بقلم: عبد الله الطني
– إلى الذين ضمتهم الأرض عاشقين دون أن يعودوا، والذين عادوا من زلزالها، ولا يزالون فوقها متشبتين بعشقها.
– إلى كل من ساهم في دعم هذا العشق بقدر ما يستطيع، علما أنه بالمال والسواعد يمكن أن نعيد تشكيل الحياة والمبنى، وبالرؤى والإبداع يمكن أن نعيد تشكيل الحلم والمعنى.
من أجل الحياة، من أجل الوطن.
(1)
يالَلْمُعجِزاتِ ياللمعجزات
وأجمل ما في اللغات
لغةُ القرآن البرهان
لغة العشق والبيان
سيد المواصف واللغات
لغةُ الوطن الغالي
لغة الممكن والمستحيل
عندما يتكلمها القلب
تَصْمُت كل اللغات
(2)
اِبتهلي أيتها الأعالي
ها همُ الْمُسْرَجون الصاعدون إليك
من كل المراصد والجهات القصية
مغاربةُ الكون المُمْسِكون بألف حبل وحبل
بالعٌروة الوثقى
بآية الزلزال، وآية الكرسي الإلهي
وآية الوطن الغالي
والراية المُنيفَةِ العَلية
فأي معنى للوطن
إن لم يكن متعانقا واحداً من كل الجهات
يامغاربة الهُنا وَالهُناك
والمسيراتِ وَالْهَبَّ فِداكْ
الذين في قلوبهم لهبٌ ونارْ
يامغاربة العالم والهوّيّة الأزلية الأَبَدِيّة
أينما كنتم أجَلّيكمأُحَيّيكم
من معلقة العشق والزلزال والوطن
بآية مغربية سَنِيّة
هي قُبْلَةٌشَجِيّةُ
من حبيبنا السلطان
على رأس العائدين من الْعَدَمْ
ودفقَةٌ سَخِيّةٌ
من دماءِ قلبهِ الزّكِيّة
تعيدان تشكيل الوجود
ومعنى الحب والعرش والرعية
(3)
تقول الأعالي:
-ولا أصدق من لغة الأعالي-
العشق والزلزال في لغة الوطن
وفي مُلْك الخالق الفالق الصَّمَد
مترادفان قُلْ متلازمان للأبد
إنْ حَلاَّ وارتَجَّا عشقاً للوصل الأزلي
يُعيدان ترتيب الفواصل والأعماق
في كل ربوع الأرضِوالروحِوالجسد
فلا تقنطوا من آيات الرحمان
هي رَجَّةٌ، ضَمَّةٌ، ورَجْعُها
هو عناق الأوصال لبعضها
وتَهدأُ الأرض والروح
وكما كانت
تَسْكُنُ أحلام الطير وأنفاس الإنسان
ويَلتئِم الجرح العابر للأوصال
بمعجزات العرش والوطن
ولطف الحافظ الأحد
(4)
هل تَقْصِدُ أمنا الأرضوهل تقصد
إنْ تَعِبَتْ أنّتْ واهْتَزّت أن تُلقي بالأولاد
-على غير عادتها-
حُفاةً مُفْزَعين على قارعة الطريق
وهل تَقصِد إن ضَمّتْنا بحضنها المُتَوَلِّهِ للأبد
ضَمَّةَ عشق كما تشتهي
وبَعدها لا نَئِنُّ ولا نستفيق
في غفلةٍ مِنْ أحلامنا التي لا ولن تنتهي
وهل تقْصِدُ أن ترانا
بكل هذا التشظي والكَمَد
(5)
ما بالُها أمنا الأرض ما بالُها
كأنما تَحْلُم أو تَهُب من سُباة
كأنماتَتَفَقّدُ أكبادَها أولادَها
كأنماتَتَحَسّسُ أطرافَها
هل ما زالت تَنْبُضُ
وبها مُتَّسَعٌ للحياة
فكان ما كان في رمشة عين
ما لم يكن بالحسبان كان
منْ سُرّة الحوز والزلزال إِيغيلَ
إلى ورززات الشمس وقلعة بن تومرت تِنْميلَ
إلى شيشاوةَ الخير وهضبة بن عبادَ ومراكش الحمراء
إلى أكاديرَ وتَاكَلْتَ ثم إِغِرْمانْ
إلى رودانةَ الفيض والشعر وأكثر أكثر
إلى كُل آفاق التّمَنُّع المُوغِلاتِ في العلى والقدمِ
قل لي ياابنَ شَدَّادَ العائدِ للديار
(هل غادر الشعراء من متردمِ
ام هل عرفتَ الدار بعد تَوَهُّمِ)
كأنما الْأهلُ ما كانوا هنا
كأنما المنازلُ أطلالٌ تَرْنو لبقاياها
بين الوجود والعَدَمِ
وهل توقف الوقت فجأةً
هل طاشت الأرض عن مَجَرَّتها
وسَنَا الليلُ البهيمُ بِكمْ عَلامَة
تُرى هل حقا حَلَّت
هَجْعَةُ الساعة والقيامة؟!
(6)
وهل قَصَدَتْ أُمُّنا الأرض عُنوةً أو خَطَئاً
أن تُؤلمَنا قليلا أو كثيراً
أن ترمينا مِن عَلَيْهاوتَرْفُضَنا
بعد كل هذا العشق والتَّجَلِّي بين يديها
وكلُّ أحلامنا الصغيرة والكبيرة منها وإليها
هل حَقّاً تعشق معشوقَةُ الأطالس اِفْرُو
أنْ تأكلَ من أهلنا الطيبين قرابيناً
بعد كل زلزال لتهدأَ فَوْرَتُها
وهل حقا حقا
يَقْصِدُ الإله الأجمل فوقنا
أن نُلغيَ أفراحَنا
واَحْواَشَ أسلافنا العاشقين
أو نتخلى فجأةًعن وَلَهِ الدَّفِ
وهَبّاتِ الناي المُرْهَف يَمْخُر صمتَ الأرجاء
ورقصَ القامةِ والأكتاف
أو نهرب من منازل الحلم والوحي والولادة
نحن الذين لم يكن لزماننا من لغةٍ
سوى لغةِ الله والأرض
والشمس والعشق والعرش والوطن
(7)
هل تقصد الأرض أمنا
وهي تَئِنٌ من وجع المخاض
رفضَنا أو محوَنامِن ظهرها الذي
فوقه حَبَوْنا واستوينا ورقصنا حتى انْتَشَيْنا
(8)
هل تقصد تقصد
أن العلاقة بيننا وبينها بلا معنى
وهي التيمِنْ عشقنا مِنْ حُلمنا
ترتُقُ معناها بين الكواكب والنجوم
ومن شهوتها نحيا
ومن ثَدْيِها الثَّرِّ نَرْضَعُ كي نكون
ومن اشجارها المُعَلاَّةِ المُدَلاَّة
نأكل فاكهةَ الغواية البريئة المُجَلاَّة
ومن أجلها نَتَعانَقُ أو نُحارِب
ننتمي نتوحد أو نُقاطِع
نمشي ونمشي المسيرات التي
تُشْبِه النهر الذي لا تنتهي خطاه
كلُّ الماء لا يشبه الماءَ في الأنهار
إلا الماء بأنهارنا
يُشْبِهُ بَعْضَهُ بعضا حتى التّوحُدِ والتَّجَوْهُر في مَدَاه
كأسٌ واحدٌ نَشرَبهُ
في السهول وفي الأعالي
بكل أرض في الوطن الذي
كلَّما ارتَجَّت أوصالُ الأرض لتستوي
هَبَّ الوطن الجميل عشقا وعرشا وشعبا
يُعَلِّيهِ يُجَلٍيه الحافظ الإله
(9)
تَجَلَّتْ تلك البومةُ البكماءُ من ثنايا الليل قالت:
قل ياآدمُ الأول والأخير
يامعشوق الأرض وحارسَها
ياغامضَ الحال والمآل
هل كنت تعلم بعد الخطيئة في السماء
يوم نزلتَ عَشِقْتَ الأرض ملاذاً
أنَّ بها جَنّتَكَ الدنيا
وبها أَشْباهُكَ والأضداد
وما تَراه عينك قد تَراه ولا تَراه
وَبها العشقُ مَدُّ وجزرٌ
وفيضٌ وَزِلازال
قال آدم من مَداه
العشق كما الزلزال لا يَقْتُلُ أعمارنا أقدارنا
وإنما المُسَطَّرُ في لَوْح السماء
قبل ميلاد الأرض ورَجَّاتِ الزلزال
اِهتزَّتْ أُمُّنا الأرضفقطُّ كي ترى ما ترى
كَم هو حجمُ عشقنا لأقدارنا
وكم نحب رايتَنا والوطنَ الذي يحْضُنُنا
وكم نحن في السرَّاءِ والضراء لبعضنا
كي تُعَلِّمَنا
أنَّ ما نملك لا يعني شيئاً إِنْ أنَّتْ جارحةٌ
في جسد النَّحْنُ الضاربِ في الأعماق وفي الأنحاء
كي ترى ما ترى وبالذات
كيف إذا فاض النهرُنَمْتَدُّ جسوراً فوق الماء
كي يعبر الذين لا يستطيعون العبور
ونسمو فوق الذاتمن أجل بعضنا
من أجل الراية والوطن
كأنما من غير مائه وشمسه وسَماه
لا ماءَ في الدنيا ولا شمسَ ولا سماء
وطنٌ من أجله نتحمل الترحال كما الزلزال
والتناقضَ حين يكون بطعم التعايش والحياة
هكذا يكون تغريد الطيور فوقنا
فالزلزال لا يَقتلُ لا يقتُلْ
إنما الذي يقتلنا
ضيقُ القلب والعين
واتساعُ المسافة بيننا
(10)
بُعَيْدَ الرَّجة والزلزال
صَدَحَتْ طيور الأعالي تقول:
بَيْن خَطْفٍ ورعدوثنايا حَبْلٍ تَدَلَّى
وموتٍ لا قَبل فيه ولا بَعد
تتفتح زهرة الزلزال عن آخرها
يَتَضَوَّعُ صدر الماء
(كأنما الأعالي تَنْزَع كي تُعطي)
تَطْلعُ الشمس لمن تَبَقّى
كأنما لا قَبْل في الوقت الغامض لا بَعد
هي رَجَّةُ حلمٍ خاطفٍ وتعود الحياة
نِكايَةً في السَّيل وَالزّلزال
فليس للأرض سوى عشقٍ أزليٍ
يَتَكَلمُه المغرب الأقصىعرشاً وشعباً
من كل الجهات بكل اللغات
(11)
عزاءٌلا كالعزاء
من أجل الحياةِ
من أجل الوطن
كل الأيادي من كل جهات البلاد
تتحدى الخراب الشّتاتْ
لتبقى الأعالي وطناً
لمن لا يعشقُ غيرها
فسبحان من علاهُ من جَلاَّهُ تاجُ الوطن
* شاعر مغربي