بدأ العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في روسيا بعد أن حدد مجلس الاتحاد، اليوم الخميس، تاريخ 17 مارس/آذار 2024 موعدا لإجرائها.
ولم يعلن الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بعدُ عن قراره بخصوص الترشح للانتخابات، لكن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أعرب عن أمله في ذلك. ووفقا له “من الصعب القول ما إذا كان الرئيس الجديد سيكون قادرا على الحفاظ على كل ما حققه بوتين”.
وكان بيسكوف صرح قبل ذلك بأن قرار بوتين النهائي بشأن الترشح سيأتي بعد الموافقة النهائية على موعد وبدء إجراءات الترشيح.
وتحديد موعد الانتخابات يعني أيضا بدء الحملة الانتخابية. وحسب التشريعات الروسية، يجب على المرشحين إخطار لجنة الانتخابات المركزية بترشحهم في غضون 20 يوما، أي قبل 27 ديسمبر/كانون الأول الجاري. وإذا ترشح أحدهم من قبل حزب سياسي، فأمامه 25 يوما لتسجيل ترشحه من تاريخ نشر القرار، أي حتى 1 يناير/كانون الثاني المقبل.
ثقة الرأي العام
ووفق استطلاع أجراه المركز الروسي لدراسة الرأي العام، فإن 61% من المشاركين يثقون بنتائج الانتخابات في روسيا. وتبعا لخلاصة المركز، تُظهر استطلاعات الرأي العام أن مستوى الثقة بنتائج الانتخابات في البلاد ارتفع خلال السنوات الثلاث الماضية بمقدار 1.3 مرات.
أما بحسب استطلاع أجراه مركز “ليفادا” (معترف به كعميل أجنبي)، فإذا أجريت الانتخابات الرئاسية الروسية يوم الأحد المقبل 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فإن 58% من المستطلعين سيختارون فلاديمير بوتين من بين السياسيين الحاليين.
بيد أن أكثر ما يميز الانتخابات المقبلة هو أنها تأتي مع قرب دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، بما يسلط الأضواء مجددا على الكيفية التي ستتعاطى من خلالها المعارضة الروسية مع الملف الذي تعتبره أهم أسلحتها في التأثير على نتائج الانتخابات.
وشكّل ضم شبه جزيرة القرم وإطلاق ما تصفه روسيا بالعملية العسكرية الخاصة ضد أوكرانيا، ما يشبه لحظة تاريخية قد لا تتكرر بالنسبة للسلطة والمعارضة على حد سواء.
ففي حين اعتبر الكرملين أنه يكون بذلك قد قلل من “الأضرار” التي لحقت به نتيجة “الانقلاب الأوكراني”، وأرسل إشارة إلى دول الغرب مفادها أنه لن يتسامح بعد الآن مع انتهاكات مصالحه الحيوية، ترى المعارضة -في المقابل- أن هذه المعطيات منحتها “أدوات جديدة” في صراعها مع السلطة، لا سيما في البعدين الدعائي والإعلامي.
لكن المعارضة تعرضت مع ذلك لضربة قوية، إذ يقبع أبرز أقطابها، أليكسي نافالني، في السجن منذ 17 يناير/كانون الثاني 2021، ويقضي حكما بالسجن لمدة 19عاما بتهم “إنشاء جمعية متطرفة والتحريض على النظام العام”.
أكبر نزوح جماعي
وما يضعف من تأثير المعارضة هو وجود أغلب مؤيديها في الخارج. ويُعد الروس إحدى أكبر مجموعات الشتات في العالم. وتشير بعض التقديرات غير الرسمية إلى أن ما بين 20 إلى 30 مليون روسي يعيشون في الخارج.
كما تقول مصادر المعارضة إن روسيا واجهت أكبر نزوح جماعي لها في السنوات الأخيرة بعد بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. ووفق تقديرات مختلفة، غادر روسيا من 500 ألف إلى 1.3 مليون شخص خلال العام الماضي.
ويرجّح المحلل السياسي سيرغي برسانوف، أن السلطات بموسكو في حالة تأهب قصوى على ضوء التوقعات بحصول “عمليات تدخل وتخريب من قِبل الجالية الروسية الضخمة في المنفى”.
ويقول إن المعارضة الخارجية -بمساعدة من الدوائر الغربية– تعكف حاليا على الترويج بأن أغلبية المواطنين يعبرون عن استيائهم على نحو متزايد من السياسات الداخلية والخارجية التي يديرها الكرملين، وبأن هذه المشاعر تفاقمت بفعل الحرب المستمرة ضد أوكرانيا.
ويتابع برسانوف أنه “علينا أن ندرك بأن الحرب مستمرة. وبالنسبة للعدو في مثل هذه الحالة، فإن كل الوسائل مشروعة من أجل القضاء على النظام والمجتمع والروح المعنوية للمواطنين”.
ويضيف أن “خصومنا مستعدون للقتل، وليس فقط نشر الأخبار الكاذبة والتلاعب والهجمات السيبرانية. إن درجة القسوة والعنف والأكاذيب اليوم وصلت إلى مستوى لا يصدق وربما لم يحدث هذا من قبل”.
من جانبه، يعتبر رئيس مؤسسة تنمية المجتمع المدني قسطنطين كوستين، أن مقياس شرعية الانتخابات يكمن في إتاحة الفرصة لجميع السكان في اختيار مرشحهم، بما في ذلك أولئك الذين لديهم عقلية معارضة.
نزع الشرعية
ويقول إن المرشحين البدلاء، سواء من الشيوعيين أو الليبراليين، يمكن أن يجدوا في غياب معارضة داخلية قوية ومؤثرة فرصة لجذب أصوات القاعدة الشعبية وملء الفراغ الناجم عن “هجرة المعارضين”.
أما المعارض ديمتري غودكوف، فيؤكد أن الوسيلة الأكثر فعالية في الظروف الحالية هي دعم حملة نزع الشرعية عن الانتخابات الرئاسية ونتائجها.
ويشير إلى مؤتمر “روسيا الحرة” الذي عُقد بريغا في لاتفيا تحت شعار “مناهضة الحرب”، والذي ناقش أسباب عدم تمكن المعارضة الروسية في الخارج خلال سنتين تقريبا من الحرب، من التوحد، “وبدلا من ذلك غرقت في سجالات وخلافات لا نهاية لها”.
ولكنه يخلص إلى نتيجة مفادها أن الضبابية التي تلف مستقبل الاقتصاد ووجود مؤشرات على استمرار الحرب في أوكرانيا إلى أجل غير مسمى، يعتبر ورقة مهمة بالنسبة للمعارضة من جهة التأثير على حجم مشاركة المواطنين في الانتخابات وطرح نفسها كبديل للسلطة الحالية.
2 تعليقات