الفعل والفاعل
هذه معضلة فكرية قديمة متجددة بتطور حركة الحياة، ذلك لما فيها من سوء فهم وتقدير لمصطلح (وحدة الفعل والفاعل) يدخل في زيادة الإشكال هو المتناقضات أو المتداخلات من عمليتي القوانين الثابتة والمتحركة في الوجود وعلى قمتها البشر مثل: الخير والشر العجز والإرادة، النقص والكمال، العلم المسبق والفعل المحدث وما بينهما من خلاف واختلاف – العدالة الإلهية مثلاً – الجبر والاختيار؛ الطاعة والمعصية، أو المنزلة بين المنزلتين كمصطلح فقط لزيادة الشرح والفهم وما إلى ذلك من الصيغ والصبغات المتعارف عليها.
قال تعالى: { أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة؛ وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله؛ وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك؛ قل كل من عند الله ! فمال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثاً ما أصابك من حسنة فمن الله؛ وما أصابك من سيئة فمن نفسك؛ وأرسلناك للناس رسولا؛ وكفى بالله شهيداً } سورة النساء؛ نفهم من خلال الآية الكريمة السابقة ما أفردنا له عنواناً جانبياً.
وحدة الفعل والفاعل بمعنى لا فاعل في الحقيقة في الوجود المطلق لعظيم الأحياء والأشياء ودقيقها إلا الله؛ فنسب الإحسان المطلق له تعالى؛ ونسب الشر العارض للبشر؛ وفي ذات الوقت هو قدَّر الخير وقدَّر الشر قضاء وما بينهما من حلقات وتداخلات يعني حُكماً وعِلماً وإرادةً ومقدرة وحكمةً مسبقاً قانوناً ثابتاً في أعمدة الوجود وقانوناً متحركاً في البشر؛ فوجب فقه الحديث الحادث بين ظهرانينا نحن البشر لهذه القوانين الوجودية كقوانين دالة على قدرة الله في ثبوتها وحركتها قضاء وعدلاً لتحقيق العدالة الإلهية وإرساء دعائم القانون المجتمعي والدين ورد الظلم عنه مسبقاً.
ثم حركة حياة بيننا نحن البشر؛ فالخطأ والقصور والسيئات والجهل وخلافه من الإنسان – مطلق إنسان – والكمال والقدرة القاضية حكماً وعدلاً صرفاً محضاً حقاً مسبقاً وملحقاً لله تعالى وهذا هو فقه الحديث المراد منا أن نفقهه.
قررت الآية السابقة الآتي:
1 / القدر الحتمي للوجود (القانون الثابت) ومثاله الموت.
2 / الإصابة بالحسنة (القانون الثابت) من عند الله؛ وهو الخير المطلق الذي لا يشوبه شر مطلقاً ولا يعتريه النقص أبداً / تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً /.
3 / الإصابة بالسيئة (القانون المتحرك) من نفسك؛ أي النفس البشرية؛ ومثاله : المظالم بين الناس وردَّها وهو الشر العارض الذي لا وجود له في الوجود إذ الخير هو القاعدة النورانية الأساس والخلق المطلق في الوجود؛ والاستثناء هو الشر العارض الزائل بزوال الأسباب والمؤثرات.
4 / وحدة الفعل والفاعل (القوانين الثابتة والمتحركة) قل كلٌ من عند الله.
5 / الندب لفهم هذه القواعد والقوانين للبشر (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) بحكم التطور وإعمال عنصر الزمن بفكرة حكم الوقت في التنمية الاجتماعية والتنمية الحضارية.
6 / وسيط الفهم القرائي عن هذا وذاك (وأرسلناك للناس رسولاً) لتبين هذه الدلالات من خلال الفهم العام والندب لذلك.
7 / تفعيل وتحقيق وإظهار هذه القوانين في حركة الوجود (وكفى بالله شهيداً)؛ وتشير للحكمة من وراء وحدة الفعل والفاعل وإن غفل وجهل عنها الإنسان.
8 / التنبيه لما يراه الناس تناقضاً مثل قدرية الموت وحتميته الذي نقيضه الحياة وهما قانونان ثابتان في الوجود ؛ وكذلك الحسنة التي تقابلها السيئة؛ فقه الحديث والجهل به.
9 / القضاء المسبق المحكم في الإدارة والخلق والهيمنة والقبضة المسيطرة النافذة على الوجود الذي يسير نحو نهايته الحتمية بعلم الله الأزلي الأبدي وهو القدر المقدور في التكوين والبرأ المبروز والصيرورة والرجعي.
10 / عدم وجود أي إشارة تفيد بالمعتقد الديني وربطها بالعبادات مما ذكرنا آنفاً؛ وبالتالي فإنَّ كل ما أثير سابقاً تاريخياً لا عبرة به – أقلَّاها بالنسبة لي – وينتهي بنهاية عصره ووقته وجماعته وظروفه المحيطة به قدراً مقدوراً وقضاءً مفعولاً ، وإلَّا فدلني أيها القارئ الكريم عن هؤلاء القوم الذين صدَّرت بهم هذه المادة أين هم الآن وأفكارهم وما إلى ذلك ؟.
الحرية الشخصية والقيد الإجتماعي
نخلص في نهاية هذه الكلمة بالتطرق لمبدأي الحريات العامَّة والشخصية والقيود الإجتماعية بالسؤال المستَهْلَك لماذا يحاسبنا الله طالما هو قضى بعلمه وحكمه سلفاً وقدَّر لنا الشر فهذا استلاب لحرياتنا التي خلقنا لها فهذا تناقض كما ترى ؟!.
الإجابة مباشرةً : نعم! الله قضى بحكمه وعلمه قدراً هو الحريات كقانون ثابت في الوجود؛ قال تعالى : { واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم } سورة المؤمنون، كذلك حرَّك الله هذا القانون الثابت في الحياة ونشاطها وعلى قمتها الإنسان ليقيده الإنسان بنفسه إذا تعدَّى حرية الآخرين بموجب الدساتير الوضعية والقانون السيادي للدول بكل مستوياته ومسمياته والعرف المجتمعي والتقاليد والأحكام المتعارف عليها بينهم.
فحريتك مطلقة بلا شك لكنها تتقيد وتقف وتنتهي عند عتبة حرية الآخرين وإذا تعدَّاها من تعدَّاها صودرت منه بالقانون والعرف المجتمعي وما يلزم لتحقيق العدالة ورد المظالم وعنهما معاً – الحُرِّيات والقيود – من صنع الله وقوانينه في الوجود كقوانين، فهو يمثِّل وحدة الفعل والفاعل في ذات الوقت بفهم خلقه وقدرته وعلمه المسبق السائر نحو الصيرورة والنفاذ في إيجاد إعطاء الحرية للناس ومصادرتها في ذات الوقت؛ وهذا يُمَثِّل العدل الإلهي المطلق في الخلق بلا جِدال راجع الآية السابقة وما ذكرناه فيها وما أقرَّته.
لا أشك أبداً في أنَّ هذه الكلمة ستفتح باباً من النقاش وعدم قناعة تامة لدى البعض والعكس صحيح؛ وعساها فعل ذلك لتدخل حيز المعالجة والمراجعة قدر الإمكان وبالتحديد فك الربط بينها وبين المعتقد الديني فهي ظاهرة إنسانية طبيعية فكرية تاريخية فلسفية قديمة متجددة في كل العصور بكل المستويات والمسميات الاصطلاحية مصاحبة للبشر بحكم الوقت بمفهوم التطور.
لكنها ليست بحال من الأحوال قضية دينية أو سياسية أو فقهية رضي من رضي وأبى من أبى وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين.