بقلم: بقادة محمد فاضل
منذ حصول معظم دول القارة الافريقية على استقلالها خلال اواسط القرن الماضي عملت الانظمة التي ورثت الحكم و اخرى من حافظت على مكانتها في اعراش الحكم، على بسط سيطرتها و بناء دولة المؤسسات و ليس الافراد في تدرج عشري حتى اصبحت بعضها نموذجا للانتقال الديمقراطي و الارتقاء في المجال الحقوقي.
كما عمقت بعض تلك الدول السباقة علاقتها مع اقطاب عالم صناع القرار و اقطاب الاقتصاد وهذا من حقها في إطار ممارستها سيادتها، و من بينها جنوب افريقيا المتفردة بنظامها السياسي و الاداري و الغنية بثرواتها الباطنية و اقتصادها المحكم، الدولة ذات العواصم الثلاث، بريتوريا (العاصمة العمومية) و بلومفونتين (العاصمة القضائية) و كيب تاون (العاصمة التشريعية).
كانت في الأمس القريب تعيش أزمة عرقية أنهتها بقطع الصلة مع ماضٍ أليم، الدولة التي تحتضن شعب قبائل “الزولو” في وسط جغرافية البلد حيث لا زالت عاداتهم و تقاليدهم و لغتهم المحلية سائدة إلى اليوم و لكن لغة البلاد الرسمية شبيهة على ما أعتقد بلغة تتداول عند قوم يمرون كل يوم “بالويست مينستر”.. فهي الدولة التي دافعت عن حقوق الاقليات و العرقيات ودافعت عن مبادئ الديمقراطية.
وناهضت الأنظمة الشمولية، لكنها استقبلت زعيم الصين وغيرها في قمة البركيس و بوتين كان معرضا قضائيا للاعتقال لو تواجد حضوريا بالتالي فهي غير قادرة على حماية أقوى حليف لها في بناء مشروع البريكس و لم تلاقي الاخريات عندها بقبول ملف طلب إنضمام حليفتها الأكبر إفريقيا الجزائر إلى المشروع و هي صاحبة الدار، و ها هي اليوم تستقبل ستيفان ديميستورا في اطار جهود دولية لإيجاد حل لنزاع الصحراء.
فجنوب افريقيا بها ايضا هي الأخرى صحراء، هي صحراء كالاهاري التي تقطنها قبائل “البوشمان” ذات النمط المعيشي البدائي و هي مهددة بالانقراض على أرض غنية بالالماس و النحاس و اليورانيوم و النيكل فهل تمكنت جنوب أفريقيا الفيدرالية من ناصية تاريخ الصراع حول الصحراء و هل تعرف شيئا عن شُعبها و أوديتها و جبالها و عن دور نظام القذافي في بداية فتيل الصراع عن و أبو مدين من بعده في إستلامه لشعلة النزاع ؟؟؟
أطراف قضية الصحراء المعينون بالنزاع معروفة أسمائهم و الموقف الدولي الأخير واضح من أزمة قربت من إطفاء شمعتها الخمسين فالتقدم الذي يحرزه المغرب كمعني أساسي بهذا النزاع أزعج بعض الجيران سواء من قرب أو بعد منهم، تقدم في مرونة الخطاب الرسمي المغربي حول قضية الصحراء و مشاريع ذات أبعاد سياسية المتمثلة في مشروع الحكم الذاتي المقترح سنة 2007.
واشادة تكتلات إقليمية ودول عظمى به، و ديبلوماسية في الانفتاح على دول إفريقية و اخرى عربية من خلال فتح قنصليات لها بمدينتي العيون و الداخلة و إقتصاديا من خلال الاستثمارات السيادية بمدن إقليم النزاع و جلب استثمارات الخواص بما يفوره الاستقرار و الأمن الذي يعشيه الإقليم و انعكاس ذلك على ساكنة الاقليم، على المديين المتوسط و البعيد.
كل تلك المساعي تشكل نقلة نوعية تجاوز من خلالها المغرب مرحلة ما بعد سبعينيات القرن الماضي و الانفراج على المستوى الحقوقي و هو ما وجد صداً له في بأغلبية 30 صوتا انتخب من خلالها مجلس حقوق الإنسان السفير عمر زنيبر، الممثل الدائم للمغرب لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف، رئيسا له للدور الثامنة عشرة خلال عام 2024. تم ذلك خلال عملية اقتراع سرية أدلى فيها جميع أعضاء المجلس البالغ عددهم 47 عضوا بأصواتهم.
و لأن لغة السلام أضحت تقلق الكثيرين من مرتادي نادي العنف و الحروب، فالمغرب قدم أوراق إعتماده للساحة الدولية لنقاش قضايا السلم و الأمن و مد يديه لأجل ذلك داعيا المجتمع الافريقي و العالمي الى التحلي بالحكمة كلغة لحل كل القضايا العالقة خاصة قضية الصحراء و قضايا الساحل الافريقي و المنطقة المغاربية.
و في ذات الشأن قطعت حركة صحراويون من أجل السلام حديثة العهد على أن يكون سلاحها السلام و آليتها الحوار في سبيل ايجاد مخرج آمن للصحراويين شرق الجدار نحو العودة لأرضهم ووطنهم الأصل و توفير ظروف العيش الكريم الذي تضمنها و تنادي بها كافة المواثيق الدولية.
فما الذي منع المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا من توجيه نظرته نحو ما تحقق في ارض النزاع و تحليقه بعيداً بطائرته إلى جنوب افريقيا كان حريا به السفر الى الجزائر، فهي الأقرب اليه جغرافيا و إلى أرض النزاع و أقل كلفة، حيث العقبة الكبرى أمام أي إستمرارية للحوار و الحائل أمام أي صوت حر للصحراويين، فمن المفروض ان يحذوا ستيفان حذو الولايات المتحدة الامريكية التي لم ترسل مبعوث خارجيتها صوب بريتوريا، فوجته كانت صوب اطراف النزاع المباشرين.
فما تداعيات تصرف المبعوث أممي حول نزاع الصحراء على مسار إيجاد حل واقعي و سلمي و مقبول ؟
* رئيس مركز الدراسات السياسية و الاستراتيجية بحركة صحراويون من أجل السلام