آراءثقافة

المدرسة الرواقية في الفلسفة

إن الفلسفة إذا انقطعت عن الحياة لم تعد فلسفة...

ليس في العالم شر ..! هات لي أي شيء وسوف أحوله لك بعصا هرمز إلى خير !.. وهرمز في الأساطير اليونانية هو إله الحظ والرحلات والقمار ـ سم لي ما تشاء ؟ العوز ؟ الفقر ؟ المرض؟ بل حتى الموت ؟.

إن نظرة بسيطة إلى عمق المسألة تظهر لك جانب الخير فيه! إن الحياة يا أصدقائي مائدة عامرة بأطيب الطعام، يقدمها رجل خير عظيم؛ فإذا انقضى الأجل، وانتهت الحفلة علينا أن نغادرها؛ ونحن نشكر من دعا وعزم وأطعم بكل سرور.

إن الألم يأتي من عدم الانسجام والاندماج مع هذه الحقائق الكبيرة. فإذا أردنا لأنفسنا أن نسعد فعلينا أن نستسلم لهذه الحقيقة الراسخة بيقين” هذا ماقاله فيلسوف الخير من المدرسة الرواقية ابكتيتوس؟

يعد ابكتيتوس أهم فلاسفة المدرسة الرواقية. ولد عبدا، ومات حرا، وطرد مع فلاسفة روما المشاغبين، في القرن الثاني الميلادي، في لحظة غضب إمبراطور حانق، يكره أهل الفكر والثقافة، كما يفر أهل الفكر من جمهوريات الخوف والفقر والبطالة، فنراهم في الدياسبورا يبدعون فكرا وقولا وكتابة، وينشرون فكرهم في مواقع إلكترونية، بعد أن كسر العلم الجغرافيا فلم يبق حدود، وأصبح البشر في كل مكان خارج قبضة الديكتاتوريات، عباد الله إخوانا.

ومدرسة الرواقية هي تلك الطريقة في فهم الحياة وتبادل الأفكار في (الأروقة)؛ حيث يتم تبادل الأفكار في الهواء الطلق، مشيا على الأقدام، وهي طريقة محببة إلى قلبي، أفعلها كل يوم مع من أحب المشي والتحدث بحرية. والكثير من مفاهيمي جاءت من تلك اللحظات السنية. مثل برق في ظلمات من الإحباط العربي. وهذا هو عمل الفلسفة.

ولعل أهم أفكار فيلسوف التنوير (إيمانويل كانط) جاءته من (نزهة الفيلسوف) حيث كان الناس في كوينيجسبرغ يربطون ساعاتهم على ساعة الفيلسوف التي ما كانت تخطيء بعد الظهر، يرافقه خادمه المخلص (لامبيه)، ومن هذه الخطوات المباركات ولد كتابه (نقد العقل الخالص)، ومن توسلات خادمه لامبيه ولد كتاب (نقد العقل العملي).

وابكتيتوس كان عبدا، ولكن الفلسفة حررته، والرجل يقول إن الفلسفة إذا انقطعت عن الحياة لم تعد فلسفة، بل وجب أن تحرر الإنسان من ضغوطات الحياة وظلمها وتناقضها، فتقدم تفسيرا وراحة؛ وإلا كيف سنفسر طوابير القتلى في العراق وراوندا والبوسنة وغزة ؟ كما رواها لي صديقي سالم البوسني في مونتريال، الذي هرب من تيتو، ثم لحقه ابن أخته بعد ثلاثين سنة هربا من الصرب! أما مايحدث في غزة فهو الصراع الفارسي البيزنطي القديم يتجدد.

وإذا كان ابكتيتوس علما في التفاؤل، فإن الفلسفة بؤس عند ماركس وتشاؤم عند (شوبنهاور)؛ فالطبيعة تسحق الفرد ولا تأبه، في الوقت الذي تحافظ على النوع بكل عناد وإصرار.

ومشكلة الشر والخير أعيت عباس العقاد، ومن قبل ابن سينا كيف يفهم العالم؟ فخرجوا بنظرية (ملح العالم) وفي اللحظة التي تختلط علينا فيها الأمور يجب فهم الشر والحرب والمرض والموت (ملحا) في تجديد الحياة، فلولا الشر ما عرفنا الخير.

وكما كان الملح لوحده سما، فإذا فككنا مركبه عرفنا أنه كلور وصوديوم؛ يعتبر كلا منهما لوحده سما زعافا، كذلك كان الشر في العالم حين ينفرد أو يختلط،. وهكذا يجب فهم العالم وتحمله، لحين دخول عالم آخر ليس فيه هذه التناقض، كما قال القرآن ” لاظلم اليوم”.

وعند هذه النقطة يسعفنا (محمد كامل حسين) في كتابه (وحدة المعرفة) أن هناك ثلاث أخطاء رئيسية في التفكير عن (العلة) و(السببية) و(الثنائية)، يعتبر كلا منهم خطأ قاتلا معيقا في التفكير، و(الثنائية) تشكل ضلالا مبينا، فوجب رؤية العالم على شكل طيف متدرج، كل درجة في سلمه تعتبر خيرا في حد ذاتها، ولعلها شرا لما قبلها أو بعدها.

و حسب التحدي الأرسطي أن الغضب جيد إذا جاء في مكانه شر إذا اختلف. وحسب عالم النفس (هدفيلد) “أن الاندفاعات إن جاءت في موضعها كانت خيرا، فإذا اختلفت كانت شرا” فليس هناك من شر خالص بذاته، ولكنها فضيلة في غير مكانها. كما يقول الشاعر العربي أن وضع السيف في موضع الندى مثل عكسه.

وهذه المسألة وضع لها الفلاسفة منذ زمن بعيد قانون الوسط الذهبي، أن الفضيلة هي وسط بين رذيلتين؛ فوجب فهم العالم على هذه الشاكلة، مثل الشجاعة بين التهور والجبن، والكرم بين البخل والتبذير، والعفة بين الجمود والشره. وهكذا.

ومنبع الخطأ أننا نجعل من أنفسنا محور العالم، مثل قولنا أن الجو حار، لأن درجة حرارة الجو أصبحت ثلاثين، والطيور تتمتع بدرجة حرارة أربعين. ودماغنا يحترق إذا وصل لدرجة حرارة اثنين وأربعين، فوجب خفض حرارة الرأس بكل سبيل ممكن، بما فيها وضع الثلج مباشرة على الرأس، وهي إزعاج كبير للطيور؟

وكذلك في البرودة حين تنزل إلى الصفر. وفي كندا يكون الجو ربيعا حين تصبح درجة الحرارة صفرا عند الناس، فيستبشرون بنزول الثلج. وكالفن أنزل درجة الحرارة إلى 273,15 تحت الصفر، وسماها الصفر المطلق. وصل إلى ذلك رياضيا وليس تجريبيا، لإن كل جزيء للمادة يجمد عن الحركة في هذا الصفر الذي ما بعده صفر.

أما الحرارة فلا يعرف لها حدودا؛ فهي على سطح الشمس ستة آلاف درجة وفي باطنها تقفز إلى مليون، وهو ما فعله الأشرار من الناس حين أشعلوا القنبلة الهيدروجينية على وجه الأرض بحرارة باطن الشمس؛ أو هكذا خيل إلينا، فلولا قنبلة هيروشيما لم يولد السلام العالمي، ولولا الأشرار من رجال البنتاغون؛ أو هكذا يخيل إلينا؛ ماكتبنا مقالاتنا في الانترنت، وأرسلناها بومض البصر أو هو أقرب إلى مراكز نشرها.

وفلسفة القرآن تحيل إلى أفكار من هذا النوع فتقول عن الكوارث الاجتماعية أحيانا ” لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم”. فوجب الانتفاع من هذه الفلسفة كي تصبح الحياة مقبولة ومتحملة وإلا فمقابلها الحيرة والألم.

https://anbaaexpress.ma/6hvrq

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى