بقلم: بقادة محمد فاضل
لا يستطيع مهتم أو معني بقضية الصحراء إخفاء الصعوبات التي تعتري مسارها التاريخي، و العقبات أمام إيجاد حل نهائي لفض نزاع معقد، قبل الخوض في آليات المساهمة في حل المشكل، لا بد من تشخيص دقيق للوضع بصفة عامة.
هنا في هذا المقال سنكتفي بتشخيص الواقع الحالي لأن الرجوع إلى الماضي سيجرنا إلى مناطق ملغومة بأخطاء أنظمة سابقة لا وجود لها حاليا و ممارسات تحت غطاء سيادي وأخرى من طرف جماعات و أفراد، و هذا لن يسعفنا في طريقنا لتشخيص عقلاني بل و سيزيد الطين بلة و يعمق النقاش إلى ما لا يفيد أي طرف من أطراف النزاع و الداعمين لهم.
لقد تغير العالم سياسيا و أيديولوجيا، أو تغيرت لغة الساسة معها و برزت محددات حديثة دفاعا عن المصالح و السعي لكسب أحلاف تحقق أرباحاً و مغانم إقتصادية للدول العظمى المتحكمة في مصائر الأمم و الشعوب، استحضاراً منها لمنطق المصلحة و الربح و النفوذ و ليس لمنطق الحق و المشروعية.
فالمشروعية في عالم العلاقات الدولية مبني خاصة في عصرنا الراهن على من يمتلك القرار و من والأهم ، لذلك وجب على ساكنة “العالم الثالث” التحلي بالمرونة و الواقعية و قد رحم الله إمرئ عرف قدر نفسه فجلس دونه.
وإسقاطا لما سبق أعلاه على مسار قضية الصحراء، سنحاول إستجلاب الواقعية و خلع لثام العاطفة لأننا كصحراويين لم نعد لوحدنا المعني بالقضية، فمصير الصحراء أضحت ترتبط به مصائر أنظمة و أصبح اي قرار دولي في شأنها مؤثراً في بعده الاستراتيجي و الأمني و الإقتصادي و السياسي للإتحاد الأوروبي، و إفريقيا و الوطن العربي و الولايات المتحدة الأمريكية من جهة.
و من جهة أخرى مؤثرا على تمدد مصالح و قوى المعسكر الصيني الروسي الطامح للتوغل إقتصادياو عسكريا في شمال و غرب إفريقيا.
و هذا ما يفسر تدخل الولايات المتحدة الأمريكية ديبلوماسيا بشكلٍ مباشر في الوساطة بين أطراف النزاع، واشنطن نظام يعرف جيداً العزف على وتر المصلحة و لن يضحي بصداقة ثنائية إحداها الجزائر الغنية بالموارد النفطية و الغازية و الشاسعة المساحة، بما تقدمه إستراتيجيا للمصالح أمريكا لحدودها المشتركة مع النيجر و مالي و ليبيا الغنية بالمعادن و المتوترة أمنيا و غير المستقر سياسي.
و صداقة أخرى مع المغرب أول معترف بالولايات المتحدة الأميركية و المملكة ذات العمق التاريخي و الأهمية الاستراتيجية لقربها من أوروبا و ممرا آمنا للعمق الامريكي في غرب افريقيا، و بعداً إستراتيجيا للأمن القومي الامريكي.
كاتب المقال: “بقادة محمد فاضل” رئيس مركز الدراسات السياسية و الإستراتيجية بحركة صحراويون من أجل السلام
بالتالي فإن حل قضية الصحراء لن يأتي لصالح أحد على حساب مصالح بلاد العم سام، فالبت في نازلة الصحراء سيخضع لمسطرة تكييف المصالح فقط، بالتالي تقتضي الحكمة من الصحراويين إعمال الذكاء السياسي بدلاً من لغة المشاعر و اللعب دور الضحية و الانتقال إلى مضمار اللعبة السياسية كلاعب لا ملعوب به.
عرّف هنري كيسنجر قيدوم السياسة و عميد الديبلوماسية الامريكية، الديبلوماسية أنها فن تقييد القوة. فالتاريخ المعاصر للعلاقات الدولية و خاصة في ما يتعلق بمعالجة الأزمات و الصراعات الإقليمية أو الثنائية يثبت على أن الولايات المتحدة الامريكية لا تتدخل عسكريا أو ديبلوماسيا أو إقتصاديا أو أمنيا إلا إذا كان تدخلها ذو بعد إستراتيجي، و من شأنه خدمة أجنداتها المستقبلية آنيًا و لاحقاً.
لذلك تواجد نائب وزير خارجيتها جوشوا هاريس بالعاصمة الجزائر للتباحث مع النظام الجزائري كطرف رئيسي في النزاع حول الصحراء سبل تنزيل حل عاجل، و بعدها سيلتحق بالرباط و سيجري نفس المحادثات مع المغرب لارتباطها بشكل مباشر بالنزاع.
في لقاء نشره الموقع الرسمي لسفارة الولايات المتحدة الاميركية بالجزائر أجرته احدى المنابر الاعلامية مع جوشوا هاريس في التاسع من ديسمبر سنة 2023، عبر بشكل صريح على أهمية الشراكة مع الجزائر و على الامر ذاته مع المغرب، و إعتبر أن خطة السلام تحت الغطاء الاممي السبيل الامثل لحل نزاع الصحراء من أجل تجنب بؤرة توتر عسكرية تهدد مصالح الجميع و أمنهم.
كما أثنى من خلال أجوبته على مقترح الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب دون الإجابة أو التفاعل مع سؤال طرحه الصحفي الجزائري حول كيف ترى الولايات المتحدة الأمريكية “إحتلال المغرب للصحراء الغربية” (حسب ما نشر في موقع السفارة أعلاه )، و هذا له دلالتان، الأولى تتجلى في أن صيغة السؤال معدة سلفاً من النظام الجزائري و الإجابة معروفة من طرف ممثل الديبلوماسية الامريكية في هذا الشأن، و أن في الأمر رسالة موجهة لقيادة البوليساريو تمهيدا لأمر مستجد على الساحة.
و الدلالة الثانية تتمثل في الإشارة إلى توجه جديد لمسار قضية النزاع موجهة للرأي العام الدولي خاصة الأمم المتحدة و مجلس الامن التابع لها و للقوى الدولية المهتمة بهذا النزاع.
في نهاية هذا المقال سنطرح عدة تساؤلات ذات الأهمية بمكان تاركين للقارئ و الزمن التطرق لها بالاجابة و التحليل.
هل تمتلك قيادة البوليساريو القرار في قضية الصحراء بعيداً عن تأثير جزائري ؟ ما الذي تعنيه زيارة هاريس للجزائر ثم الرباط و عدم التوجه صوب مخيمات لحمادة للقاء من يفترض انها قيادة شعب و معنية بالقضية الصحراوية و لها مؤسسات ديبلوماسية و أمنية؟
ما رد فعل جبهة البوليساريو في حال قبول أو فرض تسوية حصدت إجماعا دوليا بما فيه الجزائر في إطار الحكم الذاتي؟
هل تستطيع حركة صحراويون من أجل السلام فرض ذاتها كطرف معترف به في النزاع ؟ و إلى اي حد سيستجيب المجتمع الدولي لمقترح الحركة عبر خارطة الطريق التي عرضتها الحركة من خلال مسودة من 54 بنداً كحل للنزاع؟