ما يدعيه البعض تطبيعا نحن نشدد على أنه عبارة عن إعادة العلاقات بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل. ومنذ اعادتها يوم 20دجنبر 2020 كان المغرب على درجة من الوضوح ليبدد الشكوك لمن تساوره بأن ما حدا به إلى ذلك هو البحث بمختلف الوسائل عن كل ما يمكن أن يخدم قضية الشعب الفلسطيني تحت أي ظرف كان.
الخيار الدبلوماسي للمغرب، تحت قيادة ملك حكيم يقرأ المستقبل قراءة لا يقوى غيره عليها، هو خيار براغماتي بعيدا كل البعد عن دبلوماسية الشعارات التي تزيد من متاعب الإنسان الفلسطيني عوض أن تخففها عنه.
واليوم يتأكد بالملموس ما تحدثنا عنه في مقالات سابقة، وبعد أن كانوا يكيلون لنا اتهامات رخيصة التي ما أنزل الله بها من سلطان من قبيل العمالة والتصهين، ننبري لهم اليوم بالثبات على نفس القناعة وعلى نفس المبدأ ونؤكد لهم إن كان التطبيع يخدم الأشقاء الفلسطينيين فإن كل من يدعو إلى إعادة العلاقات مع إسرائيل عليه أن يعتز بأنه مطبع، وأن الذي يعارضه ولا يقدم بديلا فهو يعارض مصلحة الشعب الفلسطيني ويحتفظ بحسابات مدسوسة ومعادية للمغرب ويخدم أجندة من يتربص بالوطن.
في هذا الشهر الفضيل، تحاول جهات مكشوفة عند المغاربة استغلال الناس المومنين البسطاء والراغبين في التقرب إلى الله من خلال صلوات التراويح بتحريضهم على خيارات الدولة بشعارات تدعو إلى إسقاط “التطبيع” ولا يرونه إلا في ما قام به المغرب ويستثنون غيره من الدول المطبعة وعلى رأسها تركيا أردوغان.
ويتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن تلك الجماعات ليس لها ثبات على مبدأ وهي تمارس سياسة الكيل بمكيالين.
ونسائل بهذه المناسبة مناهضي التطبيع ماهي السبل التي كان عليهم أن يسلكوها لإغاثة الشعب الفلسطيني وهم يدعون إلى مقاطعة إسرائيل.
لو أخذ بموقفهم هذا لبقي هذا الشعب المنكوب يطارد الفئران والكلاب ليزين بها موائد الإفطار خوفا من خطر المجاعة، على عكس ماهي عليه موائد المناهضين وعلى رأسهم الحكواتي المقرئ أبو زيد، خريج ساحة جامع الفنا، الذي غشيته “فوبيا” إسرائيل ويتحدث عنها في كل لحظة وحين بأنها هي العدو الحقيقي للمغرب وينفي تلك الصفة عن النظام الجزائري.
وكان الرد عليهم وعلى غيرهم في هذا الشهر الفضيل خير ما يمكن أن يتم بموجبه تكميم تلك الأفواه حينما أطل أمير المومنين بطلته البهية على الشعب الفلسطيني وهو يعاني من خطر المجاعة بمساعدات من أدوية وأغطية ومواد غذائية لإطعام أمعاء باتت تأكل من نفسها وأجساد اجتمع عليها الجوع والبرد فزادها سقما على سقم.
ونزلت المساعدات رحمة على أبناء الشعب الفلسطيني من السماء بواسطة مظلات مغربية وقد حسبناها جندا من جنود الله أتت رحمة للعالمين. وفي اليوم الأول من رمضان شرعت الأبواب على مصراعيها في مطار “بن غوريون” لاستقبال المساعدات التي أمر بها جلالة الملك من ماله الخاص وإيصالها برا من المطار عبر شاحنات توزعت ما بين تلك التي نقلت المساعدات إلى أبناء القدس الشريف وتلك التي اتجهت صوب أهل قطاع غزة.
هذا الحصار الذي تمكن أمير المؤمنين جلالة الملك من كسره كان فيه بمثابة الفاتح الأكبر وهو فتح غير مسبوق بحيث كانت الأبواب من قبل ذلك مغلقة في وجه الجميع وفي وجه أعتى الدول لا يسمع فيها طنين نحلة ولا صرير نملة سوى لعلعة الرصاص وقد دخلها الفاتح. وكان الفتح مبينا مؤزرا بفضل وجاهة ملك استشرف المستقبل ما قبل ثلاث سنوات وما يزيد عنها.
وأكد جلالته للجميع أن السياسات لا تبنى على عبث ولا على مزاجية بل على بصيرة وحسابات مخطط لها سلفا لا يفقهها المؤدلج ولا يعلم عنها المستلب فكريا. وما أكثرهم من الغوغائيين عندنا الذين يدعون بأن إسرائيل تخترقنا والعكس هو الذي حدث.
فما هذا الذي تيسر للمغرب ولم يتيسر لغيره من الدول؟
لعل الجواب عن ذلك نردده مجددا على مسامع من لم يرد أن يلتقط السر. لقد سبق لنا أن تحدثنا عن مكانة المملكة المغربية عند طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعن دوره الريادي في خدمة قضية السلام بالشرق الأوسط.
وأن سر هذه الريادة يكمن أولا في أن المغرب يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف لتوفير أرضية تساعده على بناء جسور من التواصل مع هذا الطرف أو ذاك.
ثانيا أن المغرب يتمتع أكثر من غيره بثقة كل الأطراف المعنية انطلاقا من إيمانهم أن المغرب ليست له مصلحة تحركه في هذا الصراع وليست له حسابات ضيقة بقدر ما له سياسة برغماتية تسعى إلى خدمة الهدف بشكل مباشر بعيدا عن تلك الشعارات التي لا طائل من ورائها سوى هدر الوقت وإضاعة الفرص.
ولذلك فإن ما نعاينه اليوم من دور منفرد للمغرب ما هو إلا حلقة من حلقات دبلوماسية مميزة نالت اعترافا عالميا وإشادة إعلامية من مختلف المنابر الدولية.
جميع تلك المنابر غربية وعربية وأسيوية التقت وبدون تنسيق مسبق، بما فيها بعض الجرائد المعروفة بخطها التحريري المناوئ، على أن ما قام به المغرب في شخص جلالة الملك “فريد من نوعه وغير مسبوق“.
حدث نال الإعجاب ونال الاستغراب من القاصي والداني.
فماذا بقي لحزب ما ملكت أيمانكم أن يتداولوا فيه بعد هذه الاعترافات والإشادات. وليعلم الغوغائيون أن تلك المساعدات هي أول الغيث.
وما يحتفظ به المغرب من رصيد تاريخي في خدمة قضية السلام بالمنطقة يجعله مرشحا بامتياز للعب أدوار متقدمة للخروج من هذه الحرب التي أثقلت كاهل الشعب الفلسطيني وكواهل دول الجوار.
فالبيان التصاعدي لدبلوماسية ملك في جميع الاتجاهات جعل من المغرب قوة وازنة بين الأمم قد يعول عليه في نزاع لم تعد هناك طاقة تتحمله.