
سد مأرب أنشيء في القرن الثامن قبل الميلاد وتعرض لاربع انهيارات تم ترميمها باستثناء الأخيرة، وكان الانهيار الأخير عام 575 ميلاد بعد ولادة رسول الرحمة بخمس سنوات، حيث ولد محمد ص عام 570 ميلادية. يعتبر من جبابرة الانجازات فهو أعظم من سد هوفر التحفة الأمريكية بمرتين.
في سد هوفر اجتمع 16000 عامل لمدة ثلاث سنوات حتى تم تشييده عام 1936م. كان طول سد مأرب 577 متر مقابل هوفر 379 متر. عرض سد مأرب 915 متر مقابل هوفر عرض القاعدة 200 متر، فاي جبروت امتلكها اليمنيون يومها من قوة إرادة الحضارة السبأية.
في سد هوفر إشتغل العمال في الخيام في ظروف بائسة ومات من المياه الملوثة والحر والأمراض 112 شخصا، واستهلك من المواد في سد هوفر مايعادل 4.5 مليار يارد مكعب مايمكن بناء طريق بعرض 5 امتار من سان فرانسيسكو حتى نييورك بكلفة 49 مليون دولار.
يومها ماقدر في عام 2005م بمبلغ 676 مليون دولار وهو الآن مع هذه الحلقة يقفز إلى رقم مليارات. في سد مأرب تم التاكد بست عينات من النظائر المشعة عن تاريخ السد.
استخدم في سد مأرب الصخور المثبتة بمسامير من خليط الرصاص والنحاس بطول 16 متر وقطر 4 سم لدمج الحجارة المقطوعة من الجبال الراسخات، واختزن السد مايروي 98 كم مربع ماحقق لهم الاكتفاء الغئائي الذاتي.
من تفسيرات خلفية الانهيار أربع عناصر من الطبيعة وتنازعات الزعامات وعدم الصيانة وأصابع فارسية كما هو حال الحوثيون اليوم مع إيران.
توينبي تكلم عن نفس الظاهرة التي لجمت الامتداد العثماني إلى اوربا الخنجر الفارسي في الظهر. نسجل اليوم احداث غزة وأصابع إيران في النكبة الجديدة.
لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازب إلا الكفور.
السؤال ماهي طبيعة الكفر الذي فعلوه حتى انتهوا إلى الدمار والتمزق ومزقناهم كل ممزق. على مايبدو وقعوا في الأخطاء الثلاث الكبرى عدم الدقة في البناء فانفجر السد، وعدم الصيانة والمراقبة فكان السيل العرم، وأخيرا شهوة التوسع فتمزقوا مع امتداد المسافات.
حتى اليوم ليس عندنا معلومات تفصيلية عن مناسبة اجتماع القمة الذي حصل بين ملكة سبأ ونبي الله سليمان عليه السلام في القدس قبل ثلاثة آلاف عام. وليس عندنا فكرة عن ظروف انهيار السد العظيم في مأرب.
كما لا نحيط بالظروف التاريخية والمناخ الاجتماعي والنفسي الذي مكن لصعود أكثر من امرأة الى سدة الحكم في اليمن منهم ملكة أخرى مشهورة اسمها أروى.
وذكرت الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي بحثاً تفصيلياً في كتابها (سلطانات منسيات) أسماء العديد من الملكات اللائي حكمن اليمن الذي سمي سعيدا واعتبرت الجنة في عدن حسب رؤى الأقدمين.
ورأى البعض في المجتمع اليمني يوماً ما مجتمع أمومة خلافا للمجتمعات الحالية التي يتحكم فيها الذكور. ونحن اليوم بواسطة الكشوف التاريخية التي بدأت منذ فترة قريبة نعرف أن سر غنى اليمن كان بسبب البخور المستخرج صمغه من الشجر.
حيث تجرح الشجرة في عدة امكنة في فصل الصيف في يوليو القائظ وتترك ليسيل منها دمها الذي يجري على شكل عصير يتجمد مثل شمع العسل بلون ذهبي أو صمغ الراتنج فإذا احرق تصاعدت منه أبخرة كثيفة.
ولشدة تعلق الناس بها فقد أمر نيرون عندما ماتت محظيته (بوبيا) أن يتم حرق المستورد منه لمدة عام كامل على قبرها. وكانت روما تدفع من عملتها 100 مليون سسترس (مايعادل دولار اليوم) كل عام.
ونعرف أن اللقاء التاريخي الذي جرى على الأغلب عام 950 قبل الميلاد بين ملكة بلقيس وسليمان وهو من أكثر اللقاءات مدعاة للأثارة وظهرت هذه المرأة وهي تملك من الحكمة واللباقة من التصرف ماخلدها القرآن بكلام في غاية الجمال، وآثرت حل الإشكال السياسي بطريقة سلمية.
وحضرت بنفسها لتتعرف على سليمان، ولما تعرفت على دعوته لم تتردد في اعتناقها وتعلن خضوعها لرب العزة والجلال كما ذكر القرآن بتعبيرها وأسلمت (مع) سليمان لله رب العالمين، وليس أسلمت رقبتي لسليمان .
بل إن ماجاء في القرآن عن الفاظ القوة والاستعباد على لسان الحاكم العسكري من ذبح الهدهد وسوق الجيوش ليأتوا صاغرين (ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون).
أو العسكر حول الملكة أنهم اولي قوة وعضلات ولكن الفكر والقرار لها السيدة الحكيمة. وكيف امتحنته هل هو باحث عن المال أو ثمة شيء آخر خلف استعراض العضلات الذكورية. فحملت نفسها لزيارته والتعرف عليه من كثب لترى عدلا وتفوقا تكنولوجيا من صناعة الحديد والزجاج بل وبناء قصور من صرح ممرد من قوارير.
كما أن المعلومات المتوفرة تقول أن انهيار السد العظيم كان قبل فترة قصيرة من بعثة الاسلام وذكراه مازالت طازجة في الأذهان وكان ذلك عام 575 للميلاد. وتعكف اليوم بعثة ألمانية حضرت الى المنطقة في ظروف صعبة من اختطاف الأجانب والحكم القبلي قد أحضرت معها معدات دقيقة للسبر وحوالي 35 باحثاً وخبيرا في الآثار بالأضافة الى خبراء في اللغة والكتابة الحميرية.
وقد تم الكشف عن ثلاث مناطق مهمة الأولى في مأرب والثانية قريبة منها في منطقة أوسان والثالثة مقبرة عوام وفي الأخيرة تم العثور على ماسموه مقبرة مانهاتن لوجود أبنية عملاقة من الطين بارتفاع عشرات الأمتار مخصصة لقبور مالايقل عن عشرين الف انسان.
ويبدو أن مأرب كانت عاصمة عملاقة في يوم من الأيام وقد صمدت حاضرة الامبراطورية وامتدت حتى ظفار وحضرموت والصومال واثيوبيا على شكل مستعمرات لها الى درجة أن الامبراطور هيلا لاسي الذي حكم الحبشة اعتبر نفسه من نسل هذه السيدة بعد 250 جيلاً.
وتطرقت مجلة در شبيجل الألمانية الى الرحلة التي كان يقوم بها تجار البخور الى مسافة 3700 كم، وتقول أن الطرقات كلها لبيع هذه المادة الثمينة كانت صعبة جدا أو مستحيلة فلا السفن مناسبة ولا رياح البحر الأحمر الشمالية مواتية ولا الطرقات مأمونة من القراصنة وكانت الصحراء قاحلة قاتلة.
وجاء الحل من استئناس الجمل الذي يمكن أن يتحمل الرحلة لأيام بدون شرب الماء. وكانت الرحلة تستغرق أربعة أشهر في المتوسط.
وهكذا قطع التجار رحلة الشتاء والصيف يحملون هذه المادة الثمينة للوصول بها الى مكة ثم البتراء ثم غزة والاسكندرية لتتابع طريقها الى روما وأثينا في أوربا. وكان يباع الكيلو من هذا الصمغ بما يعادل أجرة عامل لمدة شهر.
واستعملته الكنيسة للبخور في أروقتها وكذلك السحرة والمشعوذون والمنجمون. كما استخدم في التطبيب كمادة طاردة للحشرات وقاتلة للجراثيم. والمهم أن اليمن السعيد اغتنت من وراء هذه المادة التي احتكرت انتاجها وبيعها الى العالم فضلا عن التوابل من الهند والحجار الثمينة ولآليء الخليج.
وبذا بنت امبراطورية مهمة وكانت مساحة مدينة مأرب في يوم من الأيام 110 هيكتار ماهو أضخم من مدينة طروادة التي تغنى بها هوميروس أربع مرات. واليوم تعكف البعثات العلمية على كشف النقاب عن حضارة عظيمة مغيبة تحت الأطلال. وكما قال القرآن فمزقناهم كل ممزق وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لايؤمنون؟