
كان أول عهدي بالأستاذ الموسيقار الدكتور أنس العاقب حام مواليد سنة 1940 بمدينة بربر يبلغ من العمر الآن 83 سنة درس المراحل الأولية في كسلا، ثم الثانوية في بورتسودان والتحق بمعهد الموسيقى والمسرح, ثم سافر إلى ألمانيا لكي يكمل دراساته العليا ونال درجة الدكتوراه في أطروحته الخصائص اللحنية والايقاعات لموسيقا الطرق الصوفية في السودان، الطريقة السمانية نموذجاً.
من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا كلية الموسيقا والدراما 2006 وهو متزوج وله بنين وحفدة والده كان إماماً لمسجد حي الجعليين بمديرية كسلا شرق السودان سافر لجمهورية ألمانيا الاتحادية لدراسة الموسيقا لمدة سنتين، ويجيد التحدث باللغة الإنجليزية والألمانية بطلاقة.
يُشار هنا لترجمته الفورية على الهواء مباشرة لقناة البي بي سي البريطانية وعدد من القنوات الفضائية العالمية التي تتحدث باللغة الانجليزية لتغطية خبر ضرب مصنع الشفاء بالخرطوم بحري 1998 من أميركا طيلة أربع وعشرين ساعة لم ينم فيها مع متابعة الدكتور غازي صلاح الدين العتباني لتغطية البث المباشر وعمل بتلفزيون السودان القومي لأكثر من تسع سنوات في وظيفة مدير إدارة البرامج والمنوعات.
حيث قام بتلحين وتوزيع موسيقي وشعارات لبرامج ومسلسلات لأكثر من عمل فني أشهرها “مليون سلام لي ذكرتك، ومن حلفا لي نمولي” وخلافه، كما عمل متعاوناً بالإذاعة السودانية ردحاً من الزمن؛ وله عدد من الأعمال الفنية المُغَنَّاه مثل: عمر الهنا التي تؤديها البلابل؛ وتعاون مع عدد كبير من الفنانين والموسيقيين والشعراء والدراميين في التوزيع الموسيقي الدرامي والمؤثرات الصوتية.
وشارك بالتمثيل في عدد من المسلسلات والأفلام السودانية وقام بوضع التوزيع الموسيقي والمؤثرات الصوتية لها أهمَّها: “بركة الشيخ” و “يبقى الأمل” وخلافه؛ وهو أستاذ جامعي بكلية الموسيقا والدراما بالسودان، وإداري محنَّك وشاعر مجيد وموسيقي بارع وفنَّان قدير وكاتب صحافي لا يشق له غبار وموسيقار عظيم وفوق هذا كله إنسان فريد، مرهف الحس عميق الكبرياء شديد الحياء جميل الطلعة أريحي المُحَيَّا سليم الذوق أنيس الصُحبة بشوش الوجه له ذاكره قوية وملكة في الحفظ جيدة طلق الكلام لا تكاد تمل منه ولا من حديثه، مما ترك بصمة اجتماعية فنية ظاهرة على المستويين الشخصي والعام لا تخفى على ذي عينين ولا يخطئه إلا جاهل سبروت.
هذا ! كان أول عهدي بسعادة الأستاذ الكبير / أنس العاقب حامد؛ في التلفزيون وأنا لم أتجاوز الثالثة أو الخامسة عشر من العمر وهو يقدم برامجاً عن الموسيقا والألحان.
وفي ذات الفترة انتبهت لسعادة الدكتور الكبير / الماحي سليمان وأنا لا أدري سر التعلق به في حين أنا أجهل الناس بالموسيقا والدراما والمسرح والفن التشكيلي والرياضة عموماً وبالتحديد كرة القدم.
