
عبده صديقي، أستاذا للغة العربية بما للكلمة من معنى، مفوه إذا تكلم و صاحب قلم رصين، دروسه كانت تجعل التلاميذ يحضرون بل ينتظرون حصته بفارغ الصبر لحصول المتعة و الإفادة، عندما تكون حصة الشعر تكون المتعة أكثر ،خاصة عندما يتلو القصيدة أو عندما يبحر في الشرح، وهو ايضا قاص يكتب القصة..
حدث ذات يوم أنه لم يحضر لحصص الصباح و هذا ليس من طبعه و لا عادته، مم طرح تساؤلات لدى التلاميذ ؟
في صباح ذلك اليوم الذي تغيب فيه و كعادته نهض صديقي الاستاذ و توجه نحو المطبخ و وضع في إناء ماء و في إناء آخر حليبا فوق جهاز الكهرباء لإعداد القهوة، و في إنتظار ذلك دخل للحمام ليغسل وجهه و يديه فارتد الباب من ورائه فاغلق بسبب عطل وقع له من قبل و لم يصلحه.
هنا عمل صديقي جاهدا لكي يخرج من الورطة التي وقع فيها فلم يستطع إلى ذلك سبيلا فبقي داخل الحمام متحسرا فحاول ان يدق بيديه على الحائط الملتصق بجاره و الذي كان ضعيف السمع، و تذكر انه في تلك الأيام التي سبقت تهاون و ترك المواضبة على صلواته، فكيف له الآن أن يصلي و هو موجود في غرفة بداخلها مرحاض.
فندب حظه السيء، بالإضافة إلى أن زوجته ذهبت في نهاية الأسبوع لزيارة والدته و إخوته فقال يا لها من نهاية بئيسة، و في هذه الأثناء توجه التلاميذ نحو شقته لمعرفة سبب غياب أستاذهم، فعندما وصلوا قرعوا الباب و لا مجيب، فكان من بينهم شابة تتوفر على رقم هاتف زوجته، فربطت الاتصال بها و ظل هاتفها يرن دون جواب، و كانت تظن وتعتقد و تقول ربما أن المتصل أخطأ الرقم، و في الأخير و بعد عدة محاولات قررت أن تجيب.
فصدمت لما علمت أن زوجها لم يذهب للعمل، و في تلك اللحظات خرجت مسرعة نحو محطة القطار للحصول على تذكرة تمكنها من الوصول و معرفة ماذا جرى ووقع ؟ و لكن من سوء حظ زوجها و حظها أن القطار المتوجه للمدينة التي يقطنان بها سيتأخر لمدة ساعة مما أثار غضبها.
و بالفعل إنتظرت و لما وصلت للحي وجدت طابورا من التلاميذ و بعضا من السكان ينتظرونها في ذهول، فلما فتحت الباب وجدت الحليب منسكبا و باب الحمام مقفلا.
فلما فتحته إلتقت عيناها بعيني زوجها و في تلك اللحظة سقط مغشيا عليه، و لما إستفاق حكى حكايته و ما دار في خلده و هو في محبسه و الجميع مندهش أيضحكون مما يحكي أم يبكون على حاله الذي وجد عليه.
فكان مما حكى لهم قائلا: لما أغلق الباب من ورائي تذكرت الموت و تذكرت التوبة و تذكرت أنني منذ أيام تركت أداء صلواتي، فكيف لي أن أصلي و أنا بداخل غرفة النظافة و التي بها مرحاض، كيف ألقى ربي و أنا على هذه الحال.
و قلت إنها النهاية جاري سمعه ضعيف و زوجتي بعيدة عني، إنه حتفي و ما هي إلا ساعات و ألقى ربي و هو عني غاضب فاستسلمت للأمر الواقع و دخلت في غيبوبة بعد طول إنتظار إلى أن سمعت باب الغرفة يفتح فوقع بصري على زوجتي و دخلت في غيبوبة ثانية إلى أن فتحتها و أنتم من حولي..
هنا تكون حكايتنا قد انتهت و في انتظار حكاية اخرى أترككم في أمان الله و حفظه.