بقلم: لحسن الجيت
كم كنت أتمنى من رجل فكر قبل أن يكون رجل سياسة وهو السيد محمد الأشعري أن يرد في رسالته، التي نشرتها هسبريس بتاريخ 14 نونبر الجاري، على رسالة سيمون أحيون رئيس جمعية اليهود من أصل مغربي في إسرائيل، بدلا من أن يتطاول على اليهود المغاربة القاطنين في وطنهم ويريد أن يستنطقهم ويقحمهم لمعرفة موقفهم أو نواياهم من الحرب الشرسة في قطاع غزة.، وكأنه يريد بذلك أن يكشف عن وطنيتهم من خلال موقفهم من القضية الفلسطينية.
وقد أقول للسيد الوزير الأسبق وللرئيس الأسبق لاتحاد كتاب المغرب وللمثقف الذي لا يشق له غبار إنك هذه المرة أخطأت التصويب وأخطأت الهدف. وبمنطق الأشياء وبمنطق السياسة وحتى بالمنطق العسكري فوهة المدفع لا تتجه إلا صوب مصدر إطلاق النار.
ولو التزمت في ردك على تلك الجمعية لكان له شأن وصدى لدى العديد من أطياف المجتمع المغربي. وأؤكد لك أن ردك عندئذ سيكون أقوى بكثير بدلا من الفوضى التي أثرتها من خلال مجموعة من الأسئلة المستفزة تطالب فيها يهود المغرب بالإجابة عنها. وهي كالتالي:
هل تستنكرون مذابح غزة؟ هل تدينون الحكومة الإسرائيلية المتطرفة؟ هل تساندون الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟ وفي الوقت الذي تريد أن تعرف منهم خلف من يصطفون تبالغ في استفزازهم بالقول “أنه ليس واضحا ما تقولونه بصمتكم”.
ولو من باب الافتراض أن هؤلاء قرروا مجاراتك واحتفظوا لك بجواب عن كل سؤال فكان ردهم برفدهم استنكار مذابح غزة وأن إسرائيل تدافع عن نفسها وأن حركة حماس في نظرهم إرهابية. فما هي ردة فعلك إذن؟ هل ستقاضيهم لمعاقبتهم، وهل ستسقط عنهم جنسيتهم وبالتالي ستجبرهم على التهحير ومغادرة البلاد. شخصيا لا أستطيع أن أستوعب ما هذا الذي تريده أن تجنيه من مجازفة لا طائل من ورائها.
أستاذي الفاضل أجد أنك قد وضعت نفسك في موقف لا يليق بمقامك وقد جاءك الرد بما لم يكن في الحسبان من قبل بعض رؤساء الطائفة اليهودية في المغرب.
رد مفعم بالولاء لجلالة الملك والاصطفاف من ورائه وإبداء كل الاحترام والوقار لجلالته عند مخاطبته. وتوقف الرد عند هذا الحد لقطع الطريق عن كل من أراد أن يشكك في ذلك الولاء.
أما الإجابة عن أسئلتك فهي خارج السياق وهم ليسوا ملزمين بتحديد موقفهم منها مادامت رسالتك قد تركت لديهم انطباعا وكأنهم أمام تحقيق شرطي أو تحقيق قضائي. وحينما تطالبهم بالخروج عن دائرة الصمت فما هذا الذي تبحث عنه وما الفائدة من تلك الدعوة؟ أ
أنا كمغربي مسلم أرفض من باب الأنفة أن أجيب على هذه الأسئلة حتى ولو كانت قناعتي هي قناعتك لأنني أحس بنوع من الاختبار يراد به انتهاك حريتي، ولربما قد أقول لك من أنت الذي تسألني هذه الأسئلة. ولأنني على خلق أرفض أن ألطم بها وجه من لا يحترم عقلي.
ما كان عليك أن تتعب نفسك مع شركائك في الوطن وتقض مضاجعهم. ألم يشفي غليلك مواقف أولئك اليهود المغاربة الذين أتيت على ذكرهم في رسالتك. ففيهم الكفاف والعفاف والغنى عن الناس سيدي المحترم.
أما اليهود المغاربة وعلى قلتهم في هذا الوطن لم يسلموا من رصاصة تريد أن تطلقها عليهم. الناس في بيوتهم وفي وطنهم ناعمين وفي العيش المشترك مع إخوانهم المسلمين مطمئنين. ألا ينطوي بقاؤهم في المغرب على رسالة مفادها أن حبهم لهذا الوطن لا ينازعه العيش في مكان آخر؟ لماذا تريد إطلاق نار الفتنة وأنت تعلم أن الله يلعن موقظها.
لا أريد أن اسيء الظن بك وبنواياك لأنك، كما يتهيأ لي، أكبر من ذلك. فإذا بك عن غير قصد زلت قدمك كما زل قلمك.
فإن كنت تعلم أم لا فإن رسالتك لم تخل من تحريض على اليهود المغاربة في وطنك وقد يفهمها الناس على هذا الأساس سيما وأن الظرفية في هذه الأيام المشحونة قد تحمل البسطاء على الفهم الخاطئ.
ولذلك لم تكن بحاجة إلى مثل هذا الرد الذي يسيء إلى ما نحن عليه من تعايش. ولك من العدة والعتاد ما كان يجعل ردك أقوى لو كان استهدافك في الاتجاه الصحيح.
فالاعتدال والوسطية والحكمة التي تتميز بها الدبلوماسية المغربية تغنيك عن ما جنحت إليه. كان عليك أن ترتكز في ردك بأن المغرب أدان ويدين قتل الأبرياء من كلا الجانبين.
وأنه من مصلحة الجميع ألا ينحاز بلدنا لأي طرف وأن يقف على مسافة واحدة من الأطراف المتصارعة لأن المغرب يتطلع إلى لعب دور ريادي يتجاوز بكثير مخاطر هذه الحرب التي تقلق اليهود المغاربة في إسرائيل.
وكان عليك أن ترد على أولئك اليهود أن هناك مغاربة آخرون أشقاء لهم عالقون في قطاع غزة وفي الضفة الغربية بما فيها إسرائيل أيضا . فلا تحتكروا الحماية لأنفسكم وتسقطوها عن بقية المغاربة سواء أولئك الذين يعيشون بجانبكم أو أولئك الذين تستهدفهم طائرات ودبابات الجيش الإسرائيلي.
لست أنا الذي يجب أن أملي عليك المسلك الذي ينبغي اتباعه لأنني أرى في شخصك ما هو أكبر من أن أعطيك دروسا في هذا الشأن. فقبل رسالتك هذه، دعني أن أسألك هل نورت القراء بموقف سابق بخصوص هذه الحرب الوسخة حتى تسأل يهود المغرب عن موقفهم، بل أكثر من ذلك هل تسمح لي أن أتطاول عليك وأرغمك على إصدار موقف. لا أحد يلزم الآخر والوصاية تناقض مبدأ الحرية.
ومادامت وطنيتنا واحدة فيجب أن نتحمل بعضنا البعض في تقديم النصح وتصحيح المسار عملا بالمنهج الصائب والذي يجب أن يلتزم به النقاش الجاد القائم على مناقشة الأفكار لا الأشخاص. وأتمنى خالصا أن تكون خرجتك هذه بعيدة كل البعد عن الأخطاء المميتة التي ارتكبها القومجيون وأقطاب اليسار المغربي في ستينيات القرن الماضي حينما خوفوا اليهود بالزحف الناصري لكي يجبروهم على مغادرة المغرب لحسابات ضيقة.
سيدي إن تصويبك الخاطئ يذكرني بذلك الرجل الذي اكتشف يوما ما أن زوجته تخونه فتوجه إلى القطة التي صب عليها جام غضبه ليمرر الرسالة لتلك الزوجة. فالقطة ليس لها ذنب واليهود المغاربة في وطننا أي ذنب لهم حتى يسألون عن رسالة لا كلمة لهم فيها ولا سطر.
* دبلوماسي مغربي سابق