أفريقياالشرق الأوسطتقارير

الأمن المائي بمنطقة MENA.. الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

استراتيجيات استباقية في مواجهة «خطر» الخصاص وتفادي الأسوأ !!

عبدالعالي الطاهري

يُمثِّل موضوع الأمن المائي بالعالم العربي أهمية خاصة بالنظر لمحدودية المُتوَفَّر منها كمياه صالحة للشرب، وطبقاً للمؤشر الذي يفضي إلى أن أي بلد يقل فيه متوسط نصيب الفرد من المياه سنوياً عن 1000 – 2000 متر مكعب، يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية، وبناءً على ذلك فإن 13 بلداً عربياً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية، وهذه الندرة في المياه تتفاقم باستمرار بسبب زيادة معدلات النمو السكاني العالية.

إلى ذلك، يوضح تقرير البنك الدولي لسنة 1993 أنَّ متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد في الوطن العربي (مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض) سيصل إلى 667 مترا مكعبا في سنة 2025 بعدما كان 3430 مترا مكعبا في سنة 1960، أي بانخفاض بلغ نسبة 80%. أما معدل موارد المياه المتجددة سنوياً في المنطقة العربية فيبلغ حوالي 350 مليار مترًا مكعبًا، وتغطي نسبة 35% منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة.

إذ يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر الفرات 25 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مكعب، فيما تحصل الزراعة المروية على نصيب الأسد من موارد المياه في الوطن العربي، حيث تستحوذ في المتوسط على 88%، مقابل 6.9% للاستخدام المنزلي، و5.1% للقطاع الصناعي، وقد حدد معهد الموارد العالمية منطقة الشرق الأوسط بالمنطقة التي بلغ فيها عجز المياه درجة الأزمة، وأصبحت قضية سياسية بارزة، خاصة على امتداد أحواض الأنهار الدولية.

وقد غدا موضوع المياه مرشحاً لإشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط وفقاً لتحليل دوائر سياسية عالمية، خاصة أنَّ أغلب الأقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها. فإثيوبيا وتركيا وغينيا وإيران والسينغال وكينيا وأوغندا أيضاً، هي بلدان تتحكم بحوالي 60% من منابع الموارد المائية للوطن العربي، ويجري الحديث الآن حول ارتباط السلام في الشرق الأوسط بالمياه بعد اغتصاب إسرائيل لمعظم نصيب دول الطوق العربي من المياه.

كما أنَّ بعض الدول أخذت تتبنى اقتراحاً خطيراً للغاية يتمثل في محاولات إقناع المجتمع الدولـي بتطبيق اقتراح تسعير المياه، وبالتالي بيع المياه الدولية، ويقع على رأس هذه الدول تركيا وإسرائيل، والأخطر من ذلك تبنِّي بعض المنظمات الدولية (كالبنك الدولي ومنظمة الفاو) لتلك الاقتراحات، متناسين حقيقة الارتباط الوثيق بين الأمن المائي والأمن الغذائي من جهة، والأمن القومي العربي من جهة أخرى.

واقع المياه في الوطن العربي

تبقى مواجهة مخاطر الشُّح المتزايد في مصادر المياه في المنطقة العربية والمترافقة مع التزايد السكاني، والتي تتطلب مواجهتها بذل الجهود العربية المشتركة سياسياً واقتصادياً وعلمياً، من أجل تحديد الأولويات في توزيع الموارد المائية وترشيد استثمارها، بالإضافة إلى تنمية الوعي البيئي لمخاطر التلوث، وتطوير التقنيات المستخدمة والاعتماد على الأساليب التكنولوجية الحديثة في الري ومعالجة التصحر ومشروعات تكرير وتحلية المياه التي سوف تشهد المرحلة المقبلة تزايداً على استخدامها واستثمارها.

إذا كان الواقـع المائي في الوطن العربي يأخذ صفة « الأزمة »، حيث لا يتجاوز نصيبه من الإجمالي العالمي للأمطار 1.5% في المتوسط بينما تتعدى مساحته 10% من إجمالي يابسة العالم، فإنَّ واقع الحال في المشرق العربي يبدو أكثر تعقيداً، إذ لا يتعدى نصيبه 0.2 % من مجمل المياه المتاحة في العالم العربي، في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الاستهلاك بشكل كبير. فخلال الفترة 1980-1990 تضاعف الطلـب على المياه لأغراض الزراعة في دول مجلس التعاون الخليجي ثماني مرات، رغبة منها في تحقيق الاكتفاء الذاتي بالنسبة لبعض المواد الغذائية.

كما ازداد الاستهلاك المنزلي بمقدار ثلاثة أضعاف، خلال نفس الفترة، بسبب تحسن مستوى المعيشة.ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لأغلب دول المغرب العربي، التي تعاني أغلبها من توالي سنوات الجفاف وكذا الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وهو ما أثَّر سلبًا على الفرشة المائية وكذا على وفرة هذه المادة الحيوية (الماء)، الشيء الذي اضطر بعض هذه البلدان إلى اعتماد استراتيجيات استباقية، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر المغرب، الذي انتهج، منذ حوالي عقود، سياسة مائية وقائية تعتمد بناء السدود لمواجهة تبعات الجفاف ومعها آثار التغيرات المناخية علاوةً على النمو الديمغرافي المتسارع.

وأهمية موضوع المياه محلياً، بل وإقليمياً، تكمن في الواقع في صـلاته المباشرة بجهود التنمية بوجه عام، وبصلاته الوثيقة بالقطاع الزراعي بوجه خاص، والأكيد أنَّ سياسات الدعم الحكومي للقطاع الزراعي تعتبر أحد ابرز الأسباب المؤدية إلى مشاكل استنزاف المياه الجوفية، إلاَّ أنَّ تلك الصلات لا تتوقف عند ذلك الحد، بل تمتد لتطال موضوعات عدة، ربما انطوى كل منها على تحد كبير، من قبيل المنظومة البيئية والموارد الطبيعية وحتى عجز الميزانية العامة للدولة.

دراسة استشرافية

وفي دراسة عن مستقبل المياه في المنطقة العربية، توقعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، ظهور عجز مائي في المنطقة يقدر بحوالي 261 مليار م3 عام 2030، حيث قَدَّرت الدراسة الأمطار التي هطلت في الدول العربية بنحو 2238 مليار م3، يهطل منها 1488 مليار م3 بمعدل 300 ملم على مناطق تشكل 20% من مساحة الوطن العربي ونحو 406 بلايين م3 تهطل على مناطق أكثر جفافاً يتراوح معدل أمطارها بين 100 و300 ملم، بينما لا يتجاوز هذا المعدل 100 ملم في المناطق الأخرى.

وأوضحت الدراسة، التي نـاقشها في وقت سابق وزراء الزراعة والمياه العرب، أنَّ الوطن العربي يملك مخزوناً ضخماً من الموارد المائية غير المتجددة يعتبر احتياطاً استراتيجياً ويُستثمر منه حالياً حوالي 5%. كما تقدر كمية المياه المُعالَجة والمُحلَّاة بنحو 10.9 بلايين م3 سنوياً منها 4.5 بلايين م3 كمياه محلاة و6.4 بلايين م3 مياه صرف صحي وزراعي وصناعي.

أما بالنسبة للحاجات المائية المستقبلية فهي مرتبطة بمعدلات الزيادة السكانية في العالم العربي، التي أصبحت بين الأعلى في العالم، إذ من المتوقع أن تصل إلى 735 مليون نسمة عام 2030 مقابل 221 مليون نسمة عام 1991. ولتضييق الفجوة القائمة بين الموارد المائية المتاحة والحاجات المستقبلية، اقترحت الدراسة محورين للحل: يتمثل الأول في تنمية مصادر مائية جديدة واستثمار مصادر مائية جوفية ممثلة في أحواض دول عدة، أما الحل الثاني فيتمثل في ترشيد استخدامات المياه وحمايتها.

ومن ذلك يتضح أنَّ على الدول العربية أن تعطي موضوع تنمية الموارد المائية والمحافظة عليها الأولوية القصوى عند وضـع استراتيجيتها الأمنيـة، ويجب أن يكون موضوع «الأمن المائي» على رأس قائمة الأولويات، وذلك بسبب قلة الموارد المائية التقليدية، مما يستدعي العمل الجاد على المحافظة على هذه الموارد ومحاولة تنميتـها وكذلك إيجاد موارد مائية جديدة، خصوصاً أن معظم منابع الأنهار بيد دول غير عربية مما لا يمنحها صفة المورد الآمن، كما أن المياه الجوفية، في أغلب الدول العربية، محدودة ومعظمها غيـر متجدد (ناضب)، لعدم توفر موارد طبيعية متجددة كالأمطار تقوم على تغذية هذه المكامن وتزيد من مواردها، لذلك يجب أن ينصب اهتمام القائمين على إدارة الموارد المائية على المحافظة على موارد المياه الجوفية وزيادة كمياتها، بل وتحسين نوعيتها واعتبارها مخزونا استراتيجيا في مكامن آمنة.

سياسة المغرب المائية.. استراتيجية وقائية استباقية لتفادي الأسوأ

يتعلق الأمر هنا بمجموع التدابير والإجراءات والإنجازات التي تقوم بها المملكة المغربية في قطاع الماء. حيث تتميز سياسة الماء في المغرب، الذي يحتل الرتبة 114 من أصل 174 دولة حسب مجموع الموارد المائية المتجددة، بتحسن كبير في إمداد المياه وبدرجة أقل في الصرف الصحي على مدى الخمسة عشر سنة الماضية، أما على الصعيد العربي فيحتل المغرب مراتب متقدمة في الموارد المائية (الرابع) وحصة الفرد من الماء (الخامس) وهو عضو في المجلس العربي للمياه.

عرف المغرب تطورًا كبيرًا منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين على مستوى تنزيل استراتيجيته الوطنية، المتمثلة في بناء السدود، وبلغ الذروة في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من نفس القرن ولا زالت مشاريع قائمة و أخرى مستقبلية في هذا المجال.

ومن جهة أخرى، هناك عدة مشاريع ضخمة في طور الإنجاز والتنفيذ من سدود وقنوات وشبكات صرف ومحطات للتحلية والمعالجة ومراكز أبحاث، ستساعد البلاد على تدبير الموارد المائية التي هي في تناقص بسبب عوامل طبيعية وبشرية.

تدبير الموارد المائية بالمغرب.. تجربة رائدة في مواجهة تحدي آثار التغيرات المناخية

يظل عنصر الماء بمختلف مظاهره، حاضرًا وفاعلا في البنية المجتمعية والقانونية لتاريخ المغرب، فقد شرعت المملكة منذ عقود في نهج سياسة ترتكز على تطوير بنية تحتية مائية مهمة، وتحسين الولوج للماء الصالح للشرب، وتلبية حاجيات الفلاحة والسقي على نطاق واسع.

وموازاةً مع ذلك، مكَّنت هذه الجهود من تطوير خبرة وطنية عالية في إدارة وتدبير الموارد المائية، سواء تعلق الأمر بالتجهيزات المخصصة لتعبئة هذه الموارد، أو بالإطار القانوني والتشريعي والمؤسساتي.

ففي مجال التجهيزات المائية المخصصة لتعبئة الموارد المائية، يتوفر المغرب حاليا على 149 سدا كبيرا، و136 سدا صغيرا، و9 محطات لتحلية مياه البحر، ومنها أكبر محطة لتحلية مياه البحر على الصعيد الإفريقي وتوجد بالعاصمة الاقتصادية للمملكة الدارالبيضاء، و158 محطة لمعالجة المياه العادمة، وكل هذه المنشآت موجهة لتوفير مياه الشرب والسقي وإنتاج الطاقة الكهرومائية والحماية من الفيضانات ومواكبة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد.

أما على المستوى التشريعي والمؤسساتي فقد تم تسجيل تقدم مهم من خلال سن قانون الماء 36-15 عوض القانون 95-10، مع التأكيد على استمرارية تدبير وحماية الموارد المائية على صعيد الحوض المائي. كما تم إصدار القانون 15-30 المتعلق بسلامة السدود الذي ينص على إلزامية تصنيف السدود وعلى ضبط قواعد سلامتها بنصوص تنظيمية.

غير أنه رغم كل هذه المكاسب، لازالت المنظومة المائية تواجه العديد من التحديات الكبرى، المرتبطة أساسا باستفحال الظواهر المناخية القصوى، تحت تأثير التغيرات المناخية، وما يترتب عنها من ندرة الموارد المائية، وعدم ملاءمتها مع الحاجيات المتزايدة بسبب النمو الديمغرافي، ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما في القطاع الفلاحي.

وبحسب معطيات وزارة التجهيز والماء المغربية، فإنه رغم مساهمة التساقطات في بلوغ حجم المخزون المائي بحقينات السدود إلى غاية أبريل 2022 حوالي 5.52 مليار م3 أي ما يعادل 34,2 في المائة كنسبة ملء إجمالي مقابل 50.82 في المائة سُجلت في نفس التاريخ من السنة الماضية، فإنَّ العجز المُسجل بالنسبة للواردات المائية من فاتح شتنبر 2021 إلى حدود أبريل من العام 2022 بلغ حوالي 86 في المائة مقارنة مع متوسط الواردات لنفس الفترة.

ضُعف التساقطات المطرية بالمغرب وعدم انتظامها، ومعاناة العديد من مناطق البلاد من الجفاف، يفسره الخبراء بالاختلال المناخي الذي يعاني منه المغرب، حيث التقلبات المناخية وتغيراتها باتت تأخذ منحى مقلقا.

هذا ما أكدته الخبيرة في الموارد المائية والوزيرة السابقة المكلفة بالماء شرفات أفيلال، حيث قالت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء (وكالة الأنباء الرسمية)، إنَّ المغرب بحكم موقعه الجغرافي يقع في منطقة تصنف دوليا بالبقعة الساخنة، وهي منطقة الفضاء المتوسطي، وبالتالي فإن الظواهر القصوى الناتجة عن التقلبات المناخية كلها تتسارع في منطقة المتوسط.

أفيلال أشارت إلى أن الوضعية الحالية أفضت إلى المساس المباشر والمقلق بمنظومة التزود بالماء الصالح للشرب حتى في المدن الكبرى، بعدما كانت فترات الجفاف في الثمانينيات والتسعينيات تطال على الخصوص المجال القروي، مسجلة أن ذلك يتطلب إجراءات قوية وعاجلة، واستثمارات أساسية وبسرعة قصوى.

وشدَّدت الوزيرة السابقة على أن عدم التحرك عالميا إزاء التغيرات المناخية قد يؤدي إلى مآسي طبيعية وإنسانية واجتماعية وايكولوجية، وحتى اقتصادية، منها ما صار يعرف بالهجرة المناخية أو النزوح المناخي.

هذه المعطيات يؤكدها أيضا التقرير الجديد لمجموعة الخبراء البين حكومية حول تطور المناخ الذي يُشير إلى أنَّ تأثيرات التغيرات المناخية ستتسارع، والتكيُّف ستصير كلفته أعلى، وسيصبح أكثر محدودية إن لم يـصر مستحيلا بالمرة.

وأمام هذه الوضعية بادرت الوزارة المعنية إلى صياغة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي يهدف إلى تسريع وتيرة الاستثمار في مجال الماء من أجل مواكبة الطلب المتزايد على الموارد المائية وضمان الأمن المائي للبلاد والحد من تأثير التغير المناخي، بكلفة إجمالية تبلغ 11,4مليار دولار أمريكي.

كما قامت الوزارة بتحديد الآفاق المستقبلية لمشروع المخطط الوطني للماء 2050، وذلك عبر مواصلة سياسة السدود الكبرى، وتوسيع شبكة الأنظمة المائية من خلال مشاريع للربط بين الأحواض المائية لضمان تدبير مرن للموارد المائية، والتقليص من الفوارق المجالية، وإنجاز السدود الصغرى و البحيرات التلية، وتطوير تحلية مياه البحر لتبلغ القدرة الإنتاجية القصوى 1 مليار م3/السنة مع اللجوء إلى الطاقات المتجددة ، وخفض معدل تَوحُّل السدود بنسبة 10 إلى 20 في المائة عبر تهيئة الأحواض المائية.

ويروم مشروع المخطط الوطني للماء 2050 أيضا تحسين النجاعة المائية عبر مواصلة برنامج الاقتصاد في مياه السقي من خلال تحويل أنظمة السقي إلى الموضعي، والتجهيز الهيدروفلاحي للمساحات المرتبطة بالسدود (منطقة الغرب واللوكوس أساسا)، وصياغة برنامج لتجميع وتثمين مياه الأمطار ، فضلا عن إعادة استعمال 340 مليون م3 / السنة من المياه العادمة المُعالَجة.

وتعكس هذه التجربة العريقة والرائدة في مجال تدبير الماء والحفاظ عليه وحسن استعماله، حرص المغرب على توفير الأمن المائي على المستوى الوطني والإسهام في ذلك على المستويين الإفريقي والدولي، “باعتبار الماء مصدر الحياة”.

السياسة المائية بمصر.. استراتيجية الموارد المائية في مواجهة النمو الديمغرافي والجفاف

إنَّ أبرز ما يواجهه قطاع المياه في مصر، الزيادة السكانية ومحدودية الموارد المائية المتاحة، حيث تعتبر البلاد من أكثر دول العالم جفافا، كما تعاني من الشح المائي، حيث تُقدَّر موارد مصر المائية بحوالي 60 مليار متر مكعب سنويًا من المياه، معظمها يأتي من مياه نهر النيل بالإضافة لكميات محدودة للغاية من مياه الأمطار التي تقدر بحوالي مليار متر مكعب، والمياه الجوفية العميقة غير المتجددة بالصحاري.

