بقلم: الحسين بوخرطة
عندما يطل الدكتور عبد الله العروي على القارئ تتولد لديه على التو فكرة الدقة في اختيار التوقيت الزمني وحساسية المرحلة ارتباطا بحاجة الواقع المغربي والعربي إلى تحليلات من طينة تحليلاته الحكيمة والرصينة.
إنه من رواد المفكرين في مجال النهضة العربية. لقد شخص بكل تفصيل عوائق تسريع النماء الثقافي والمادي في المنطقة الممتدة من الخليج إلى المحيط.
لقد ركز بما فيه الكفاية على واقع الطبقة العربية السياسية والثقافية، وخصص لذلك حيزا كبيرا في كتاباته وتحليلاتها الرصينة.
انصب اهتمامه أكثر على النخبة إبان الاستعمار وخلال الاستقلال ليضع آلة المكبر الإلكتروني الفاضح على مرحلة انتقالية فرضتها إخفاقات الماضي وانحرافات الحاضر.
العروي يعد من كبار رواد التاريخانية. تحدث عنها بإسهاب هادفا أن ينير عقول المتتبعين لفهم معنى التاريخ. لقد أضاف لهذا الأخير الفلسفة لفهم الدلالات والرموز واستنباط العبر النافعة للحاضر والمستقبل، معتبرا توجهه التوليفة المناسبة لفهم الفكر التاريخي. وبذلك، فهو يخالف التوجه الفكري الذي ينطلق من الفلسفة ويطعمها بالتاريخ.
أبدع في تقنيات البحث التاريخي بدون الاقتصار على كونه كتابة فقط، بل توسع في برهنة كونه رواية أو قصة واقعية يراد استنباط العبر والحقيقة منها، وبالتالي تحويله إلى مدرسة سياسية تعتمد الكتابة الفنية وصناعة مبنية على المادة التاريخية كالوثائق المكتوبة والمخلفات الأثرية والمادية، والمصورات، والفنون، والنقوش على الجدار …إلخ.
التاريخ بالنسبة للعروي علم يعتمد البحث المختبري، ويصبوا لإنتاج الفكرة الصائبة الحقيقية عن التطوير التاريخي، وبالتالي إنتاج المنفعة منها باعتمادها في كل التحليلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
مادته هي الرواية التاريخية التي تستدعي التمحيص والنقد العلمي من أجل تشريح علاقة الإنسان بالطبيعة وما نتج عنها من آثار في معيشته وحضارته، منبها أن ما يميز التطور التاريخي هو كونه مفهوما بعديا وليس قبليا.
المراد من الدراسة التاريخية هو البحث في تطوير البنية المؤسساتية والسياسية والاقتصادية والمالية لمجتمع معين مع وضع المصلحة الراهنة للفرد والجماعة كأولوية الأولويات.
المصلحة نقاش في زمانها ومخاطر الانفتاح عن المجهول تأتي في مرحلة تالية. في هذا السياق، تجربة الليبرالية حافلة بالدروس. انتصرت في مطلع التسعينات وتم إعلان بداية نظام عالمي جديد، وحققت المنافع والمصالح للأفراد والجماعات غربيا، ووصلت إلى مرحلة الإشباع، وانفتحت عن المجهول في سياق دولي تبحث قواه عن آفاق جديدة وتوازنات مرحلية (ما قبل الحداثة- الحداثة- ما بعد الحداثة والانفتاح عن المجهول).
إن النظرية التي يعتمدها عبد الله العروي في تحديد مفهوم التاريخ ما هي إلا تفسيرا تاليا لما آلت إليه التجارب التاريخية. إنه توجه فكري يعتمد نظرة معرفية عميقة عن المجتمع والدولة والحرية والعقل والإيديولوجيا. إنه يربط التاريخ بفهم النتائج المتولدة عن تحليل المادة التاريخية.
التاريخانية، بتركيزها على السياسات الفعلية ومنطق ممارسة السلطة، لها نظرة شمولية وتحليلية تضع المنفعة أو المصلحة الآنية للإنسان في أعلى المراتب. إنها الفهم الكلي التفصيلي للحقائق التاريخية الذي يخدم الحاضر ويتكهن بمؤشرات علمية الآفاق المستقبلية.
المتخصص في الحفريات مثلا له نظرة خاصة عن التاريخ، إنه ينظر له نظرة اثنوغرافية انتروبولوجية لا علاقة لها بالسياسة الفعلية. نفس الأمر ينطبق على المتخصص في مادة اللاوعي الذي له نظرة معينة للأزمنة التاريخية، بحيث يهتم بالخيال العربي، وحلم الفرد العربي، وتاريخ الفن والطرب….
تعليق واحد