بقلم: نجية مختاري
في خضم الوثائق التاريخية الغزيرة التي توثق لمعركة بوكافر الشهيرة ضد المستعمر الفرنسي تسلل الروائي المغربي سعيد بودبوز من بياضات الأحداث ليعيد نسج وقائعها في أسلوب سردي مكتمل، تتخللها قصة حب جميلة راقية يتداخل فيها الحب بالحرب بحيث لا يصبح للواحد معنى بدون الآخر.
سعيد بودبوز كاتب مغربي من مواليد 1980 يكتب في الرواية والقصة القصيرة والمسرح والنقد، وفاز بجوائز مهمة منها: “جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي” (المرتبة الثالثة) عن مجموعة قصصية بعنوان “ثور وثورة” سنة 2017 وجائزة “الهيئة العربية للمسرح” (المرتبة الثانية) عن نصه المسرحي “الحفّارون وقادة الهرب” سنة 2020.
رواية “أنثى بوكافر” تصنف في أدب المقاومة، تروي أحداث ووقائع مقاومة قبائل أيت عطا في الجنوب الشرقي للمغرب للاحتلال الفرنسي بكل قساوته وإغراءاته وحيله وعدته وعتاده وقياداته المحنكة في الحرب من أجل إذلال وإبادة المقاومين وإخضاعهم لسيطرته، وهي معارك تقدر بالثلاثين معركة يشهد لها القادة العسكريون الفرنسيون قبل الأهالي الذين لم يكن في حسبانهم التوثيق الإعلامي لها.
والكاتب سعيد بودبوز افتتح على هامش البدء روايته مستفيدا من مرجع تاريخي بعنوان “التاريخ السياسي للمغرب الكبير” لعبد الكريم الفيلالي، بذكر نصب تذكاري بناه الفرنسيون على طريق جبل صاغرو تمجيدا لسقوط أبطالهم وقادتهم الفرنسيين في معارك بوكافر.
وذكر شهادات تعظم من صمود المقاومة التي لم يشهد لها مثيل، بل تمنى أحد القادة منهم لو كان من المقاومين شاعرا يخلد ملاحم هذه المقاومة البطولية، ولعل سعيد بودبوز يكون قد انبثق من المستقبل بعد مرور 90 سنة على معارك بوكافر ليحيك تفاصيلها من جديد في حلة سردية حية محافظا على التهاب القناعات، وصلابة التضحية، والتحمل الخارق للظروف التي طوق فيها المستعمر المنطقة من جهات أربعة، وحنو قمة بوكافر على حماية أهاليها بخنادقها ومغاراتها وحفرها وأحجارها.
أما وقد قرن الكاتب عنوان الرواية بأنثى فليس من باب تخصيص امرأة بعينها، وإلا كان العنوان “عدجو” بوكافر، إنما القصد هو مساهمة النساء العطاويات في المعركة، صعدن الجبل وامتطين قمة بوكافر، ومددن يد العون للمقاومين في كل تفاصيل المعركة، وسجلن أسماءهن في سجل الشهداء، وعلى رأسهن عدجو بطلة الرواية والتي جعل منها الكاتب الأنثى الفائقة الجمال، والواعية بمخاطر ما ينتظر منها من تدريب متواصل على ركوب الخيل.
وتصويب الرصاص والمشاركة في الإدلاء برأيها في خطط الحرب والإبداع فيها، بل والمواكبة أيضا في تتبع أخبار الحرب في جهات بعيدة من المغرب، والإصرار على عدم مغادرة الجبل لعدم اقتناعها بالاستسلام ولو بشروط أدلاها المقاومون على القيادة العسكرية الفرنسية، وتفضيل الشهادة على الاستسلام.
والكاتب بودبوز بحسه الإبداعي الوارف، وسلاسة لغته الفياضة تمكن من حبك قصة حب شاعرية تجمع بين عدجو ولحسن من اللقاء الأول إلى فترة الخطوبة والزواج والإنجاب، وهي قصة تسري في ثنايا السرد الحكائي، لا يخبو أجيجها حتى في أحلك المواقف، في التدريب والقصف والتخطيط لرد الهجمات إلى حين الشهادة.
بل حب المراهقة الأولى الذي جمع بين عدجو وإسماعيل له أيضا امتداد وبريق استثمر فيما بعد لفائدة الحرب حيث غير مفعوله إسماعيل المفرنس من موقف خيانة الوطن إلى الشهادة في سبيله. ويكون الكاتب هنا قد جعل من الحب والحرب والدفاع عن الوطن مادة منصهرة لا يمكن الفصل بين عناصرها.
*رئيسة شبكة القراءة