لكن بعد أن جلست إليه اتضح لي سر هذا الانجذاب وهو الحس الديني الصوفي؛ فهذه نقطة التلاقي بيننا مع حفظ المقامات بالطبع فهو أجل خطراً بلا شك وأثره في تكوين الشخصية؛ فهو من أسرة دينية نشأة وكهولة وشباباً وشيخاً لكنَّ أثر الشيخوخة فيه قليل، قال الشاعر :
زعمتني شيخاً ولست بشيخ * إنما الشيخ من يدب دبيباً
ذكر لي بالحرف الواحد: كنت اقرأ تفسير الجلالين للقرآن الكريم، “لجلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي وخبر هذا التفسير يفيد أن الإمام جلال الدين المحلِّي رحمه الله كان من العلماء المبرَّزين في القرن الثامن الإخراجي، ثم جاء الإمام السيوطي بعده، وهو من علماء القرن التاسع الإخراجي – وتوفي المحلي سنة 864 خ قبل أن يكمل باقي التفسير، فأتمه بعد وفاته السيوطي، وبدأ السيوطي بتكملة التفسير في مستهل شهر رمضان سنة 870 خ وانتهى منه في العاشر من شوال من نفس السنة.
وهو من كتب التفسير البسيطة في الشرح والتوضيح، واعتمدا على أسباب النزول في القرآن الكريم لزيادة الشرح – الكلمة ومعناها – ويعتبر هذا الكتاب – تفسير الجلالين – بمثابة القاعدة النورانية العُمْدَة الأساس التي أخذ المفسرون عنها والفقهاء قديماً وحديثاً لكل كتب التفاسير كالطبري والقرطبي وخلافه.
وغالباً ما يدرس للمبتدئين الدارسين لعلوم القرآن في الخلاوي بالسودان والجهات ذات الصلة، ثم يُلحقوا بآخرة بدراسة الفقه والحديث والتفسير واللغة العربية نحواً وصرفاً وقد قامت الخلاوي في السودان منذ نشأتها في القرون الأولى لهجرة المسلمين لبلاد السودان الغربي لبحر القُلْزُم.
بذات النهج والطريقة حتى يومنا هذا؛ وظهرت بحكم الوقت والتطور تقنيات حديثة بإدخال التكنلوجيا العصرية إليها كالحاسب الآلي والتابلت والهواتف الذكية والإنترنت والمفروشات الأرضية المزخرفة والأنيقة وما أشبه، وسيلة نافذة وسريعة لتوصيل الفهم القرائي للطالب وبعدوا جداً عن المقامات القديمة التي أخذ منها كبار الشخصيات والرموز الدينية في كل بلاد المسلمين.
واستبدلوا قلم البوص واللوح الخشبي والحبر المتنخل من عصارة القرض ومن صدأ الحديد الذي لا يمحوه الماء بالطباشير والتسجيلات الصوتية الحديثة للقراءات القرآنية وكل علوم الشريعة الإسلامية وأحلوا قومهم دار البوار.
والله المستعان ولم يتجاوز سني العاشرة من العمر أمام والدي وإذا أخطأت في القراءة كان يقوم بتصويبي رغم جهلي بما اقرأ ولا أعي، ثم توجه إلى العزف المنفرد على بعض الآلات الموسيقية وهو في سن الواحد والعشرين وطاف بها ربوع السودان المختلف.
في رحلة الخطوط الجوية المصرية المتجهة من الخرطوم إلى القاهرة سنة 2008 منتصف يونيو على ما أذكر، كان أول مرة أقابل فيها الأستاذ الموسيقار ونحن داخل الطائرة فوق السحاب، رأيته جالساً في المقاعد الأمامية فلم أقدر على الجلوس في مقعدي وقامة مثله بجواري فكان لا بد من الإسراع إليه وتعريفه بنفسي وكان يحمل معه رسالته للدكتوراه.
ورأيتها مكتوبة على ورق كثير الصفحات ثقيلة الوزن؛ بغرض إلقاء محاضرات عن الموسيقا بمدينة 6 أكتوبر بالقاهرة في إحدى القاعات المخصصة لذلك وكنت آنذاك وما زلت أكتب للصحافة السودانية والعربية والعالمية، وأخبرته بأنَّ هذه الدردشة بمثابة حوار صحافي سينشر في الصحف السودانية والالكترونية فيما بعد.
وقدَّر الله ألَّا أكتب إلَّا اليوم بعد مضى ستة عشر سنة وما زال في الذاكرة الكثير من تلك الكلمات التي حفظتها منه وأعدتها عليه ليلة أمس ونحن في مقهى الباشا بالقاهرة حي فيصل الجميل ولم يغير فيها شيئاً.
أنا استطردت هذا الاستطراد والسرد لأبين للقارئ العزيز بصمة الأستاذ في الوطن العربي وأنا شاهد على ذلك وهو يُمَثِّل نفسه ووطنه بفنه وفكره وعلمه للمواطن العربي والمثقف المختص منهم بالتحديد.
وفي المقابل لم أسمع عن أيٍ من المسؤولين السودانيين أن قام أحدهم طيلة عطاء الأستاذ الإنسان (أنس العاقب حامد) الذي جاوز الخمسين سنة من العطاء الثر المتواصل في الإعلام والتدريس والموسيقا والشعر والتمثيل والإخراج والفنون وما أشبه، بتكريمه التكريم المستحق.
ومن هذه الكلمة أرجو من المسؤولين السودانيين تكريم الرجل بكل ما هو متاح فهو يستحق كل الشكر والتقدير والاحترام لخدمته الطويلة في الإنسان السوداني والعالمي بلا من ولا أذى إن شاء الله يوم شكرك ما يجي يا أنس ود رابحة بت رضوان، قال كثير عزَّه وهو من المتشيعة لعلي بن أبي طالب:
تكاد عطاياك تسل ضغني * وتخرج من مكامنها ضبابي
وما زال يرقيني لك الراقون حتى * أجابت حية بين اللصاب
هذا ! للأستاذ الدكتور علاقات عامَّة وخاصَّة مع كافة أطياف المجتمع المعرفي السوداني والعالمي خاصة في مجال الإعلام والموسيقا والدراما والتدريس بالجامعات السودانية فهو أقدم من الموسيقار الدكتور الماحي سليمان، في مجال الموسيقا، وزميل للأستاذ البروفيسور صلاح الدين الفاضل شفاه الله وعافاه، مدير الإذاعة سابقاً وصديق مُقرَّب للدكتور الإعلامي المتميز عمر الجزلي ووفي للشاعر المجيد محمد نجيب محمد علي شفاه الله وعافاه – ويكن بالود كُلَّه أو جُلَّه للأستاذ الدكتور جمال الدين عثمان – الإعلامي المتميز جداً – والأستاذ المهندس المرحوم الطيب مصطفى (مدير التلفزيون السوداني الأسبق، الذي يعتبره خير من استلم مقاليد إدارة التلفزيون طيلة العهود السابقة).
والأستاذ الدكتور غازي صلاح الدين العتباني (وزير الإعلام الأسبق والقيادي السياسي المعروف) وعدد كبير جداً من شرائح الوسط السوداني العريض من الرياضيين والأدباء والشعراء والفنانين والموسيقيين، كما له عدد من المقالات منشورة في الصحف السودانية المختلفة وبالذات عن الدكتور الموسيقار الراحل محمد وردي (فنان أفريقيا الأول) منشور على الإنترنت وعدد من دواوين الشعر لم تر النور بعد ومؤلَّفيه لنيل درجة الماجستير والدكتوراه غير منشورتين وغيرهم الكثير والكثير.
ما كتبه الأستاذ سراج الدين مصطفى بصفحته على الفيسبوك: حينما تأتي سيرة أغنية ( ليل الشجن) يطل الدكتور أنس العاقب والبلابل، وهذا العمل الغنائي المختلف شكلاً ومضموناً وهو سابق لزمانه من حيث التركيبة اللحنية للأغنية التي برع فيها الدكتور أنس العاقب ويتمظهر جمالها سافراً بصوت البلابل وهن يرددن:
في ليل الشجن والشوق
سألت عليك وناديتك
لقيتك في السماء نجمة
لقيتك في الصفاء نسمة
لقيتك في الصباء كلمة
وناجيتك وما رديت
الدكتور الموسيقار أنس العاقب أستدعي تلك الأيام قائلاً : من المؤكد أن الشاعر عزيز التوم واحد من النماذج الشعرية الباذخة ذات القيمة العالية، التقيته حينما كان مديراً لمكتب وزير الثقافة والإعلام المرحوم عمر الحاج موسي، نشأت بيننا علاقة حميمة وحبيبة، فهو كان يحب طريقتي في الغناء والتلحين ويري بأنني متجاوز في أفكاري الغنائية والموسيقية، والرجل للتاريخ أسهم في تأسيس قسم الموسيقا بالمعهد، حينما كان محصوراً علي دراسة الدراما فقط.
وهو كان يري بأنني أيضاً أصلح بأن أكون ممثلاً، وقد حدث ذلك بالفعل حينما كنت أديت دور المادح في مسرحية الخضر، ولكن التعاون الإبداعي الأول لم يكن في أغنية ليل الشجن، بل كان عبر نشيد لثورة مايو أسمه (قسم الوطن) قمت بتلحينه وتغني به كورال معهد الموسيقا والدراما وكان ذلك في العام 1974 في مسابقة أقامتها وزارة الثقافة احتفاء بالعيد الخامس لثورة مايو.
ويضيف الدكتور أنس العاقب: بعد تلحيني لنشيد (قسم الوطن) تعمقت العلاقة ما بيننا وذلك ما جعله يأتيني ذات اليوم وهو يحمل مطلع لقصيدة قال بأنَّها بداية لعمل ملحمي كبير يعبر عن الثورة وفيه بعض الأمنيات وكانت ذلك المطلع هو قصيدة (ليل الشجن)، ولكني خالفته الرأي حيث كنت أرى هذا المطلع هو قصيدة مكتملة الأركان لما يحتشد به من حس صوفي وحشد هائل من العاطفة الدفَّاقة، لذلك قمت بتلحينه بروح صوفية.
وبعد تلحين الأغنية كنت أرددها في الجلسات الخاصة وفي كل مرة أقوم بتعديل لحنها ، كان ذلك في العام 1976حينما لحنت قصيدة ليل الشجن ووقتها توطدت علاقتي بهن وتغنين لي ببعض الأغاني مثل (عمر الهنا) و(أسالمك في عيون الناس) والكثير من الأغاني التي لم تخرج للناس ولكن ليل الشجن وجدت حظها من التداول والانتشار بعكس باقي الأغاني.
روَّح معاك عمر الهنا يا الفرقتك تمت سنه
دي شويه من عمر الزمان لكن كتيره علي أنا
الليل يفوت بهمنا جيتك علينا بتهمنا
مستني بعد الحول شنو راجي الظروف بتلمنا
سفرك نشوفه حلم حلم سكتنا بيك يا ريت تلم
مالو الفراق طول كده ولا الزمان قال نتحرم
بيتنا الغمام ما ظلله والناس يجونا ويسألوا
ما قال خلاص قرب يعود خبر الرجوع
ما رسله سفرك نشوفه حلم حلم
سكتنا بيك يا ريت تلم
مالو الفراق طول كده ولا الزمان قال نتحرم
بيتنا الغمام ما ظلله والناس
يجونا ويسألوا ما قال خلاص قرب يعود
“لقاء فوق السحاب” لقامة الرجل أولاً ولحقيقة اللقاء الأول الذي جمعني به كان فوق السحاب بطائرة الخطوط الجوية المصرية المتجهة من الخرطوم إلى القاهرة ثانياً، مع الدكتور الموسيقار الرائع أنس العاقب حامد.
قصة لا تنتهي ورواية لن تكتملفقد قيَّض الله لي أن أحظى بشرف اللقاء وكتابة هذه الأسطر في حَقِّه على قصرها ودون المقام والكبرياء في نفسي وحَقِّه بلا شك – بإحدى ليالي الشجو والشجن القاهرية الجميلة بمقهى (الباشا) في حي فيصل الراقي، على أمل أن التقي به وبكم في مدونات تليق بمقام الرجل ومقداره الأنيق وأعتذر له ولكم عن التقصير والشأو فقد عجزت عن الوصف والتوصيف، وقيمة كل أمرئ فيما يحسنه، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم.
شكرررررررراً نبيلاً على المشاركة