أفريقيامجتمع

بيان “أفريكا ووتش”.. بمناسبة الذكرى 75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

رصد وتقييم حالة حقوق الإنسان بمخيمات تندوف يجعلنا نشعر بالعجز أمام تغيير هذا الوضع المزري

مرت 75 عاما من الكفاح والنضالات الجماعية والفردية لتفعيل مضامين أول وثيقة كونية، تظافرت إرادات أمم كثيرة على تبني محتواها والترويج للقيم الراسخة بها والعمل الدؤوب على الإعلاء من شأنها وقيمتها صونا للحقوق والحريات في مختلف بقاع المعمور، بل وشكلت إلهاما غير مسبوق لترسانة من الصكوك الدولية الناظمة لحقوق الإنسان، في إطار إرساء السلم والامن في العالم وفض النزاعات بالطرق السلمية.

تاريخ حافل بالإنجازات، على مختلف الصعد، أسس لنظام عالمي لحقوق الإنسان من حيث التفاوض والإعداد والإعتماد والتتبع والوقوف على جهود الدول للوفاء بالمسؤوليات بموجب تلك الاتفاقيات المثقلة بالالتزامات اتجاه الأفراد والجماعات، بغية حماية حقوقهم ووقاية لهم من الانتهاكات والتعرض لشتى أنواع التصرفات والأفعال اللاإنسانية.

غير أن كل هذا التقدم المحرز دوليا ووطنيا ومحليا، لم يكن ليمر بسلاسة دون مثبطات، ولم تنخرط الدول والكيانات في مسيرة تحسين حالة حقوق الإنسان رغم الالتزام بنصوص اتفاقية لا ترتب أثرا على مخالفيها اكثر من اللوم وخدش صورة المخالفين في منتديات وفضاءات لا تمنح الجمهور الواسع إطلاعا كاملا، لتقييم الالتزام والإعمال معا حفاظا على النفس البشرية وصونا للكرامة الإنسانية.

وتبعا لذلك، هل نالت البشرية جمعاء اعترافا بكرامتها المتأصلة وبالتساوي في الحقوق، الذي يعتبر أساسا للحرية والعدل والسلام في العالم؟ وهل ولت عصور الهمجية باعتماد ومرور 75 سنة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونحن نشهد أبشع المجازر البشرية اليوم، وصورا من قتل الحق في الحياة لكل شيء ينبض في الحياة، في فلسطين وأوكرانيا وباقي مناطق النزاعات، ولم يستيقظ ضمير المجمتع الدولي في الحالة الفلسطينية انتصارا لكيان الاحتلال الإسرائيلي، بما أقام الغرب الدنيا ولم يقعدها بشأن الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية، بل أبدع مسؤولوه السامين في لي رقبة القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني لينسجم مع الحالة الأوكرانية ويتناقض كليا مع مأساة قطاع غزة وأهلها.

ومهما يكن من امر، فإن الحاجة ماسة إلى إعادة النظر في سياسة الكيل بمكيالين في النظام العالمي ومنظمة الأمم المتحدة وأجهزتها، بشكل يضمن المساواة والعدالة لجميع الأطراف عند وقوع الاعتداءات او الانتهاكات الجسيمة، لأن عجز منظمة الأمم المتحدة بكافة أعضاءها حيال تمرير قرار يدعو الى توقيف فوري لإطلاق النار بدواعي إنسانية، أمام فيتو أمريكي، أمر يدعو على الخجل من إنسانيتنا جميعا، وعجزنا على تدبير أمورنا بالمساواة والعدل، واستحواذ أقلية قليلة على الشأن العالمي وإدارته تبعا لأهواءها.

وتنطبق تلك السياسات العمياء على دول وكيانات بمنطقتنا، حيث رصدت المنظمة الإفريقية لمراقبة حقوق الإنسان منذ سنوات عديدة لجوء جمهورية الجزائر إلى معاكسة خيارات وتوجهات المملكة المغربية على كافة ترابها الوطني، وذلك بتأجيجها لنزاع الصحراء واحتضان قيادات البوليساريو عسكريا وسياسيا وماليا للإساءة للمغرب دوليا وإقليميا، قصد فرملة تطوره وإعاقة نهضته، ليس رغبة واحتراما منها لمبدأ تقرير المصير للشعوب المستعمرة كما تروج، بل لتقليص حجم المغرب المنافس القوي على الريادة الإقليمية.

وقد شهدنا غير ما مرة، غضب المسؤولين الجزائريين على الأصوات المنادية بتقرير مصير القبايل، الإقليم الأقدم بمئات السنين من تأسيس الدولة نفسها، بينما لا تتورع عن إعداد خطب عصماء حين يتعلق الامر بالصحراء وأهلها، متناسية تماما وضعية الصحراويين القاطنين بمخيمات تندوف، وأنهم بحاجة الى إحصاء اممي لتحديد مركزهم القانوني والتمتع بحماية دولية تقيهم من التعرض للانتهاكات وتضمن ولوجهم للحقوق المنصوص عليها بالاتفاقية الدولية لمركز اللاجئ للعام 1951 وبروتوكولها الملحق.

إن رصد وتقييم حالة حقوق الإنسان بمخيمات تندوف، يجعلنا نشعر بالعجز أمام تغيير هذا الوضع المزري، الذي لم تستطع اليات الأمم المتحدة التحدث عنه أو تسليط الضوء على حالة هؤلاء الأشخاص الشبة محتجزين في أرض قاحلة من الحقوق والحريات، خارج أي مراقبة دولية للأمم المتحدة أو المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان.

ورغم إرسال العديد من التقارير إلى اليات الأمم المتحدة، ولا سيما إجراءات مجلس حقوق الإنسان الخاصة ، أثناء زيارتها لدولة الجزائر، إلا أنها لم تستطع التطرق لموضوع حقوق الإنسان بالمخيمات مع السلطات الجزائرية بسبب تصلب مواقف هذه الأخيرة، ورفضها الخوض في وضعية حقوق هؤلاء الصحراويين الذين تم رهن أحلامهم ومستقبلهم وتطلعاتهم منذ خمسين سنة في أرض جزائرية، فوضت الدولة الحاضنة للمخيمات مهمة تدبيرها القانوني والأمني والقضائي لتنظيم عسكري، لا يلتزم بأي التزام دولي أو أخلاقي لحفظ أرواح الأشخاص الواقعين تحت سلطته، بل خضعوا لصنوف من الانتهاكات الجسيمة، توصف بالحصرية لتنظيم البوليساريو.

وفي سياق اخر، لازالت الأغلبية بالأقاليم الجنوبية، تطالب بالعدالة الاجتماعية وبدعم فرصها في الحصول على شغل، والاستفادة بشكل عادل من المساعدات التي تقررها السلطات المركزية لتعزيز القدرة الشرائية للأفراد، لأن نسبة الفقر ارتفعت بشكل مهول منذ جائحة فيروس كورونا، واصبح المواطن بالصحراء غير قادر على تلبية حاجياته المعيشية اليومية.

وتزداد وتيرة الاحتجاجات في مختلف مدن الصحراء والمرتبطة أساسا بمطالب ذات صلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو الامر الذي يجب معالجته بشكل استعجالي، يستجيب لتطلعات السكان ويتوافق مع الحاجة الى ردم الهوة بين أقاليم الجنوب والشمال في علاقة بالتنمية المرتبطة بتحسين دخل الناس، وتوجيه شبابهم ونساءهم الى القطاعات الاقتصادية المنتجة للثروة، عوض استيراد اليد العاملة.

وقد لاحظت المنظمة الافريقية لمراقبة حقوق الإنسان، تناسل الاحتجاجات المرتبطة بمطالب القبائل المتعلقة بامتلاك الأراضي، سواء تعلق الأمر بما يسمى ب”لكراير” بجهة العيون الساقية الحمراء والداخلة واد الذهب، أو المجال الترابي الممتد من لمحبس الى لبطانة وواد درعة وتوزيكي، بالنفوذ الترابي لعمالة اسا الزاك، وهي نداءات لم تلق استجابة من المسؤولين لحد الساعة حسب إدعاءات أصحابها، ولعل من شأن عدم الانصات لهذه الفئات وتجاهل مطالبها ، خلق توترات اجتماعية، الوطن والمنطقة في غنى عنها.

ختاما، فإن توقنا لإحلال الأمن والاستقرار في العالم وفي منطقتنا على وجه التحديد، لا يضاهيه سوى دعم فضائنا المدني بكافة مكوناته للقيام بأدوراها على أكمل وجه لنشر قيم حقوق الإنسان والمشاركة في نشر المعرفة بالقواعد والمبادئ التي ستحافظ لا محالة على كرامتنا ونوعنا البشري، إضافة الى استمرار ترافعنا حول قضايانا المصيرية، بعيدا عن أية حسابات ضيقة قد تسيء الى الأهداف السامية التي نصبو الوصول إليها.

https://anbaaexpress.ma/ajmcb

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى