في الزمان والمكان المناسب، هكذا كنا نسمع في تعاليق و ردود بعض الأنظمة العربية على أي عدوان للكيان الصهيوني على تلك الدول العربية داخل أراضيها، مع ما يترتب عليه ذلك العدوان من المس بكرامة تلك الدول.
من حيث المبدأ و من حيث القانون، فحق الرد يدخل في إطار : العين بالعين و السن بالسن، و رد الاعتبار للدولة نفسها، من حيث القدرة على رد الصاع صاعين و القدرة على الدفاع عن النفس. و لهذا تأثير إيجابي على نفسية المواطنين بشكل كبير.
لكن الدول العربية اخلفت الموعد مع الزمان والمكان و لم تستطع أن ترد على أي عدوان صهيوني و لو لمرة واحدة.
والسؤال الذي يحير شباب الأمة العربية والإسلامية، هل عدم الرد نابع من عدم القدرة ام من عدم الرغبة في الرد، بالرغم من وجود الاستطاعة على ذلك، و كان لهذا كله آثارا على المستوى النفسي والاجتماعي، مما أدى إلى الشعور بالإحباط و العجز إلى حد التسليم بمرارة ذلك الأمر الواقع.
إن عربدات الكيان الصهيوني داخل المجال العربي من دون استثناء، دون رادع لها، جعلها تتحول إلى عنكبوت ينسج خيوطه السامة و القاتلة في كل مكان من هذا المجال المستباح دوليا.
في السابع من أكتوبر الماضي، استطاع فصيل سياسي مقاوم من أن يكسر المعادلة و يفتت خيوط ذلك العنكبوت، و يقدم على أكبر عملية اختراق و تمريغ أنف المحتل الصهيوني داخل الأراضي المحتلة، مع إلحاق الضرر المعنوي و الهزيمة النفسية بالكيان الصهيوني.
و الحق يقال و للتاريخ، إذا كان باستطاعة المقاومة الإسلامية داخل فلسطين، أن تقف ندا للعدو الصهيوني، بالرغم من تفاوت الإمكانيات من حيث العدة و العتاد و من غير اي دعم من النظام العربي والإسلامي و بالتواطؤ الواضح من الغرب و المنتظم الدولي، فلكل هذا معنى واحد هو أن الأمة العربية والإسلامية باستطاعتها أن تفعل الكثير من أجل القضية الفلسطينية و من أجل تحقيق التحرير و هزم العدو الصهيوني. لكن مع غياب الإرادة السياسية و هشاشة النظام العربي والإسلامي، تبقى الفاعلية ضعيفة.
قام الكيان الصهيوني بضرب السفارة الإيرانية بسوريا و قتل في هذا العدوان الصهيوني صفوة من أبناء الشعب الإيراني ،و لا يكمن نسيان شطحات الكيان الصهيوني داخل إيران نفسها، عبر اغتيال كبار علمائها و خارج إيران باغتيال قيادات الحرس الجمهوري و كان الإحتفاظ بحق الرد على ذلك من سياسات نظام الملالي في طهران.
لكن المستجد في العدوان الصهيوني على السفارة الإيرانية في دمشق، هو ما يجري في فلسطين المحتلة من أحداث جسام، و دخول الحرب على غزة شهرها السابع و البدء في مفاوضات مع المقاومة للدخول في هدنة طويلة مع المحتل الصهيوني و ما يترتب على ذلك من إجراءات لتبادل الأسرى والمعتقلين من كلا الجانبين.
في خضم كل هذا، جاء الرد الإيراني على العدوان الصهيوني، من باب رد الصاع صاعين، أولا لتحسين صورة النظام الإيراني داخليا و لإعطاء صورة على قدرة إيران على الرد في الزمان والمكان المناسب، على أي عدوان من أي جهة كانت، و هذه رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بخصوص موضوع الملف النووي.
جاء الرد، لكن دون أضرار مادية كبيرة أو حتى بشرية على الكيان الصهيوني. لكن الملفت للنظر هو تكاثف الدول السبعة الكبار بمساندة الكيان الصهيوني و العمل على صد الهجوم الإيراني الغير مسبوق من خلال تشغيل منظومات الدفاع الجوي، فوق المجال الجوي العربي المستباح.
كانت غرفة الكبار على أتم الاستعداد لمواجهة الضربة الإيرانية وحتى تبعاتها إن تطلب الأمر ذلك، لكن الرد الإيراني كان بدون فاعلية أو حتى أضرار تذكر تكسر معنويات و غطرسة العدو الصهيوني، بل ساهم ذلك الرد المحتشم من إخراج الكيان الصهيوني من عزلته بسبب عدوانه المستمر على قطاع غزة والضفة الغربية.
احتضان الغرب بصورة واضحة للكيان الصهيوني، مع الدعم الغير مشروط له عسكريا و ماديا و سياسيا ،ليس وليد اليوم فقد علمناه منذ وعد بلفور و إبان العدوان الثلاثي و في حرب 1967 و حتى في حرب اكتوبر 1973 و في تدخلاته المتوالية في المنطقة العربية لزعزعة استقرار المنطقة بكاملها، عبر خلق الفوضى الخلاقة ،تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية، هذه القضية التي توحد الشعوب العربية والإسلامية على قلب رجل واحد، و تجعل شباب الأمة على أهبة الاستعداد للتضحيات الجسام من أجل تحرير فلسطين و القدس .
وإذا كان بإمكان فصيل سياسي مقاوم أن يلحق الضرر و الهزيمة النفسية و المعنوية بالكيان الصهيوني و ان يضرب بقوة داخل الكيان الصهيوني، و أن يصمد كل هذا الصمود أمام هذا العدو الذي يفقد كل المقومات الأخلاقية في هذا الصراع، فإنه بإمكان الأمة العربية والإسلامية مجتمعة و هي التي تملك من القدرات ما يجعل الأعداء يضربون لها ألف حساب، أن تحقق التحرير و النصر، إذا ما توفرت الإرادة السياسية.
و قد يكون الرد الإيراني مجرد بروفا، لمن يستطيعون إعادة غزوة السابع من أكتوبر لتحقيق الفتح.