آراءالشرق الأوسطسياسة

عراق 18 ديسمبر.. ديجا فو مالكية و كونغ فو صدرية

الحِوار الشيعي مع الكُرد يُجرى إعادة ضبط المصنع لمصطلحاته برضى دولي مشروط على بغداد و مُقنّن على أربيل

يسعى الإطار التنسيقي أن تلبس نتائج انتخابات مجالس المحافظات في 18 ديسمبر بنطال شارلستون. ضيَّق شيعياً من الأعلى و مفتوح دولياً من الأسفل. داخلياً أو ضمن ما يُعرف بـ “تحالف إدارة الدولة” نجح التنسيقي في تشذيب سَالِفيْ السُّنة و الكُرد.

الرئيس النيابي السابق محمد الحلبوسي، نُزِعت فروة شعار “الأمة” من رأسه السياسي، لتبدأ بذلك رحلة مراسيم تخفيضه من زعيمٍ سياسي إلى فردٍ في قبيلة “بيزنس مان”. هذه القبيلة تبحث عن كلأ المشاريع و ماء الصفقات في بلد الفساد المؤكسد بدجاجلة الدين و الدنيا.

أحدُ أبرز المدافع البشرية للتيار الصدري على الفضائيات و السوشيال يوم الـ 13 من ديسمبر، نوَّه عن سعي الإطار التنسيقي بشكلٍ عام لتفريخ كائنات “البسبس” من مفاقس الانتخابات الديسمبرية، بديلاً عن صوصٍ سياسي سُّني قد لا تتوفر في المستقبل سكاكين سياسية لذبحه على القبلة المذهبية.

نستطيع أن نقول أن ذلك ينطبق نوعاً ما على الشيعة أيضاً. ثورة تشرين 2019 هُرِست و فُتِّت ليطبخ معظمها في تحالف سياسي اُسمي بـ “الأساس”.

هذا التحالف الذي يعتبر الرئيس النيابي المؤقت محسن المندلاوي أحد أعمدته، يرجع نسبهُ السياسي إلى زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي رغم أبائه المتعددين إعلامياً.

المالكي المولع بتقليد كُل شيء ناجح حتّى الألوان، استعار اللون البرتقالي لحزب “تقدم” كلونٍ أساس لواجهتهِ المدنية، أو بالأحرى كشاهدة فخمة على مقبرة تشرين. كُل ما يحدث الآن ديجا فو.. أي حياة عشناها سابقاً. هذه الحياة عاشها العراقيون في “حُقبة المالكي الثُمانية” على حدِّ تعبيرٍ للأكاديمي العراقي حيدر سعيد من 2006-2014. المُختلف هو التقديم و التأخير، شاشة العرض، و نوعية المحروقات.

الرئيس الحلبوسي، طار بعد تنشيط اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع واشنطن في فبراير/ شباط الماضي، و تحالف عسكري وثيق معها في أوغست/ آب 2023. و ليس كما حلَّق نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي مبكراً، بعد رحيل القسم الأكبر من القوات الأمريكية سنة 2011، مشفوعة بجولة تراخيص نفطية متواضعة الأثر بحسابات اليوم السياسية. أمّا نوعية المحروقات التي يحتاجها الإطار التنسيقي – المالكي الأداء – فهي زبيبة المدنية على جبهته الدولية.

رئيس الحكومة محمد شياع السوداني هو شاشة العرض التي تضمن عدم تركيزنا على الشارلستون. لكن الأيام الأخيرة شهدت إعلان الرئيس الشاشة عن ما يشبه “عصرونيات” انتخابية، طعام يؤكل ساعات العصر قبل وجبة العشاء غالباً ما يكون جُبناً و كعكاً بمعونةِ أقداحٍ عدَّة من الشاي – منها قِدَم عسكري للضباط و المراتب، اعتبار من يستهدفون السفارة الأمريكية إرهابيين، لخفض ضغط الصدريين الداعي إلى مقاطعة انتخابات 18 ديسمبر – و أمور أخرى تتعلق بمعاشات المتقاعدين و رواتب العاملين في مؤسسات الدولة العراقية. هكذا نجح الرئيس السوداني بأن يُجمِّد الوقت في سويعات العصر الديسمبرية.

الحِوار الشيعي مع الكُرد يُجرى إعادة ضبط المصنع لمصطلحاته برضى دولي مشروط على بغداد و مُقنّن على أربيل. طبعاً، الحزب الديموقراطي الكردستاني “البارتي” يُصر على اللثغة الأمريكية في حِواره العابر للحدود مع بغداد. سلاح أربيل للنصر في معركتها ضد العاصمة هما أُذناها الأمريكيتان.

 حتّى مسألة رواتب العراقيين الأكراد في أربيل لا تعدو كونها عِنَباً يعصرُه “البارتي”، ليخمِّره فوزاً انتخابياً ساحِقاً في انتخابات الإقليم المزمع إجرائها في 2024.

 أمّا شريكهُ المزمن في إدارة الإقليم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني “اليكتي” فهو الآخر يقوم بضبط مصنعه السياسي بروح القمصان السوداء لرئيسه الشاب بافل، نجل الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني.

 لا أحد سوى بغداد قادرة على منع وفاته السياسية و إيقاف إعلان وراثة “اليكتي” من بعضٍ في رفقة أبيه القديمة كالرئيس العراقي السابق برهم صالح، الممتلئ وجههُ السياسي بتجاعيد طالباني و الخالي رأسهُ الحزبي من أي شعر إيديولوجي. مذكرات الرئيس الراحل سجَّلت صالح كوريثٍ بارز و إن كان قد أتى في الترتيب بعد نوشيروان مصطفى زعيم حركة التغيير “كوران”.

زعيم “البارتي” مسعود بارزاني لن يتفق مع بغداد أبداً فهو يؤمِن بأن “النبلاء فقط من يستطيعون حكم الدول”، بحسب ما نقله عنه الصحافي التركي جنكيز تشاندار. نجلهُ و رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني دعى القناصل و سفراء العراق في الأيام الماضية كي يعينوه على بغداد. العراق حالياً و باختصار يشبهُ مصفى بيجي كُلُّه براغي و سياسيوه مِفكات.

تبقى لنا أن نرسم لوحة بالألوان الزيتية عن “الإطار التنسيقي” المالكي الأداء و التيار الصدري على قِماشة انتخابات 18 ديسمبر..

أبرز حركة سياسية للتيار الصدري كانت بانسحاب نوَّابه الثلاث و السبعين. نستطيعُ نسب هذه الحركة إلى الفن القتالي  الكونغ فو الذي يعني الوقت و الجهد. مع الأسف فإنَّ هذه الحركة كانت جهداً عائماً لأنها افتقدت حساب الوقت اللازم كي تنجح.. أي هل كان من المفترض أن تستمر لانتخابات 18 ديسمبر أم لحين الانتخابات النيابية؟ أكان داخلاً في حساباتها أن ترضى بخسارة مناصب المديرين العامين و المحافظين التابعين للتيار و التي ستتسع بعد الانتخابات؟

الانتخابات النيابية و التي بات من شبه المؤكد إنها لن تجرى إلا بعد انتهاء ولاية الرئاسة الحكومية للسوداني، ستدفعُ المالكي إلى القيام بصولة فرسان جديدة مع التيار الصدري في مؤسسات الدولة، و ليس مع ميليشيا التيار التي كانت تُعرف بـ “جيش المهدي” كما حدث في 2008. الفرق الوحيد هو معرفة إن كان ذلك سيجري ببطء أم بسرعة..

الجنرال الأمريكي أوديرنو لن يكون موجوداً ليحقق حسماً سريعاً لصالح “الإطار التنسيقي” كما جرى ذلك لحساب المالكي قبل عقدٍ و نصف من الزمن فالجميع حريص على أن لا يشوِّه زبيبته المدنية أمام العالم. سلوك الصدريين في معقلِهم الانتخابي الأبرز “مدينة الصدر” في التعاطي مع عصائب أهل الحق التي تمتلك ما يشبهُ جُزُراً منعزلة فيها، سيكون مؤشِّراً على “العصرونيات” التي يُحضِّرها التنسيقي للتيار.

أداء العصائب الانتخابي في هذه المدينة سيكتفي بنغز الخاصرة الصدرية بسرعة كي يعلم إن كان المالكي سيكتفي بمشاهدة ضرب الرأسين لبعضهما، و حضوره فيما بعد جنازة الصلح.. أي تقليم أظافر حظوظهما النيابية أم.. بُندقية المال السياسي التي يجيد المالكي استخدامها ستملأ الفضاء الصدري من أجل إصابة تماسكه الحزبي.

هذه اللعبة مريحة للمالكي، إلا إن عاد الحاضر الغائب رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، لضمان عدم إفراغ خزائن الرصيد الدولي المتواضع للصدريين، في معركة الاستنزاف السياسية القادمة. أمّا موقف بعض الشخصيات مثل رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي و رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم سيكون وسطاً.. أي لا غالب ولا مغلوب.

آخرُ ضربة فُرشاة تتعلَّق بالرئيس النيابي البديل عن الحلبوسي إنهُ سيكون قاطع تذاكر نفوذ سياسي أو ربّما رئيس وزراء تحت قيادة رئيس جمهورية شيعي و رئيس برلمان كردي، لتنفيذ نُسخة مُحدَّثة من قانون السلامة الوطني الذي كان يريد المالكي تطبيقه بسبب طوارئ داعش سنة 2014.. و الله و خضر الصفقات السُّنية غالب الشابندر أعلم.

https://anbaaexpress.ma/8xpqx

مسار عبد المحسن راضي

كاتب صحافي وباحث عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى