أتذكر ذلك اليوم الذي جاءت فيه الجرافة لتقتلع الشجرة من أمام بيتنا، الشجرة الصامدة رغم عهود من الجفاف و قلة القطر.
صامدة مثلنا صمودا نقارع به زمنا قاسيا كهذه الكسرة من خبز أسود، سواد وجوهنا المنكسرة. كان من المفروض أن أشعر بالغضب لم أشعر بالغضب.
شعرت حينها بالحزن، فأنا في طفولتي كنت أعرف هذه الشجرة و تعانقت أحلامنا و آمالنا و تسامت، بل شعرت أنني أنا الشجرة و أن الجرافة جاءت لتقتلع أخيرا رمز صمودنا تقتلع أرواحنا و أحلامنا، و كنت غالبا ما أرعاها و أسقيها كأنها نفسي.
تقدمت الجرافة بسرعة نحو الشجرة بضجيجها الذي يصك الأذان فشعرت بدقات قلبي تكاد تخرجه من صدري، كانت لحظة مؤلمة لكل أطفال الحي فلا طالما عشقنا ظلها و أحبابناها، فجأة توقفت الجرافة عاجزة عن الحركة.
كنا مندهشين و مشدوهين. لم يعرف السائق ماذا حدث، خرج من مقصف الجرافة ليتاكد من عدم وجود أي عطب ميكانيكي يكون قد حصل للجرافة، الجرافة سليمة لا عطب بها. عاود السائق المحاولة دون جدوى الجرافة عاجزة عن التقدم قيد أنملة.
باءت كل مناورات السائق بالفشل، لكنه عندما صمم الرجوع إلى الخلف إشتغلت أخيرا الجرافة. تراجع بعيدا عن الشجرة ثم أقدم على محاولة أخرى لكن الجرافة توقفت تماما عن الحركة هذه المرة بشكل دائم.
كان تحديا عجيبا بين الجرافة و السائق و الشجرة، الجرافة لا تتحرك قيد أنملة من جذع الشجرة كل مرة أقدم السائق بكل قوته ليقتلع الشجرة.
توالت المحاولات عندها تأكد السائق أن الجرافة استسلمت أخيرا لرغبة هذه الشجرة الصامدة و الشامخة في البقاء، فقرر الاستسلام كذلك بل إنتفض على أولائك الذين حرضوا على قلع تلك الشجرة.
و قال لهم هذه شجرة مباركة و أنتم مجرد مجانين و منافقين إتركوا الشجرة بسلام و إنصرفوا كفاكم ظلما و تعنتا.