في المقابل، يصل إجمالي الاحتياجات المائية في مصر لحوالي 114 مليار متر مكعب سنويا من المياه، ويتم تعويض هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية السطحية بالوادي والدلتا بالإضافة لاستيراد منتجات غذائية من الخارج تقابل 34 مليار متر مكعب سنويا من المياه.

إلى ذلك، تشهد مصر والعديد من دول العالم تأثيرات جد سلبية ناتجة عن التغيرات المناخية المتزايدة، الأمر الذي تنتج عنه تهديدات للتنمية المستدامة وتهديد لحق الإنسان في الحصول على المياه، إذ أنَّ مصر تعتبر من أكثر دول العالم تأثرا بالتغيرات المناخية، نتيجة ارتفاع منسوب سطح البحر والتأثير غير المتوقع للتغيرات المناخية على منابع نهر النيل والعديد من الظواهر المناخية المتطرفة.

مثل موجات الحرارة والبرودة والسيول، وهو ما يمس العديد من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالإضافة للتأثير على مجالات الموارد المائية والزراعة والأمن الغذائي والطاقة والصحة والمناطق الساحلية والبحيرات الشمالية، بالإضافة للمخاطر التي تواجهها أراضي الدلتا الأكثر خصوبة نتيجة الارتفاع المتوقع لمنسوب سطح البحر، وتداخل المياه المالحة بالفرشة المائية، الأمر الذي يؤثر على جودة المياه الجوفية، وهو ما سيؤدي لنزوح الملايين من المصريين المقيمين بشمالي الدلتا.

وأكدت الحكومة المصرية في هذا الإطار، أنَّ هذه التحديات تستلزم بذل مجهودات مضنية لمواجهتها، حيث أنَّ مصر أعدَّت استراتيجية للموارد المائية حتى عام 2050 بتكلفة تصل إلى 50 مليار دولار، وقد تصل إلى 100 مليار دولار، ووضعت خطة قومية للموارد المائية حتى عام 2037 تعتمد على أربعة محاور، تتضمن ترشيد استخدام المياه، وتحسين نوعية المياه، وتوفير مصادر مائية إضافية، وتهيئة المناخ للإدارة المثلى للمياه.

كما أكدت مصر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، تم اتخاذ العديد من الإجراءات لزيادة الجاهزية للتعامل مع التحديات المائية ومواجهة أي طارئ تتعرض له المنظومة المائية من خلال تنفيذ العديد من المشروعات الكبرى، مثل المشروع القومي لتأهيل التِّرَع، والذي يعد من أكبر المشروعات على مستوى العالم في هذا المجال، والذي يهدف لتحسين عملية إدارة وتوزيع المياه.

إشكالات تواجه إمداد خطوط المياه والصرف الصحي وإنجازات على طريق التنزيل

ومن بين هذه الإنجازات هي زيادة استخدام أنابيب مياه الري والإمداد في الفترة ما بين 1990إلى 2006 بنسبة تترواح بين 89% و 99% في المناطق الحضرية، وما بين 39% إلى 82% في المناطق الريفية. وبالرغم من الزيادة السكانية السريعة؛ تم إزالة المناطق المرضية في الأرياف.

وفي خلال نفس الفترة الزمنية، تم استثمار ذو مستوى عالِ في البنية التحتية. وتتحسن نوعية المياه ومصدرها في مصر لتصل عملياً وعالمياً لمعدل 99%، أما على الجانب المؤسسي، فقد تم فصل التنظيم وتقديم الخدمات إلى حد ما من خلال إنشاء شركة قابضة قومية للمياه والصرف الصحي في عام 2004، ومنظم اقتصادي، هي وكالة تنظيم المياه المصرية (بالإنجليزية: Egyptian Water Regulatory Agency؛ واختصاراً: EWRA)، في عام 2006.

تقوم الدول الأجنبية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وعدة أعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى البنك الدولي والجهات المانحة العربية، بتقديم مساعدات لا تزال مهمة، سواء من حيث التمويل أو من حيث المساعدة التقنية، المانحون الغربيون أيضا عزَّزوا دورهم بتقديم إصلاحات للقطاع تهدف إلى تحقيق مستويات أعلى من استرداد التكاليف وتغطيتها وزيادة كفاءة الخدمات، وشارك القطاع الخاص في شبكات المياه والصرف الصحي بشكل محدود جداً وذلك من خلال نظام البناء والتشغيل والتحويل لمحطات المعالجة.

