آراءمجتمع

تعديلات مدونة الأسرة.. ضمان التوافق بين المرجعية الإسلامية والمستجدات الحقوقية العالمية

أثارت النقاشات التي فتحتها وزارة العدل خلال الأشهر الأخير بشأن تعديلاتها المرتقبة على المدونة انقسامات كبيرة بين تيار محافظ وتيار حداثي..

بعد مرور حوالي عشرين سنة على إقرار مدونة الأسرة في المغرب، تعود هذه المدونة إلى واجهة النقاش المجتمعي، بعدما دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش لسنة 2022، إلى مراجعة مدونة الأسرة، لتجاوز الاختلال والسلبيات التي أظهرتها التجربة العملية، مع تحديده للخطوط العريضة لهذا الإصلاح وحدوده.

ويختلف السياق العام الذي تم فيه إعداد مدونة الأسرة لسنة 2004 جذريا على السياق الوطني والدولي الحالي، فإذا كانت مدونة الأسرة لسنة 2004 قد أدخلت العديد من الأحكام الجديدة على المنظومة القانونية، إلا أن هناك العديد من المشاكل القائمة فيما يتعلق بكيفية تفسيرها وتنفيذها، خاصة من حيث التباين في كيفية تطبيق القانون من قبل القضاة، وعليه فالتجربة العملية أبانت عن عدة اختلالات بشكل لا يتماشى مع مقتضيات دستور 2011.

إن التعديلات المرتقبة التي سيتم إحداثها على مدونة الأسرة باتت تشغل المغاربة، منذ أن تشكلت الجنة المكلّفة بالمراجعة، حيث بدأت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر تكهنات بشأن الفصول المستهدفة من التعديل.

وأثارت النقاشات التي فتحتها وزارة العدل خلال الأشهر الأخير بشأن تعديلاتها المرتقبة على المدونة انقسامات كبيرة بين تيار محافظ يدعو للتشبث “بخصوصيات المجتمع” ويدافعون عن ضرورة ارتباط هذه التعديلات المرتقبة بالشريعة الإسلامية.

في مقابل ذلك يدعو الحداثيين الذين يشددون على ضرورة استجابة هذه التعديلات للاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب.

ومن خلال هذا الانقسام بين هاتين المرجعيتين، يتبين الحاجة الماسة لتكييف مدونة الأسرة مع تطور المجتمع المغربي من جهة واحتياجات التنمية المستدامة، ومن جهة أخرى الالتزام بمقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع، وهو ما يفتح باب للنقاش حول مدى إمكانية ضمان التوافق بين المرجعية الإسلامية والمستجدات الحقوقية العالمية.

بالعودة لبرنامج الإصلاح الذي تعرفه مدونة الأسرة وبحكم أنه جاء بمبادرة ملكية، وتأكيد الملك صراحة أنه “لن يُحلّ ما حرّم الله ولن يحرّم ما أحلّ الله، ولاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”، فإنه من المرتقب أن يكون تعديل بنود المدونة لحظة تاريخية بتوافق مجتمعي.

رغم إختلافاته الفكرية والسياسية والثقافية والحقوقية والأيديولوجية حول أساسيات الإصلاح، خصوصا في ما يتعلق بالميراث، والوصية، وزواج القاصرات، الطلاق، الولاية على الأبناء والنفقة…

وهو ما يجعل من اِستِبَاقُ بعض الأحزاب السياسية لإثارة الانقسام حول التعديل المرتقب ماهو إلا محاول لتوظيف مدونة الأسرة للمزايدة السياسية.

https://anbaaexpress.ma/52pmv

محسن المساوي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى