خاتمة
لماذا كان التمهيد بدولة بني أمية ودخول الشيعة والخوارج وما إلى ذلك على مسرح الحياة آنذاك بتثبيت حكم معاوية على الخلافة الإسلامية أو قل: الدولة الإسلامية الجديدة ثم خلق ما يعرف بالمعارك مثل: معركة الجمل وصفين والنهروان وخلافه / راجع المقالات حول هذه المواضيع في هذا الكتاب / مما أخبرتنا الروايات بذلك؟
يقول الدكتور طه حسين: (وليس من شك في أنَّ عثمان هو الذي مهَّد لمعاوية ما أتيح له من نقل الخلافة ذات يوم إلى آل أبي سفيان وتثبيتها في بني أمية، فعثمان هو الذي وسَّع على معاوية في الولاية فضم إليه فلسطين وحمص وانشأ له وحدة شامية بعيدة الأرجاء وجمع له قيادة الأجناد الأربعة) ص 105.
ويقول: (وأصبح لطول ولايته وحسن مدخله إلى نفوس رعيته أشبه بالمَلِك منه بالوالي) ص 103.
قلت: يلاحظ ضم الأقاليم والأمصار لمعاوية منذ تولية عمر له بلاد الشام ولم يخالف عثمان عمر في ذلك فولَّاه دمشق ولمَّا مات أخوه يزيد بن أبي سفيان وكان والي عمر على الأردن ضم عثمان إلى معاوية عمل أخيه ثم ضم فلسطين إلى معاوية بعد موت واليها عبد الرحمن بن علقمة الكناني ثم حمص بعد استعفاء واليها ومرضه عمير بن سعد الأنصاري فدانت لمعاوية مشارق الأرض ومغاربها.
ثم يلاحظ صيغة خطاب الأشتر إلى عثمان أنَّها ركيكة ولا ترقى لقوة جزالة اللغة عند العرب في تلك الفترة وذلك من استعمال كلمة “سنة نبيه” و “من يدعوك إليه الهوى من أهل بيتك إن شاء الله والسلام” مما يشير إلى التكلف والصناعة والنحل إذ لم تحدد أو لم تُعرَّف ما هي سنة نبيه هذه التي خالفها عثمان ووافق عليها الأشتر النخعي.
ثم كلمة “إن شاء الله” لا تستعمل ههنا إذ تستعمل للتأكيد لا للترجيح عِلماً بانَّ لهجة الخطاب لا تخلو من قسوة وعنف لفظي فكيف يستعمل التأكيد مع السلام مع أنَّ العرب تعرف جيداً وضع المفردات في مكانها الصحيح بلا شك؟.
أنا شخصياً لم أثق في صحة كتابة هذا الكتاب لأنَّ عثمان أعلم وأجدر من الأشتر وأصحابه بماهية سنة النبي من غيره فلا يتفق أن تقال له بحال من الأحوال والله أعلم أي ذلك كان.
الأمر الثاني الذي يدعو للتشكيك هو ما جاء صفحة 113: (وبأن يترك محمد بن أبي بكر لأبيه الصديق وأخته أم المؤمنين، وبأن يترك محمد بن أبي حذيفة فهو ابنه وربيبه وفرخ من قريش).
قلت: وكيف يترك محمد بن أبي بكر لأبيه الصديق مع العلم بأنَّ أبا بكر الصديق لم يكن موجوداً ساعتها بل انتقل للرفيق الأعلى منذ سنوات مضت ؟ الإجابة متروكة للقارئ النبيه.
الأمر الثالث والأخير هو قول عثمان لبعض أصحابه / راجع طبقات بن سعد طبع ليدن ج 3 القسم الأول ص 46 وبقية المراجع والمصادر المذكورة هنا وآخر الكتاب / في حديث له حين الحصار: (لِمَ يقتلونني، وقد سمعت رسول الله يقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلَّا في إحدى ثلاث: رجل كفر بعد إيمانه أو زنا بعد إحصانه أو قتل نفساً بغير نفس فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط، ولا تمنيت أن لي بديني بدلاً منذ هداني الله، ولا قتلت نفساً ، فلم يقتلونني) ص 199.
قلت: الحديث الذي استدل به عثمان موضوع لأنَّه يخالف النص القرآني القائل بعدم قتل الرجل بعد إيمانه في مفهوم الرِدَّة لقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} سورة الكافرون، وعقوبة الزاني المحصن لا القتل بل الجلد مائة جلدة وغير المحصن خمسين جلدة وشاهد الزور ثمانين جلدة لقوله تعالى من سورة النور: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بها رأفة في دين الله} إلخ الآيات والأقرب للصواب هو القصاص لمن قتل في حالة السلم بما يقره العرف السائد في الدولة لقوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} سورة البقرة.
يقول الدكتور طه حسين من الفصل الثلاثين: {وهناك مع ذلك سؤال لم يُجب عنه القدماء إجابة مرضية، بل لم يحاول أكثرهم أن يجيب عنه، ولا بد مع ذلك من أن نظفر له بجواب: كيف ولماذا أبطأ عمال عثمان عن نصره حتى أتيح للثائرين أن يحاصروه فيطيلوا حصاره وأن يقتلوه بعد ذلك ؟ فقد قيل: إن الحصار اتصل أربعين يوماً ونحن نعلم أن المواصلات لم تكن يسيرة ولا قريبة.
ولكنا نعلم من جهة أخرى أن الأخبار كانت تنتقل في سرعة مدهشة إلى الأمصار، فعبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يعلم أن المصريين قد خرجوا منكرين على عثمان، وهو أنبأ معاوية بذلك من غير شك، كما أنه كتب به إلى عثمان وأبو موسى الأشعري قد رأى مخرج أهل الكوفة من الكوفة، وعلم من أمرهم مثل ما علم ابن أبي سرح من أمر المصريين وقل مثل ذلك بالقياس إلى عبد الله بن عامر مع الذين خرجوا من أهل البصرة.
فما بال هؤلاء العمال لم يسرعوا إلى نصر الإمام لمجرد علمهم بخروج من خرج من أهل أمصارهم ؟ بل ما بالهم لم يسرعوا إلى نصر عثمان حتي جاءتهم كتبه تطلب إليهم النجدة ؟ ولماذا تلبثوا وتباطؤا حتى كان الشر وقتل الإمام قبل أن يدركوه؟
وأكثر من هذا أن عثمان قد عود عماله أن يوافوه في الموسم من كل عام، فما بالهم أقاموا في أمصارهم هذا العام ولم يشهدوا الحج حتى اضطر عثمان — وقد كان محصورا — أن يأمر ابن عباس ليحج بالناس ؟ وأشد من هذا كله غرابةً أن ابن عباس حمل فيما يقول المؤرخون كتابًا من عثمان إلى عامة المسلمين الذين شهدوا موسم الحج يعرض عليهم قضيته فيه ويدافع عن نفسه. ويقول المؤرخون: إن ابن عباس قرأ هذا الكتاب في الموسم.
فكيف استمع الناس لهذا الكتاب الذي رواه الطبري كاملاً، ثم تفرقوا بعد ذلك كأن لم يكن شيء، لم ينهض أحد منهم لنصر الخليفة، ولم تذهب جماعتهم إلى المدينة ليشهدوا بعض ما كان يقع فيه ألم يستنفر الناس من الأحداث ؟ بل كيف قام عامل عثمان على مكة هادئًا ساكنًا مطمئناً لنصر الإمام ؟ ولو قد استنفر أهل مكة وجمع من أهل البادية جيشا لاستطاع أن يشغل هؤلاء الثائرين حتى تقبل هذه الأمداد النظامية من الأمصار.
فما بال شيء من هذا لم يكن ؟ وما بال أحد من هؤلاء العمال لم يتحرك ؟ وما بال الحجيج لم يفزعوا لنصر إمامهم ؟ أيمكن أن تكون الأمة كلها قد أسلمت هذا الإمام : فترت الرعية، وأضمر العمال في نفوسهم أشياء فتباطئوا وتثاقلوا، وشغل كل واحد منهم بنفسه، وتركوا الإمام لأهل المدينة يصنعون به ما يشاءون أو يصنع هو بهم ما يشاء؟
وقد رأيت أن أهل المدينة أنفسهم قد كانت كثرتهم مع الثائرين، وكانت قلتهم من أصحاب النبي خاذلة لعثمان تنكر بألسنتها ولا تصنع شيئًا ولو قد استقبل أصحاب النبي هؤلاء الثائرين منكرين عليهم وحثوا في وجوههم التراب لانصرفوا مخذولين كما قال بعض القدماء وإذن فقد صدق عثمان حين قال إن الناس قد طال عليهم عمره فملوه وأكبر الظن أن الناس لم يطل عليهم عمر عثمان فحسب، وإنما طال عليهم أيضا عمر هذه السياسة التي لم تكن سياسة خلافة كالتي عرفوها أيام عمر، ولا سياسة ملك كالتي عرفوها من قيصر وكسرى، وإنما كانت شيئًا بين بين} انتهى الاقتباس، ص 198.
الأسوأ من ذلك هو الراوي للنص نقل نقلاً مخلاً بغير دراية ولا تمحيص ولا فهم ثم الذين استكانوا له وأذعنوا بصحة الرواية وصدق الراوي فثبت في الأذهان ما سارت به الركبان من مقتل عثمان وأسكت أنا عن البيان إلى حين الآذان والله المستعان.
أهم المراجع
1 / القرآن الكريم.
2 / صحيح البخاري.
3 / كتاب: الفتنة الكبرى، عثمان بن عفَّان، د. طه حسين 1947.
4 / تاريخ الطبري.
5 / السيرة النبوية لابن هشام.