السياسة المائية في الأردن

فيما تتركز السياسات المائية العالمية المتعلقة بمستقبل معالجة مياه الصرف الصحي على ضرورة استعادة مختلف العناصر الحيوية منها، أكدت وزارة المياه والري بالأردن، أنَّ المملكة هي من أوائل الدول التي نجحت بتحقيق مفهوم السياسات المتخصصة بهذا الشأن.

ويُمثل الاستخدام المفيد واستعادة الموارد مثل العناصر الغذائية والطاقة والمياه اليوم، أساس التغيرات العالمية الكبرى، وأساسها التحول من الهدف الأصلي لمعالجة مياه الصرف الصحي والمتمثل في حماية جودة المياه، إلا أن ندرة الموارد والاستدامة قادت نحو تلك التغييرات، وفق تقارير دولية متخصصة.

أمين عام وزارة المياه والري وهو أمين عام سلطة المياه بالوكالة علي صُبح، سبق وأن أكَّد في تصريحات إعلامية على أهمية المرحلة التي وصل إليها الأردن، معتبرا أن السياسات المائية التي تتَّسِق والتوجه نحو الاستفادة من إعادة استخدام المياه المعالجة، قطعت شوطًا كبيرًا.

وقال، إن “الأردن يسعى لإعادة استخدام 100 % من المياه المعالجة، لا سيما وأنه نجح بإعادة استخدامها وإنتاج ما يسمى بالحمأة، وهي مخلفات ناتجة عن معالجة وتنقية المياه سواء مياه الشرب أو مياه الصرف الصحي، وتُمثِّل مزيجًا من المادة الصلبة والمياه الملوثة، وتنتج عن عمليات المعالجة المختلفة للمياه وتختلف صفاتها وتركيبها وإسمها تبعاً لنوع ومرحلة المعالجة الناتجة عنها هذه الحمأة”، وفق تعريفها العلمي.

وأشار صُبح إلى أنَّ استعادة مختلف الموارد من المياه المعالجة، دون اقتصارها على مورد معين، “يتطلب عملًا مكثفًا، كما هو الحال مع إمكانية تعديل نوعية التربة واستغلالها بدلا من استخدام الأسمدة الكيماوية”.

من جهتها، شددت المنظمة الدولية للمياه في تقرير أصدرته مؤخرًا، على أنه “بدلا من اتباع أساليب أكثر أمانًا للتخلص من النفايات وِفق أفكار مدعومة، نوَّهت لضرورة النظر بفعالية الهدر، باعتباره منجم الموارد”.

ووِفق تقارير علمية دولية متخصصة، فإنَّ عدة دول متقدمة تقوم باسترداد الموارد من مياه الصرف الصحي، وتعمل على تقييم العلاقة بين نفايات المياه والتربة، موضحة أنه تم تنفيذ عدة مشاريع للبنية التحتية في مجال إمدادات المياه ومعالجة مياه الصرف في العالم النامي أيضا، بمشاركة القطاع الخاص في العقود الأربعة الماضية.

ويُعد توفير المياه النظيفة والوصول لمرافق الصرف الصحي المأمونة للجميع أحد الأهداف التي وافق عليها المجتمع العالمي ضمن أهداف التنمية المستدامة، وِفق التقارير التي نوهت إلى أنه “غالبا ما تفشل الحلول التقنية في تقديم الحلول المطلوبة، لا سيَّما وأن الخبراء التقنيين، عادة لا يفكرون في هياكل الإدارة المعقدة والدقيقة للمجتمعات المحلية”.

وتعمل مشاريع في مناطق معينة بالمملكة الأردنية، على تصميم وبناء نموذج ريادي للهضم التشاركي في محطات الصرف الصحي، ليتم استغلال الموارد المتوفرة من الحمأة وبقايا المطاعم، عبر معالجتها بتقنية الهضم التشاركي لإنتاج الغاز الحيوي وتوليد الطاقة بالإضافة ُلإنتاج مزيج عضوي مُعالَج مُطابِق للمواصفات الأردنية والعالمية، يمكن استخدامه لتحسين خواص التربة ومكافحة التَصحر.

وتُعدُّ إدارة المواد الصلبة في الصرف الصحي من القضايا التي ما تزال تؤرق قطاع المياه، إلا أن إمكانية استثمارها في توفير مياه صالحة للري وتوليد الطاقة التي تشكل عبئا كبيرا على الموازنة المالية، واردة.

وقالت وزارة المياه والري، إنَّ الأردن، بأجيال الحاضر والمستقبل، سيعيش عطشا حقيقيا، “ما لم نسارع لتنفيذ حلول مائية استراتيجية”.وأضافت في بيانات رسمية، أنَّ “هناك فجوة متنامية بين ما هو موجود وما هو مطلوب من حيث المصادر المائية، والحكومات المتعاقبة عملت على عدة محاور لمواجهة الواقع المائي الضاغط”.

وأشارت الوزارة إلى أن “الموسم المطري الماضي (العام 2021) كان من أسوأ المواسم في تاريخ الأردن الذي أصبح ثاني أفقر دولة مائيا في العالم، حيث يتفاقم عجز المياه سنويا منذ عقود، وسيبلغ العجز في 2022 في قطاع مياه الشرب وحده 45 مليون متر مكعب”.

“يتحمل الأردن منذ أكثر من عشر سنوات عبء اللجوء السوري على الموارد والبُنَى التحتية، فيما يتراجع الدعم الدولي”، وِفق الوزارة الوصية على القطاع، مشيرة إلى أن “حاجات الأردن المستقبلية لمصادر مائية مستدامة ويعتمد عليها تتزايد، في ظل نمو عدد السكان ونمو استخدامات المرافق البلدية والمنزلية المختلفة، والحاجة لنمو الصناعة والزراعة والسياحة”.

وأضافت الوزارة أنَّ “استخدامات المياه لا تقتصر فقط على الشرب بل تتداخل مع العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية: الزراعة والأمن الغذائي، الصناعة والصادرات، السياحة، الصحة والنظافة الشخصية، الاستخدامات المنزلية المتعددة”.

ووِفق بيانات حكومية، تبلغ حصة الفرد في الأردن من المياه 90 متر مكعب سنويا لكافة الاستخدامات؛ الشرب، منزلية، زراعية، صناعية، سياحية، وغيرها، وفي المقابل يبلغ خط الفقر المائي دوليا 500 متر مكعب سنويا.

وحذَّرت دراسات دولية من تراجع  حصة الفرد في الأردن لتصل إلى 60 متر مكعب سنويا بحدود عام 2040، في ظل استمرار الأوضاع المائية الحالية، من حيث المصادر المائية المتوفرة ومعدلات الطلب الطبيعية المتوقعة.

وأصبح الأردن ثاني أفقر دولة مائيا في العالم، حيث يتفاقم عجز المياه سنويا منذ عقود، ومن المتوقع أن يبلغ العجز في 2022 في قطاع مياه الشرب وحده 45 مليون متر مكعب، وفق البيانات.

وتبلغ حاجة الأردن من المياه يوميا، 3 ملايين متر مكعب للاستخدامات كافة، حيث يضطر الأردن لاستخدام نسب كبيرة من مياه الزراعة للشرب والاستخدام المنزلي بسبب قلة الكميات المتوافرة.

وأضافت الوزارة أن “الأمن المائي والأمن الغذائي متلازمان، إذ أنَّ تراجع كميات المياه المخصصة للزراعة يؤثر على الإنتاج الزراعي”.

“نحو 400 ألف دونم في الأغوار تأخذ 40% فقط من كمياتها المائية المستحقة، وهي غير كافية لغسل التربة، وتؤثر على إنتاجيتها، كما أنَّ الاستمرار بهذه الحالة يهدد هذه الأراضي بأن تفقد إنتاجيتها الزراعية خلال 15-20 عاما”، وفق الوزارة.

وبيَّنت (الوزارة) أن « الأمن المائي هو ركيزة للأمن الصحي، وتراجع حِصص المياه المخصصة للاستخدام المنزلي والنظافة الشخصية يؤدي لانتشار أمراض وأوبئة، والأزمات الصحية ترتب كلفة رعاية صحية وأمنية واجتماعية كبيرة جدا على الدولة والمجتمع ».

الأردن.. جهود حكومية كبيرة ومتسارعة

بدأ الأردن بتنفيذ خط الديسي في 2010 وبدأ الإنتاج في 2013، وكُلفته الرأسمالية 1 مليار دينار تقريبا، ويتم من خلاله نقل 100 مليون متر مكعب تغطي مختلف أنواع الاستخدامات.

وزارة المياه، أشارت إلى أنَّ موجة اللجوء السوري في 2011 “قللت من الأثر الإيجابي الملموس لكميات الديسي، حيث إنَّ زيادة المصادر التي تحققت آنذاك تبخرت مع الطفرة المفاجئة في عدد السكان بسبب موجات اللجوء السوري”.

وأوضحت الوزارة أنَّ الأردن “سينفق خلال عامي 2021 و 2022 قرابة 400 مليون دولار للتقليل من الفاقد المائي في مختلف المحافظات، حيث يتضمن هذا الجهد تحديث الشبكات وتعزيزها، ضبط السرقات، والإدارة المائية الحصيفة”.

وباشرت وزارة المياه منذ أشهر بحفر آبار في المناطق البازلتية، وفي حسبان، والقطرانة، والحسا والشيدية لاستخراج المياه الجوفية من الطبقات العميقة، وعملت الوزارة على حفر 21 بئرا على أعماق عالية تتجاوز 1000 – 1200 متر، وبلغ حجم الإنفاق على هذه الآبار 14 مليون دينار حتى الآن، وتحتاج إلى نفقات إضافية عالية لمعالجة هذه المياه الجوفية.

وأشارت الوزارة إلى أن “الأردن مستمر في حفر واستكشاف الآبار الجوفية العميقة في مناطق مختلفة”، مضيفة أن “المياه الجوفية المتوفرة أو التي ستتوافر من هذه الآبار العميقة تعاني من ارتفاع حرارتها، وملوحتها، ووجود نسب إشعاع فيها، وهي تتطلب معالجة مكلفة حتى تصل لمستويات المواصفة الفنية الأردنية للمياه”.

وأضافت أن “الآبار الجوفية العميقة لا تُوفِّر بديلا استراتيجيًا ومستدامًا يمكن الاعتماد عليه من حيث الكم والنوع والاستمرارية، بسبب قلة الكميات، وضعف النوعية (نسب ملوحة وحرارة وإشعاع عالية)، والحاجة لكلفة مالية مرتفعة جدا لمعالجتها”.

الحل في مشاريع التحلية

قالت وزارة المياه والري الأردنية إنَّ الحل الاستراتيجي يتمثل في تحلية مياه البحر، حيث أن كلفة التحلية أقل من كلفة حفر الآبار الجوفية العميقة ومعالجة مياهها.

وأضافت الوزارة أن الأحواض المائية الجوفية تواجه استنزافا كبيرا بسبب محدودية مصادر المياه وتراجع المواسم المطرية وهذا نذير خطر لا يمكن الاستمرار به، ولا بد من تأمين مصادر بديلة، والإنفاق على مشاريع تحلية أكثر فعالية وفائدة من الإنفاق على حفر الآبار العميقة.

ويسعى الأردن من خلال تنويع مصادر تزويد المياه إلى الوصول إلى مرحلة التزويد اليومي المستدام للمياه بدلا من التزويد الأسبوعي.

الوزارة، قالت إن تأمين مصادر مائية مستدامة ويعتمد عليها من خلال تحلية مياه البحر، وطنيا وإقليميا، سيمكن الأردن من الوصول لمرحلة من التزويد المستمر للمياه (اليومي)، مما يساعد في تقليل الفاقد وتحسين الشبكات وتوزيع المياه بشكل أفضل على مختلف محافظات المملكة، وتقليص حجم الطاقة المستغلة في الضخ.
وقال الناطق باسم الوزارة، عمر سلامة،، إن مشروع الناقل الوطني “سيوفر 300 – 350 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من البحر الأحمر سنويا، تغطي احتياجات الأردن لمياه الشرب حتى 2040”.

وأضاف أنَّ “المشروع من أهم المشاريع الاستثمارية الوطنية، والحكومة أدرجته ضمن جدول أولويات عملها الاقتصادية”، موضحا أن “قيمة المشروع تصل إلى 2.2 مليار دينار، وتعمل الحكومة على تأمين جزء من المبلغ من منح ودعم حكومي، والجزء الآخر قروض ميسرة سيتم التفاوض عليها”.

وأشار سلامة، إلى أن “الحكومة تعمل على هذا المشروع بجد لتوفير مياه محلاة، حيث تكمن أهميته عبر توفير حلول مستدامة لتأمين نحو 300-350 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من البحر الأحمر لتزويد جميع المحافظات حتى عام 2040”.

https://anbaaexpress.ma/hs8po

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى