، ومع ذلك يُعاندون.

جوهر المشكلة بين واشنطن وإيران تتجاوز الملف النّووي. فالنزاع الاستراتيجي هو حول العلاقة بشروطها الشرق أوسطية التي تتجاوز العلاقة الثنائية، أي عودة طهران إلى النّسق التقليدي في حدوده الدنيا، أي الموقف من القضية الفلسطينية.

لا يأبه الغرب بأن تظفر طهران بحقوقها النووية مادامت باتت تملك هذه التقنية، بل وهم يدركون أنّ امتلاك السلاح النووي ليس مطلبا إيرانيا، بقدر ما يتعلق الأمر ببرنامج نووي لتطوير الصناعات الثقيلة. غير أنّ واشنطن لا زالت تضع في استراتيجيتها بأنّ طهران هي جزء من محور الشّر بلحاظ الموقف من تلك القضية، ما دامت لم تعد برزخا بين الشرق الأوسط والخليج وحزاما أمام انبعاث الهارتلاند، الذي يدق إسفينا في النظام العالمي القديم.

من جهة أخرى، تبنت الثورة الإسلامية في إيران القضية الفلسطينية وجعلت منها عقيد سياسية استراتيجية، وهو أمر لم يبدأ على إثر الزيارة التاريخية للفصائل الفلسطينية لطهران عشية انتصار الثورة الإسلامية في إيران فحسب، والذي بموجبه منحت سفارة إسرائيل للفلسطينيين، في سياق مفعم بالحماسة، بل الأمر يعود إلى سنوات قبل نجاح الثورة، حيث يكشف متحف العبرة بطهران، السجن الرهيب بجانب حديقة مشق الذي يعود بناؤه إلى عام 1932، بفضل مهندسين نازيين ألمان، أن معظم قيادات الثورة بمن فيهم القائد الأعلى، كانوا نشطاء في العمل الفلسطيني، ودخلوا السجون بسبب هذه القضية.

لا ننسى أنّ أول وزير دفاع في العهد الجديد بعد نجاح الثوة، هو الجنرال مصطفى شمران، الفدائي في صفوف حركة فتح.

ترتبط القضية الفلسطينية في إيران من جهة المصداق بالنظام الإيراني، بل هي من شروط ولاية الفقيه بالمصداق، لأنّه تلك الولاية مستندة إلى شرطين مقررين ضمن شروطها: العدل والشجاعة، صفتان مع انعدامهما يصح عزل الولي. ففي مقام التصديق فضلا عن التصور، أنّ القضية الفلسطينية بما أنها قضية عادلة، هي في بالمصداق غدت من شرائط ولاية الفقيه، وكذلك من حيث ما تقتضيه من شجاعة في الموقف، فهي شرط بالمصداق لتلك الولاية. إنّ تخلي الولي عن قضية عادلة أو الجبن في اتخاذ الموقف المناسب، هو بمثابة هدم النظام العام. هكذا يفهم الإيرانيون المسألة.

أمام موقفين، موقف واشنطن حيث تحتل إسرائيل مكانة استراتيجية في العقيدة السياسية الأمريكية، وموقف طهران حيث مكانة فلسطين موصولة بأسس النظام العام، أصبح الصراع يتجاوز التمنيات التي يحبل بها المشهد وتشوش على الرؤية.

وطبيعي أنّ في هذه المعركة الاستراتيجية، التي أصبحت معركة وجود، لا زال الرهان على تليين موقف طهران، حيث تعلم واشنطن بأنّ الطّارئ اليوم على معادلة الصراع، هو العنصر الإيراني الذي ساهم في أحداث التحول في صميم اللوجستيك والتدريب والعقيدة القتالية داخل ما يسمى بمحور المقاومة. وتلك الحقيقة تحاول بعض القوى إخفاءها عبثا.

ولم يشهد التاريخ منذ نبوخذ نصر موقفا إيرانيا كهذا. ولقد تمّ استعمال العوامل الطائفية كمحاولة لإخفاء أسباب النزاع، وهو أمر استطال أمره في المنطقة، ولكنه لم يغير من عناصر المعادلة.

فواشنطن ليست لديها مشكلة مع المذاهب والملل والنحل العقائدية، بقدر ما لديها مشكلة مع الموقف السياسي الاستراتيجي. كما أنّ تهييج المنطقة قوميا وطائفيا لم يغير من نتيجة الأمر شيئا.

فثمة من العرب من لم تشكل إيران لديهم عقدة مزمنة، بل جعلوا من إيران عمقا استراتيجيا، كما هو حال سوريا التي حصدت نتائج علاقات طبيعية مع إيران، وذلك بسبب تقييم وضع الخطاب السياسي الجديد، لأنهم أدركوا خطورة دور طهران في العهد السابق في حرب تشرين كرافد لإسرائيل بالنّفط.

كما أنّ إيران لم تشكل لتركيا عقدة مزمنة، بل طوروا علاقات تجارية وأيضا استراتيجية تقوم على ما اعتبره أوغلو في العمق الاستراتيجي بالاحتواء المزدوج.

واستمرت العلاقة مع دول عربية على تفاوت في مستوى العلاقات. هذا بينما احتفظت واشنطن وإسرائيل بعلاقات مميزة مع دول تُشارك إيران الثقافة والقومية والطائفة. ولازالت العلاقة بين طهران والرياض تطبخ على نار هادئة، بعد عودة العلاقات ومواصلة النقاش لمزيد من تطبيع العلاقة وإنهاء مرحلة من الحرب الباردة، تهيُّئا لحلول سياسية تخص ملفات إقليمية.

وقد كانت إيران مسرحا لوجود نشاطات ومراكز إسرائيلية مبكرة، بل تمتد العلاقة إلى ما قبل تأسيس الكيان، ففي 1873م، تأسست في العهد القاجاري جمعية أصدقاء إسرائيل، وفي 1944 تأسست الجمعية الصهيونية الإيرانية، وانتشر الأمر على هذا المنوال، حتى قال ضابط إسرائيلي أثناء زيارته لطهران يومئذ، بأنّ طهران باتت مدينة إسرائيلية خالصة.

بل لقد كانت هذه العلاقة تتجاوز العلاقات الثنائية، لتصبح علاقة ضد العرب، حيث في 1961 تم نقاش بين ابن غوريون في لقاء مع الإيرانيين حول قضية الانفصال بين سوريا ومصر. وحصلت صفقة مشهودة بين إسرائيل وطهران يومها، زودت بموجبها طهران تل أبيب بالنفط وفي المقابل زودت إسرائيل طهران بكل الأسلحة السوفياتية التي غنمتها من الحرب مع جمال عبد الناصر، حرب 67.

الغائب هنا في التحليل، هو وضع يهود إيران، وكيف ينظرون إلى هويتهم الفارسية باعتبارهم أكبر أقلية يهودية في الشرق الأوسط يحظون بكامل حقوقهم من مدارس ومعابد ومشافي وتمثيل برلماني. إنهم يعيشون ومن خلال تصريحاتهم الخاصة والعامة، أفضل وضع بالمقارنة مع وضعية أي طائفة دينية في العالم.

بل وكما سمعت من سيماك مر صدق ممثل اليهود في البرلمان الإيراني، عن قصة فتح المشافي اليهودية الخاصة، لعلاج المصابين أثناء الأحداث التي سبقت الثورة، وكيف أنّ الإمام الخميني أرسل رسالة شكر للجالية اليهودية على قيامها بمساعدة الجرحى إبان الثورة، حيث حمل تك الرسالة الشهيد بهشتي.

وسبق أن اصطحب الرئيس روحاني سيماك مر صدق إلى نيويورك أثناء انعقاد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة حسب ما جاء في صحيفة الغارديان. وهذا طبيعي، حيث في طقوس الطائفة الدينية الفارسية ترديد لتخليصهم من قبل كورش من الأسر البابلي، حيث تواجد الطائفة اليهودية في إيران منذ 700 سنة قبل الميلاد، ما يؤكد أنّهم عاشوا وضعا أفضل مما عاشوه في الغرب.

بل وحسب تصريح ممثل الطائفة في مجلس الشورى، بأن وضعهم قبل 2000 سنة كان صعبا بسبب موقف الزرادشت، وقد وقع تحول مع دخل الإسلام إلى فارس.

بل وعشية قيام الثورة حصلت مخاوف كثيرة واضطرت جموع منهم للهجرة تحت طائلة التشجيح من قبل جمعيات أجنبية، قبل أن تصدر فتوى قائد الثورة يومها بضرورة حماية الطائفة اليهودية في إيران. عجزت إسرائيل عن استعمال يهود إيران في هذه المعركة.

بل لقد احتجت الجالية اليهودية الإيرانية على جرائم الحرب في غزة معلنة عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني.

شهدت مدن كطهران وأصفهان وقفات احتجاجية للطائفة اليهودية، في كنيسة تاج داوود بأصفهان حيث اعتبر زعيم الطائفة اليهودية بأصفهان سليمان صادق بور، استهداف الصهاينة للفلسطينيين أمر مخجل.

واجتمع يهود إيران بطهران وشيراز وأصفهان ويزد وكرمنشاه، لإدانة المذبحة الوحشية كما جاء في البيان الصادر على اللقاء، مؤكدين على أنّ تصرفات هذا النظام تتعارض مع التعاليم اليهودية. وجاء في البيان: “إن دعم الدول الإمبريالية للكيان الصهيوني يجعلها شريكة في جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان، وهم مسؤولون عن جرائم القتل المرتكبة ضد الأبرياء”.

اليوم، يحتدم الصراع، بل اليوم تعيش المنطقة على أعصاب الاحتمال، بعد استهداف إسرائيل لمقر السفارة الإيرانية بدمشق، منتهكة اتفاقيتي فيينا 61 و63 بخصوص العلاقات الديبلوماسية والقنصلية، وكذلك خرق سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة تستقبل سفارة دولة عضوا في الهيئة الدولية على أراضيها. وكان ذلك من شأنه أن يهدد استقرار النظام العالمي، حيث استهداف سفارة هو استهداف للتراب الوطني للجهة المتضررة واستهداف للسيادة الوطنية للدولة المستقبلة.

وكانت موسكو قد سارعت إلى الدعوة إلى اجتماع مجلس الأمن بهدف الخروج بإدانة دولية لإسرائيل. أمام سابقة خطيرة كهذه، هناك الطرف الإيراني المعني بالثأر لهيبته ولقتلى السفارة ومنهم كبار المستشارين الأمنيين.

تعيش المنطقة على هذا القلق، لأنّ طهران وعدت بالرد، لكنها تحسب الرد بقواعد في التفكير الاستراتيجي خارج انفعالات المراقبين. ففي النقاش الذي يجري داخل إيران بخصوص “ما المطلوب؟” هناك اتفاق على أنّ الرد بات مطلبا ملحّا، لكنه ردّ ينبغي أن يكون موجعا. في المقابل ثمة إجراءات مشددة ترقبا لأي ضربة إيرانية قادمة.

استندت طهران إلى مسوغ قانوني على هامش اجتماع مجلس الأمن الذي تكمن أهميته في قيامه لا في مخرجات القرار، لتحتفظ لنفسها بحق الرّد.

إسرائيل التي تسعى للخروج من عنق الزجاجة، ونتنياهو الذي يحاول الذهاب بالأزمة إلى حرب إقليمية لاستدراج واشنطن إلى التدخل ولمزيد من استعطاف الغرب ومحو الصورة الهمجية للحرب على ساكنة غزّة، يدركون أنّ ضرب سفارة طهران وقتل قياديين داخل المبنى، مغامرة غير مضمونة العواقب.

في الوقت نفسه، تدرك إيران أن رد فعل سريع وتعميم الحرب سيخدم غرض نتنياهو ويزيد من معاناة الفلسطينيين، كما أنّ المنطقة ملغومة بتناقضات، حيث تدرك طهران أنّ حربا كهذه ستزيد الوضع انهيارا، لأن انضمام دول عربية لهذه المعركة سيجعل طهران في حرب مباشرة مع دول عربية.

أمام هذا الوضع المعقد، يصبح الخيار أبعد مدى. من يا ترى سيكون له الرأي الغالب، لا سيما وهناك صقور يفضلون الضربة الاستعجالية؟ فمن الناحية اللوجستيكية والجهوزية يمكن أن نتوقع من الجانب الإيراني ما هو أبعد مدى في هذه المعركة.

ثمة سوء فهم يدور حول فكرة المخاطرة. تقوم استراتيجية إسرائيل على العنف المفرط، المخاطرة التي تقوم على فكرة الصراع الذي لا ينتهي إلاّ بإذعان الطرف الآخر. إذا لم يتم استيعاب هذا المنظور للصراع، فلا حدود للمخاطرة. هل يا ترى تعادلت كل من تل أبيب وطهران في موقف المخاطرة؟

ترتكز فكرة المخاطرة لدى إسرائيل على وعي مسبق يجعل المخاطرة هنا زائفة، لأنها تقوم على استدراج واشنطن لحرب لم تعد مستعدة لدفع تكاليفها من الرصيد الجيوستراتيجي. ولكنها ماضية في المخاطرة أيضا بحلفائها الذين يعيشون على حافة الحرج الدولي.

وبالنسبة لطهران لا يمكن أن تخاطر لاستدراج الصيني والروسي والعربي لمعركة، إن هي حصلت، ستحرق الإقليم. غير أنّ هناك مؤشرات على أنّ تغييرا في قواعد الاشتباك بات ملحا، حيث ستعتمد طهران تمديد الأزمة الإسرائيلية وإدخال بعض العناصرة الجديدة في الصراع، هذا بينما ستستمر معركة التصفيات المفتوحة، وهذا ما يؤكد أنّ الوضع يزداد تأزما، ونتنياهو الذي يدرك أن لا أفق لحكومته على الأقل، يستعمل كل الأوراق الممكنة في معركة زادت من عزلة إسرائيل دوليا، وعنف الكابينت.

تحركت الماكنة الإعلامية لدى بعض المحاور للتشكيك في مدى جدية الصراع بين طهران وتل أبيب، لا سيما عشية اجتماع القاهرة والبحث عن مخرج تفاوضي بعد أن بلغ النزاع ذروته. هناك من يبحث عن دور إقليمي، حيث يستفيد من الدور الإيراني، دون الاعتراف له بوزنه في معادلة الصراع الإقليمي.

ولكن، هل يا ترى ستجد إسرائيل في مخرجات اجتماع القاهرة مهربا من تبعات ضربة إيرانية محتملة؟ وهل هناك من يحمل تصورا عن كيفية هذه الضربة؟ كل ما يمكن قوله، أنّ المعركة في تصاعد، وأنّ الطرف الأضعف في التصعيد هو الاحتلال، لأنّه يواجه شروط جيوستراتيجية جديدة بالقوة المفرطة، تلك القوة الكلاسيكية التي أصبحت عنوان عجز القوة نفسها بتعبير برتراند بادي.

وخلافا لبعض القراءات الخاطئة، فإنّ استهداف السفارة الإيرانية في دمشق لن يغير من الوضع، بل سيزيد من تعميق العلاقة مع دمشق التي اعتبرت ذلك استهدافا لسيادتها وترابها الوطني. حيث التحليل السياسي اختبار للنوايا والتمنيّات.

وجب التأكيد على أنّ المستهدفين في الهيئة الديبلوماسية هم مستشارون أمنيون، وهذا لا يمنح شرعية استهداف السفارة في بلد ذي سيادة. لكن إسرائيل تدرك أنّ هناك معادلة تُصنع على الأرض وإيران طرف فيها كبير، وهي عاجزة عن استهداف مخرجات هذه المعادلة في الميدان، كما يبدو أنّ الاحتلال لا زال يُراهن على إذعان الإيران عبر القوّة والمناورة.

المعركة في فصولها المهمة هي بين واشنطن وطهران، وهي تخضع لقواعد تفوق المتوقّع، وهي بالغة الحساسية، تجعل هذا النوع من الحروب يصعب على المحاور العربية استيعابه.

تدرك واشنطن بأنّها أمام أمر واقع لا رجعة فيه، وهي تتطلّع للتخلص من عبئ جيوستراتيجي كبير، ليس بدافع القناعات التقليدية لمنطق الحلفاء، بل بمنظار النظام العالمي الجديد القادم فوق الجمر، فهناك سباق مع الزّمن، زمن قيام النظام العالمي الجديد رسميّا، حيث في هذه المرحلة الانتقالية ستختلط أوراق كثيرة، لكنها لن تغير وجهة التّاريخ. ففي الأفق ستظهر توازنات ناتجة عن تشخيص وتقدير موضوعي للقوى، وبناء عليه ستُنسج سياسة المستقبل على أنقاض النظم العالمي والإقليمي القديم، وتنهار سرديات فقدت عناصر الإقناع.

يبدو أن النظام الدولي في حرج كبير أمام هذا التجاوز المفرط للأعراف والمواثيق الدولية والقانون الدولي، كل شيء تغيّر على مستوى قواعد الاشتباك والعلائق الدولية والإطار المعرفي للحرب.

https://anbaaexpress.ma/26fhs

إدريس هاني

باحث ومفكر مغربي، تنصب إهتماماته المعرفية في بحث قضايا الفكر العربي، أسئلة النهضة والإصلاح الديني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى