آراءثقافة

ولادة العبقريات

..فخلاصة النهضة الأوروبية تدين لمائة دماغ ولو تم اغتيالهم واصطيادهم على أيد مخابرات الكنيسة لما كان هناك نهضة وناهضون

كان المدفع هو الذي فتح ثغرة في فكر أرسطو، فأرسطو الدماغ الأكبر كان يرى أن سرعة الأجسام عند السقوط تتزايد لأنها تتحرك في (شوق) إلى موقعها الطبيعي المنخفض!! وأن الجسم يلتمس سعادته (كذا) بالسقوط عموديا إلى الأرض حتى جاء (نيكولو تارتاجينا) وهو اسم مستعار ومعناه (المتلعثم).

فأصدر كتابه المترجم (عام 1543م) عن أرخميدس، وأن مسار الأجسام في الأوساط يعتمد قوانين نوعية. ولم يكن قانون الجاذبية بعد مكتشفا، وفي هذا العام 1543م أصدر (كوبرنيكوس) كتابه عن دوران الأرض والشمس؛ فزلزلت الكنيسة، ويصف المؤرخ (ديورانت) هذا العام بأنه عام العجائب، لأنه تم خرق (التابو) في (الفلك) و(الجغرافيا) و(الجسد).

فأما الفلك فقد تحولت الأرض إلى ذرة تافهة في المحيط الكوني على يد كوبرنيكوس.

وأما الأرض فقد مسحها ماجلان بعد أن كان المظنون أنها جالسة على قرن ثور؟

وقام (فيزاليوس) بخرق حرمة الجسم فبدأ في تشريحه، حتى طاردته الكنيسة، فهرب إلى أسبانيا، وهناك قام بضربته العبقرية في إنقاذ ولي العهد (كارلوس) من نزف في الدماغ، حين ثقب الجمجمة، فاتهمته الكنيسة من جديد، بأنه حليف للشيطان، فهرب مرة أخرى من أسبانيا والعبقريات لا تولد هكذا..

ولعل سرها كما رواه (جيمس بيرك) في كتابه (عندما تغير العالم) أن نوياته الأولى هي من نشاط علماء متبتلين، جازفوا بحياتهم ضد محاكم التفتيش، مثل (مارين ميرسين) الذي قام بنشاط خطير عام 1630م، حين بدأ يعقد جلسات علمية مرتين أسبوعيا، لاستقطاب الأدمغة في أوربا، وفي مجلسه ذاك وصل (ديكارت) إلى منهجه في الهندسة التحليلية مع طنين ذبابة.

وفي هذا المجلس وضع الكاهن (مارين ميرسين) كتاب (المسائل) حول البحث العلمي وانه يقوم على ثلاث قواعد:

رفض كل ما يتعلق بسلطة سابقة. اعتماد الملاحظة المباشرة والتجربة. وصياغة النتائج على شكل رياضي.

وكما يقول (مالك بن نبي) أن تفاحة نيوتن عند (جده) لم تزد عن قضمات من فاكهة ممتعة، كما كان يفعل الملك (هنري الثامن) وهو يقتل خمسة من زوجاته الستة بالساطور والبلطة في الوقت الذي عاش نيوتن في ظروف متخمرة، قدحها نشاط جم في أوروبا، وتيار متدفق من العبقريات، بدأت تأخذ التأثير العكسي المتبادل.

وهكذا ولدت العبقريات، وعلى نحو متدفق متسلسل، ففي عام 1615 م اكتشف (كبلر) قانونه الثالث في الفلك، أن الكواكب تتهادى في الفلك الأعلى في مواقع تتراوح بين (مربع) السرعة، ومكعب البعد؟

ووصل إلى ذلك من تأمله دنان الخمر، وكيف يقيس تجار الخمور حجم البراميل بعصا مائلة. لاننس قانونه الأول عن الدوران الاهليلجي للكواكب حول الشمس وأنها مختلفة السرعة حسب قربها وبعدها من الشمس.

وفي عام 1628م اكتشف (وليم هارفي) الدورة الدموية.

وفي عام 1632م وضع (جاليلو) كتابه المزلزل عن دوران الأرض والشمس، ومعها سقطت ورقة التوت عن عورة الكنيسة، بعد أن دخلت القرن السابع عشر بمشاعل مخيفة من محرقة (جيوردانو برونو).

الذي خالف الكنيسة بوجود عوالم لانهائية، فهي من آيات الله في السموات والأرض، وما بث فيهما من دابة، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير.

وفي عام 1637 م وضع (رينيه ديكارت) (المقال على المنهج)، فكان بذلك من البناة النظريين للحضارة الحالية.

وفي عام 1648م قام (توريشللي) بقياس الضغط الجوي.

وفي عام 1661م شق (بويل) طريقه إلى الكيمياء الحديثة، وبذلك انتهي العصر اليوناني في فهم الكون على أساس العناصر الأربعة، لينتهي مع (ديمتري مندلييف) الروسي في تصنيفه (الدوري) الرائع عن العناصر المعدنية.

أما (أوجست كيكول) فقد جاءه الوحي من المنام على شكل أفعى تلتقم ذيلها، فكان منام صدق فتح الطريق للكيمياء العضوية.

وحسب (برتراند راسل) في كتابه (النظرة العلمية) فخلاصة النهضة الأوروبية تدين لمائة دماغ، ولو تم اغتيالهم واصطيادهم على أيد مخابرات الكنيسة، لما كان هناك نهضة وناهضون.

ونحن في العالم العربي اليوم نعيش هذا العصر من ظلمات ومخابرات العصور الوسطى، في عصر ما قبل الثورة الفرنسية حتى يأذن الله بالفرج؟

وهذا يذكر بكتاب الاعترافات الخطير الذي وضعه الكاهن (جان مسلييه) فحين قرأ أهالي الأبرشية وصيته؛ نبشوا قبره، ولعنوه، ونشروا عظامه، وتبرئوا منه، بعد أن خدم الكنيسة ثلاثين عاماً، معترفا بأنه كفر بالبابا والكنيسة، ولم يتجرأ حتى (فولتير) على نشر كامل الوصية، بل اقتطف مقاطع من وصيته، فيها من الوهج والطاقة ما تتحمله عقول القراء دون أن تحترق…

وهكذا فأوروبا الحالية لم تتخلص من قبضة مارد الفاتيكان بسهولة.. الذي يظن البعض أنه سيفتح الطريق للسلام العالمي، بعد أن تخلص العالم من الكنيسة وسلامها لم يكن بالغه إلا بشق الأنفس؟..

وقام (دين كيث سايمنتن) في كتابه (العبقرية والإبداع والقيادة) بدراسة جدية معمقة لكل العناصر المتعلقة بظروف ولادة العبقريات مثل: الدراسة العلمية لعباقرة التاريخ عموما، والأسلاف والمورثات والأجيال، والشخصية والطابع، والتعليم، والإنتاجية والنفوذ، والعمر والإنجاز،والجماليات والكاريزما، وروح العصر، والعنف السياسي وتثبيط البحث العلمي، وقوانين القياس التاريخية.

فوصل إلى نتائج مثيرة ينصح بالإطلاع عليها.

https://anbaaexpress.ma/lbzi9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى