لقد آن الأوان لمحاكمة النظام الجزائري على سياسته الفاشلة التي مارسها على مدار نصف قرن. سياسة الهدر في الزمن وفي الطاقات والثروات بنيت أساسا على معاداة المغرب ومحاولة إضعافه وإنهاكه بدلا من تسخير ثروات الجزائر في خدمة شعب الجزائر.
لا هذا النظام استطاع أن ينهك المغرب الذي تقوى ونهض من رماده كطير الفنيق، ولا أشقاؤنا في الجزائر أنعموا واستفادوا من خيرات بلادهم.
أقل من هذا الهدر بكثير يعرض القائمين على السلطة في بلدان تحترم نفسها إلى المحاكمة. فهل النظام العسكري في الجزائر من طينة تلك الدول حتى يكون مؤهلا ليشرع الأبواب لتلك المساءلة؟ فما يقوى على فعله هو محاكمة أي مواطن جزائري سولت له نفسه يوما ما أن يغرد خارج بروباغندا الثكنات.
الخنوع والانبطاح هو طوق النجاة لكل من أراد أن يفلت بجلده. معارضو الأمس غيروا اليوم جلدهم بعد أن وصلهم نصيبهم من فتات الكعكة على غرار السيدة لويزة حنون التي طالما اعتبرت النظام الجزائري بالنظام المتفسخ، فإذا هي بقدرة قادر أصبحت اليوم بوقا لهذا النظام.
من وما الذي تغير إذن ؟ هل النظام الجزائري الذي أصبح نظاما لم يعد يقيد الحريات وينتهك الحرمات أم أن السيدة لويزة حنون انضمت إلى المطبخ السياسي الذي أجهز ويجهز على طاولة الأيتام في مأدبة اللئام.
خمسون عاما من صراع مفتعل مع المغرب خرج منه النظام الجزائري بخفي حنين، اليوم أقر العالم بأسره بصوابية الطرح المغربي المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي.
طوال ما يقارب خمسة عقود وهذا النظام كان يتخذ من قضيتنا الوطنية بوصلة لمعاداة المغرب وقد فشل فشلا ذريعا ومخزيا. وإزاء هذا الفشل المدوي دخل هذا النظام مرحلة الهذيان وهو في حالة ارتباك يخبط أخماس بأسداس.
لم تعد ورقة الصحراء المغربية ورقة رابحة لهذا النظام في معاكسته ومعاداته للمغرب، سقطت من يده وإلى الأبد لكن عداءه لم يسقط مما يشير بكل جلاء أن منازعة المغرب في أقاليمه الصحراوية لم يكن سوى مطية لعداء دفين ولإحساس متزايد بالدونية التي لازمت وتلازم النظام الجزائري تجاه أمة ضاربة في القدم.
اليوم يواصل النظام الجزائري بكل وقاحة معاداته للمغرب من منطلقات أخرى قد يفشل فيها كما فشل في السابق.
الحرب التي هو بصددها اليوم هي حرب ذات أبعاد استراتيجية واقتصادية تدخل في خانة الاستقطاب والبحث عن النفود على مستوى دول المنطقة. المقاربات في هذا الصراع متضاربة.
الأولى يقودها المغرب باتجاه دول الساحل والصحراء من خلال تمكين هذه الدول من الوصول إلى المياه الأطلسية للانفتاح على العالم وتمكينها من فرص المشاركة في التجارة العالمية. ولا أعتقد أن المغرب في هذا الشأن قد يستثني الجزائر الشقيقة من هذه السياسة القائمة على التشاركية وعلى قاعدة أن يستفيد الجميع والنهوض بالمنطقة ككل لما فيه خير شعوبها.
وإذا كانت المقاربة الأولى تستند على الوحدة والتكتل والاندماج الإقليمي، فإن المقاربة الثانية التي هي جزائرية ترمي أولا إلى إفشال المبادرة المغربية ومحاصرة بلادنا بعزلها عن عمقها الإفريقي.
ثانيا ممارسة مختلف الضغوطات على دول الجوار لكي لا تتفاعل تلك الدول إيجابيا مع البرامج التنموية التي يحتفظ بها المغرب في إطار تعاون إقليمي شامل وبناء.
ثالثا تعتمد المقاربة الجزائرية في تعاطيها مع دول المنطقة على أسلوبين مختلفين يصبان في خانة سياسة الهيمنة وفرض الوصاية على دول المنطقة.
الأسلوب الأول يختزل في الإغراء وشراء ذمم الحكام كما هو الحال أيضا في الإبقاء على صلة مع معارضيهم في دكة البدلاء بنية استخدامهم ليوم معلوم كأداة للابتزاز والمساومة.
والأسلوب الثاني يعتمد على تأليب بعض القبائل الإفريقية وتحريضها ضد السلطة الحاكمة للي ذراعها وثنيها على بعض الخيارات التي تشوش على أطماع النظام الجزائري في المنطقة كحالة توظيف واستخدام بعض شيوخ الطوارق ضد النظام الحاكم في دولة مالي.
فأدوات اشتغال هذا النظام في معاداة المغرب لا تتوقف عند حدود معينة أو في حدود مجال بعينه سواء في مجال الاقتصاد بما في ذلك أيضا قطاع الرياضة.
بعد إفلاس دولة الثكنات في الحقل الدبلوماسي والسياسي الذي سجل نجاحات ومكاسب غير مسبوقة للمملكة المغربية، انتقلت تلك الدولة إلى الشق الاقتصادي لتشهر حربا اقتصادية على المغرب من بعض المحطات التي تشكل نقاط قوة للمملكة كالموقف البئيس الذي اتخذه جنرالات الجزائر والمتمثل في رفضهم استقبال كل السفن أيا كانت جنسيتها والتي تمر عبر ميناء طنجة المتوسطي.
وقد استشعر ذلك النظام أهمية الموانئ المغربية في الملاحة الدولية والتزايد المضطرد لرسو السفن العالمية في ميناء طنجة وما يمكن أن تذره الحاويات التي ارتفعت نسبتها ب 20 بالمائة بعد أزمة المعبر البحري العالمي لباب المندب.
والرد على ذلك الموقف الجزائري لم يأت من جانب المغرب الذي يرى في نفسه أنه أكبر من أن يلتفت إلى ذلك، بل جاء عن طريق السفير الأمريكي المعتمد بالرباط بعد أن قام بزيارة إلى ميناء طنجة المتوسطي. وهي زيارة لها دلالات في توقيتها وفي مضمونها كما تشكل صفعة جديدة على النهج الجديد للقائمين على قصر المرادية.
واجهة أخرى لتلك الحرب الاقتصادية يحاول النظام الجزائري فتحها في معبر الكركرات بعد أن فشل في وقت سابق في السيطرة الميدانية على ذلك المعبر. فالمعركة هي معركة من جانب واحد يشنها جنرالات الجزائر على المغرب ولهم حساباتهم ومصالحهم ولن تكون بالضرورة متوافقة مع حسابات ومصالح موريتانيا الشقيقة.
فلماذا يريد هذا النظام في كل أزمة متجددة أن يقحم الأشقاء الموريتانيين في لعبة قذرة تعتبر نواكشوط في غنى عنها. بلد شقيق مسالم مهادن يحاول أن يخطو خطوات نحو التقدم بكل هدوء وثبات فإذا به قد يجد نفسه منساقا لصراع لا علاقة له بأجندته ولا باهتماماته.
يتم التعاطي معه من دون احترام استقلال قراراته السيادية إما بالترغيب أو التهديد وعلى قاعدة يومن بها النظام الجزائري وتقوم على مبدإ من يفتح مجالات التعاون مع المغرب فهو معارض للجزائر.
وحينما يسارع النظام الجزائري إلى إغراء موريتانيا الشقيقة مثلا بإقامة منطقة حرة للتعاون بين البلدين أو تصدير كميات من البصل من الجزائر إلى موريتانيا عبر البحر فإن ذلك يندرج في سياق عزل المغرب عن دول الجوار بما فيها موريتانيا.
وليعلم الأشقاء أن مثل هذه السياسات ليس لها أفق اقتصادي أو تنموي كالطريق السيار الصحراوي الذي بنته الجزائر في اتجاه بلاد شنقيط بقي ومازال غير مكتمل مما يؤكد بالملموس أن المشاريع التي يطرحها النظام الجزائري ليست لها جدوى اقتصادية بقدر ما هي نكاية في المغرب.
ولأن النظام الجزائري أيضا سقطت من يده كل الأوراق، أصبحنا نحن المغاربة اليوم نتفرج على رقصات الديك المذبوح في المحافل الرياضية التي يستخدمها النظام الجزائري لشن حملة مسعورة على المنتخب المغربي لكرة القدم، حملة كشفت وتكشف لكل العالم عن الحقد الدفين والعقدة المستدامة لذلك النظام من المغرب.
وإذا كانت أبواق ذلك النظام تكيل لنا الاتهامات وتدعو لنا بالفشل فنحن من جانبنا ندعو للمنتخب الجزائري بكل التوفيق لأن الرياضة تربية وأخلاق، ولأن لاعبيه في المحصلة النهائية هم من الشعب الجزائري الشقيق ولا نقبل أن نحملهم وزر القائمين عليهم وهم الفاشلون ونعرف كيف نصطادهم من هفواتهم وكبواتهم. وستبدي لكم الأيام ما كنتم تجهلون.