آراءثقافة

كيف تم تطويق العالم الإسلامي تاريخيا؟

المغاربة كانوا من أول الضحايا...

وأما كيف حصلت حركة تطويق العالم الاسلامي تاريخياً فيصفها المؤرخ البريطاني (جون آرنولد توينبي) على الشكل التالي وبالطبع فالمغاربة كانوا من أول الضحايا حيث قفز البرتغاليون والأسبان وأنا شخصيا ذهلت من المسقاة البرتغالية في مدينة الجديدة حيث بقيت آثارهم أما الإسبان فاسأل سبتة ومليلية؟

استطاع الملاحون البرتغاليون كشف جزائر ماديرا حوالي عام 1420 م وجزائر الآزور عام 1432 م. ثم نجحوا في تطويق الجبهة العربية البحرية على الاطلسي بدورانهم عام 1445 م حول الرأس الأخضر وبلوغهم خط الاستواء عام 1471 م الى (كاليكوت)(CALICUT) على الساحل الغربي للهند (وهي غير كلكوتا على الساحل الشرقي من اسفين مثلث جزيرة الهند الغاطس في المحيط الهندي).

وسيطرتهم عام 1511 على بوغاز ملقا، واندفاعهم في غربي المحيط الهادي ليرفعوا علمهم في كانتون عام 1516 م وعلى شواطيء اليابان عام 1542 ـ 1543 م.

وهكذا في لمحة البصر اختطف البرتغاليون من أيدي العرب السيادة البحرية على المحيط الهندي. وبينما كان الرواد البرتغاليون المتجهون شرقاً يحدقون بحركة خاطفة من التوسع البحري للغرب بالعالم العربي الاسلامي من الجنوب كان ملاحو الانهار من القوزاق يتجهون شرقا ويوسعون حدود العالم الروسي بنفس السرعة والاكتساح.

وذلك بإحداقهم بالعالم الايراني الاسلامي من الشمال، ومن فتح الطريق أمام القوزاق كان القيصر المسكوفي إيفان الرابع، حين استولى على قازان عام 1553 م إذ كانت قازان قلعة العالم الايراني الاسلامي عند حدوده الشمالية الشرقية، وبعد سقوطها لم يعد ثمة عقبة عدا الغابات والصقيع، وهما حليفان تقليديان عرفهما البدو من محاربي القوزاق، ليقرر صديقنا المؤرخ البريطاني (جون آرنولد توينبي).

الحقيقة المرة التالية؟ وبالطبع هي مرّة لنا وحلوة للفاتحين الجدد الذين قفزوا إلى مسرح التاريخ: (وهكذا في غضون فترة تقل عن القرن، لم يقتصر الأمر على الاحداق بالعالم الاسلامي، الذي كان شركة بين المجتمعين العربي والايراني، ولكن أمكن تطويقه تماما. ففي أواخر القرنين السادس عشر وأوائل السابع عشر وضع الطوق حول رقبة الفريسة).

من يملك البحار يملك العالم وثروته 

كانت الضربة المضادة التي وجهها الغرب الى العرب والعالم الاسلامي ساحقة؛ لأن الغرب بارتياده البحار العليا والمحيطات، مستخدماً نفس الاسلحة والتقنيات العربية، من البوصلة والاسطرلاب والسفينة المحيطية والخرائط العربية بل والحصان العربي دبابة العصر القديم، استطاع أن يضع يده على البحار والمحيطات والممرات المائية، فتحولت المحيطات التي كانت سابقاً حواجز فاصلة بين الثقافات، الى جسور اتصال يتم القفز منها الى قارات جديدة. لذلك وجدنا في الادبيات التي عاصرت شكسبير من يكتب مايلي:

((مازال يصدق الشعار الذي طرحه السيد والتر رالي (WALTER RALEIGH) الذي عاصر شكسبير في أيام الملكة اليزابيث الأولى ذات الشعر النحاسي مائة عام بعد كولومبس: من يسيطر على البحار يسيطر على التجارة، ومن يملك تجارة العالم يستحوذ على ثروة العالم وبالتالي يملك العالم بذاته) وهو الذي حرك نفس الفكرة عند البريطاني (آدم سميث) عندما سطر كتابه المعروف (ثروة الأمم)(WEALTH OF NATION) الذي رأى كل تجارة البحار أصبحت في يد الاوربيين الغربيين بالذات الذي منحهم تفوقا خاصا.

قانون هيرودوت في تصادم الحضارات 

مع هذا لايمكن فهم حركة التفاف الغرب بمعزل عن السياق الكوني لأحداث التاريخ، ويعرف المؤرخون هذه الظاهرة تحت قانون صدام الحضارات أو مأساة التلاقي، ويعتبر المؤرخ اليوناني هيرودوتس أول من انتبه الى هذه الظاهرة، في إطار الصراع الفارسي اليوناني القديم، ويمكن فهم حركة الغرب برحلة كولمبس ضمن هذا السياق التاريخي الذي تتعاقب فصوله المثيرة بدون توقف؛ فمن المفيد والجميل أن نتوقف قليلاً لتأمل هذا القانون الذي أورده المؤرخ:

(كان هيرودوتس هو الذي كشف خلال القرن الخامس قبل الميلاد عن أن التلاقي بين المجتمعات المتعاصرة لايتم على انفراد، ولكن في حلقات متسلسلة مترابطة، بمعنى أنه يترتب على الحدث حدث آخر.

وهكذا في سلسلة متتابعة من الاحداث يقفو بعضها بعضا. وقد توصل الى كشفه هذا حين أخذ على نفسه أن يقص خبر الصراع الذي نشب حديثاً بين الامبراطورية الأخمينية ودول المدن الهلينية المستقلة في بلاد اليونان في أوربا.

وارتأى هيرودتس ـ لكي يجعل روايته مفهومة ـ أن يضعها في مكانها بين السوابق التاريخية. حتى إذا نظر إليها من هذه الزاوية؛ أدرك أن الصراع اليوناني الفارسي هو آخر الأحداث في سلسلة المصادمات من نفس النوع. وما يترتب على العدوان أن الضحية لن تقنع بالتزام جانب الدفاع وحده. وإذا أصابه التوفيق في دفاعه، راح ينتقل من الدفاع الى الهجوم المضاد).

التعاقب التاريخي للصدام الحضاري

هذه الآلية (الميكانيزم) الحضارية تتشكل عندما يستطيع المُعتَدى عليه امتصاص الهجوم الأولي، ليتحول بعد ذلك من الدفاع الى الهجوم، تماما كما حدث في الهجوم النازي على ستالينغراد، عندما حوصر الجيش النازي في النهاية، واستسلم بعد أن تقلص حجم الجيش العرمرم بمنجل الموت من (360) ألف جندي الى تسعين ألفاً، ستكتحل أعين خمسة آلاف فقط منهم برؤية الوطن الأم جرمانيا، بعد رحلة الأسر في معتقلات سيبريا؛ بحيث تترتب علاقة السبب بالنتيجة بشكل جدلي، فيتحول الحدث الواحد في الوقت نفسه الى سبب ونتيجة، نتيجة لما قبله، وسبب لما سيأتي بعده.

وأضيف أنني أنا شخصيا اجتمعت ببقايا هؤلاء الذين اكتحلت عيونهم برؤيا من بقي من أهليهم في الحرب،  رأيت بعضهم مقطعة أصابعهم إما من القذائف أو صقيع سيبيريا، وآخرين مازالت بقايا القذائف وخرادق الرصاص في جدار بطونهم وصدورهم. كانوا يعترفون لي بمرارة فلا فوت وأخذوا من مكان قريب كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب.

https://anbaaexpress.ma/6yy9i

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى