يبلغُ عدد المؤثِّرين في السياسات الخارجية للولايات المتحدة، أعلى بأربعين في المئة من أعداد الطبقة الفرنسية الارستقراطية التي حضرت لمشاهدة وجبة طعام، جمعت “اللويسين الخامس و السادس عشر مع ماري انطوانيت عند مجيئها إلى فرنسا للزواج من الأخير”.
بحسب ستيفان زفايغ أيضاً كان على الستَّة آلاف ارستقراطي أن “يدفعوا آلاف الفرنكات كي يشاهدوا ذلك”.
جانيس. ج. تيري تذكر “عشرة آلاف فقط هم من يتحكمون بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة لا مئات الآلاف كما يعتقد الكثيرون”.
المؤكَّد إنَّ اللوبيات الإسرائيلية و غير الإسرائيلية، هي أكثر العصافير المُزقزِقة على الأسلاك الدبلوماسية للبيت الأبيض. المُفارقة إنّ كُل هؤلاء المُزقزقين يسعون لهدفٍ واحد، عبَّر عنه مؤسس لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية آي. إل. ساي كينن “إخبار الرئيس بضرورة الهيمنة على وزارة الخارجية”.
الجالس على المكتب البيضاوي و مستشاريه، دائماً ما حاولوا عزل الجمهور و الكونغرس عن السياسة الخارجية.
عندما يكون الخصم قوياً جدّاً مثل السيناتور جوزيف مكارثي، و الذي حاول تطهير الحلقة الداخلية للرئيس الأسبق دوايت إيزنهاور من أيَّة عناصر شيوعية افتراضية.
استخدم الثاني ما يُعرف بـ “الامتياز التنفيذي” لقطع الطريق على هذا السيناتور، المولع بشكلٍ غير صحَّي بالمشروبات الروحيّة و الشيوعية. هكذا احتفظ إيزنهاور بما يدور داخل البيت الأبيض من نقاشات عن السياسات، داخليَّة و خارجيَّة طي الكتمان، لكنه اضطر لاستخدام هذا الحق أربعاً و أربعين مرَّة. بالمناسبة، هذا الامتياز غيرُ منصوصٍ عليه في الدستور الأمريكي.
جانيس. ج. تيري وصلت إلى حدِّ وصف رئاسة الأسبقين ليندون جونسون و ريتشارد نيكسون بأنها “امتيازية”. ما توصلت إليه تيري قبل عشرين عاماً تقريباً يصلحُ لفكرةٍ ذات حدين “السياسات الخارجية للرئاسية الأمريكية يجب أن تكون امتيازيَّة في عصر التسريبات الرقمية و اللوبيات الشَّرِسة”.
مات فورد الكاتب الصحافي في “النيو ريببلك” نصح بدوره الرئيس جو بايدن في الـ 7 من فبراير 2023 بامتطاء “الامتياز التنفيذي” في سباقهِ التشريعي و السياسي مع الجمهوريين. طبعاً، ما كتبه فورد كانت عروته ملتصقة بـزِرار السياسات الداخليَّة.
عدد مرَّات ممارسة الامتياز التنفيذي، بعد أن هجعت منذ سبعينيات القرن الماضي، عاودت النشاط في رئاسة بيل كلينتون. أربعة عشرة مرَّة. بدأ هذا النشاط لتخفيف تداعيات فضيحة “وايت ووتر”، وحماية نفسه و السيدة الأولى من الشهادة أمام الكونغرس. أمّا رئاسة جورج بوش الأبن فقد شهدت استخدام هذا الحق الرئاسي ستَّة مرَّات واضحة فقط و مئات المرَّات المُتنكِّرة!
ديفيد هيوبرت من كلية سولت ليك المجتمعية قال عن “بيان الرئيس الموقَّع” و الذي أعتقد بنسبةٍ ممتازة إنَّهُ قناع لـ “الامتياز التنفيذي” للرئيس” الرؤساء مجتمعون أصدروا بيانات موقَّعة 322 مرَّة. جورج بوش الأبن أصدر لوحده بيانات موقَّعة 435 مرَّة و ذلك في ولايته الرئاسية الأولى فقط”.
كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، فُرصة لانتعاش البيانات الرئاسية الموقَّعة التي تحمل وزن القانون، و ازدهار دور الرئاسة التنفيذية (ألطف تعبير ممكن) لنائبه ديك تشيني.. أبرز المحافظين الجُدُد.
ما أخفى تشيني و أظهر الأبن على المسرح، كان اليافِطة الكبيرة “مكافحة الإرهاب”. ولهذا جادل آرثر شيلسنجر في كتابه “الرئاسة الإمبريالية”، بأنَّ “زيادة القوة الرئاسية كاستجابة لمقتضيات الأمن القومي تُهدِّد بتمزيق النسيج الدستوري”.
الجمهوريون اليوم بفضل بوش الأبن، تبنوا العقيدة التي باتت تعرف بـ”نظرية الوحدة التنفيذية”. نستطيع اختصارها نقلاً عن هيوبرت “الرئيس له السُلطة بالتصرُّف بدون تفويض قانوني في عالم الأمن القومي، له الحق لا بتنفيذ القانون فقط بل و تنفيذه بحسب ترجمته الشخصية”.
مبدأ الأخيار و الأشرار/ الأسود و الأبيض في البيئة الدولية الرمادية اللون، ساهم في تحشيد الشارع الجمهوري، و جعله كُتلة متماسكة تبحثُ عن رئيسٍ قادر على تشخيص المشاكل الأمريكية كزجاجات بيرة، يصوِّب الرئيس عليها رشقة كلمات من لِسانه الأوتوماتيكي فتختفي. هكذا استطاع الرئيس السابق دونالد ترامب أن يُقنع الجميع بشِعاره و شَعره الأحمر “لنجعل أمريكا عظيمة مرَّة أُخرى”.
الكاتب الصحافي في الواشنطن بوست بول ولدمان اعتبر الشعارات البسيطة إحدى أهم سبب نجاح سياسات الجمهوريين، ناصِحاً الديمقراطيين بالحذاء الجمهوري عندما يُفكِّرون بإطلاق شعارات جاذبة لسياساتِهم.
هذا التحشيد كان سيجعل فوز الرئيس جو بايدن في انتخابات عام 2020 مستحيلاً، لولا لجوء الديمقراطيين إلى تسهيل الإجراءات الانتخابية مثل التصويت عبر الرسائل الإلكترونية و عبر الطرود البريدية.
أدَّت تلك التسهيلات إلى رفع نسبة المشاركين إلى 67 في المئة تقريباً. قراءة الإحصاءات منذُ 2008 و حتى 2020 تُبيَّن إنَّ أيَّة زيادة كبيرة نسبياً (من 2- 10 في المئة) في عدد أصوات المقترعين، تؤدي إلى ميلان الرئاسة باتجاه الديمقراطيين بنسبةٍ كبيرة. أ
وباما فاز في 2008 نتيجة اشتراك 52.9 في المئة من عدد الناخبين المُسجَّلين و في 2012 ارتفعت نسبتهم إلى 58.2 في المئة. انخفضت إلى 55.6 في المئة في انتخابات 2016 التي فاز بها ترامب على هيلاري كلينتون.
السؤال هنا: لو كانت هيلاري رجلاً و لم يكن الرئيس الأسبق هو باراك أوباما هل كان ترامب سيفوز؟ علماً إنَّ الولاية الرئاسية الثانية لجورج بوش الأبن شهدت لأوَّلِ مرَّة و منذ عقودٍ طويلة زيادة نسبة المقترعين الذين يحق لهم الانتخاب بأكثر من نسبة الخمسين في المئة بقليل.
ممارسة السياسة الخارجية تحوَّلت في عهد ترامب كبش فداء، لتماسك الجبهة الحزبية في الداخل الأمريكي. الإنجيليون و تل ابيب كانا ضمانةً أخرى لحسن سَّير الشارع الجمهوري بسلوكٍ ترامبي. صوَّب الرئيس الأحمر باتجاه الناتو، اتفاقية المناخ، التعرفة الجمركية مع الصين و .. إلخ فلم يخطئ الهدف ولا لمرَّة.
ضياع الحدود الفاصِلة بين إمبراطورية خارج الحدود و جمهورية داخلها، يُهدِّدُ بـأزمة سياسية عالميَّة (حروب إقليمية و هشاشة أمنية).
كما إنَّ الاستقطاب الحزبي في الولايات المتحدة يدفع مؤسسة الرئاسة إلى التعامل مع قضايا السياسة الخارجية كشؤونٍ داخلية، و رفع كوليسترول “الامتياز التنفيذي” في الجسد الرئاسي و أذرعه التنفيذية. كذلك هو يفرِضُ عليها أن تتعامل مع دول العالم بسياسة “التفاوض الموقعي”.. أي إنَّ الأقوى يفرِضُ على الأضعف.
أخيراً، أُذكَّر المهتمين بمعرفة حظوظ الفوز لكل من بايدن و ترامب في الانتخابات، بمُفارقة موحية ذكرها بروفيسور العلوم السياسية جون ميرشايمر عن دونالد ترامب، مفادها “ميَّال للسَّلم أكثر من الحروب بعكس بايدن”. أ
ختم بعدها بنصيحة لـ “إيباك” سبقت فيها سيوف الواقع العذل “فوز ترامب المحتمل جدّاً بحسب الاستطلاعات خدمة للعالم و للمنطقة العربية على المدى المتوسط.
ترامب الرئيس سيكون بروتوس. لن تنفع الـخمسة عشرة ملياراً السنوية في الحِفاظ على نسبة المصوِّتين الذهبية؛ الخمسين في المائة حتى لو عاد شكسبير للحياة. مستقبل اللوبيات في أمريكا تغيَّر. ترامب سيأخذُ ثمن أكل فلسطين و طرد المهاجرين غالياً.. تنوُّعٌ عرقي غير محمود”.