آراءمجتمع

الحكاية الفلسطينية.. إستعاروا حناجرنا

بقلم: كاملة الصيداوي

في خضم كل هذه الأوضاع ومنذ بداية الحرب توقفت تمامًا عن الكتابة في روايتي الرابعة اللهم سوى فقرتين لسطوة فكرة سيطرت على وجداني ففرضت قوتها وأنصعت فكتبتها !!

فما يحدث حولي في هذا العالم أثناء هذه الحرب رهيب جدًا رغم أنني لم أتفاجأ تمامًا منه ولكني لنقل لم أتصور بأن يكون بهذه الصورة !!

فبربكم أليس هذا الذي يحصل اليوم هو ما كنا نجاهد ونكتب وننشر ونشارك في تظاهرات ثقافية محلية وإقليمية لنحققه ؟!

فبعد أن نجحت الآلة الصهيونية الإعلامية في السيطرة على كل الأدوات والمظاهر لزمن طويل لتسرق المشهد كعادتها وتغيب الذات الفلسطينية ونكبة الشعب الفلسطيني في السياق الفردي والجمعي على حد سواء باتت بين ليلة وضحاها تصارع حروبًا على عدة جبهات وأهمها حربها الإعلامية التي يبدو جليًا أنها خسرتها خسارة فادحة.

رغم كل الاستثمارات والأموال الطائلة حاولت توظيفها لتغطي على الرواية الحق والصحيحة لشعب بكامل تجلياته وثقافته وتاريخه وحضوره لم يكن يومًا إلا علامة فارقة على الخارطة الإنسانية والحديث هنا يطول ويطول.

في هذه الحرب تحول الجميع لشكل من أشكال الصراع طويل الأمد طال وطال لدرجة أن تراكماته وحيثياته في أغلب الأحيان غيبت وسلبت فبالتالي كان هنالك صعوبة كبيرة في إرجاعه لأذهان ووجدان وضمائر الشعوب والأمم أظن أنها كانت لزمن طويل قيد رواية وسردية مزيّفه ظل “الديك الصهيوني” يرددها من على مزابل التاريخ سيأتي ذلك اليوم وتلفظه حتى هذه المزابل لأنها ضاقت وضاقت.

فالحكاية الفلسطينية خلال هذه الحرب مختلفة تمامًا فهي تصلك بالصوت والصورة بالدم واللحم والوجع والقهر.

تصلك وأنت تحاول كل صباح أن تلبس وجهك مكرهًا وتشرب مر فنجان قهوتك لتطوي يومًا لن يمر بسهولة بل سيطوي معه مظاهر حياة وصورها ستغيب للأبد ولن تعود كبناية سكنية أو بيت عبادة أو مدرسة.

كموت قط لطفل كان يعتبره قرين روحه !! كغياب طفل طويل سيحرمه أن يكبر ويلعب على دراجته وينتقل لمستوى أعلى في لعبته وأن يصرف المال وفره في حصالته..

الوجع في هذه البقعة من الأرض أنيق حتى الموت فأن تصف أم ابنها فتقول “اه اه حلو أبيضاني وشعره كيرلي” عن يوسف صغيرها أظن أنه أصبح سفر الوجع الفلسطيني.

كأم حاولت كثيرًا أن أتعايش مع غياب فكرة أن الأطفال يجب أن يعيشوا ليكبروا فقط وأنه لا يليق بهم إلا كل أسباب السعادة ولكن قدره في الحياة هذا الطفل الفلسطيني أن يكون ويبقى هدفًا دقيقًا للآلية العسكرية الصهيونية مهما حاولت أن تنكر وتدلس الحقائق فالطفل في فلسطين مشروع وطن !!

فمنهم من كان حلمه أن يزيد عدد متابعيه على قناته على اليوتيوب ومنهم من كان يريد أن ينوع في محتواه على التيك توك !! ومنهم لم تمنحه الحرب فرصة أن يتناول غدائه فترك أمه مذهولة من جوع عدو لا يشبع إلا من لحم الأطفال !!

أعلم علم اليقين أن هذه الحرب ستنتهي ولكني أيقن وجدًا أن ما بعدها لن يكون كما قبلها !! فالمجهود الذي بذل على يد أفراد وجماعات ومؤسسات لتثبيت حوار مستمر ومستديم عن القضية الفلسطينية سيؤتي أُكله حتمًا..

فهذه الأجيال التي ظلت لفترة طويلة تُدوَّن في المؤسسة الصهيونية على اختلاف اختصاصاتها فتناولها كعداد لأرقام لا رصيد معنوي أو مادي لها في المشروع الفلسطيني الوطني وأنها الخاصرة الرخوة وأنها مجرد رصيد لوضع دائم في مخيلتهم العنجهية بدت قاصرة ولا تدرك شيئًا عنها..

أنا مؤمنه أن الوطن فكرة الأحرار وأن الثورة دون مبدأ مجرد ثرثرة، ولكني أيضًا أخجل وجدًا أن أزايد على وجع من هم داخل خط النار..

لذلك كل التحايا والشكر لكل أحرار العالم العربي والغربي استعاروا حناجرنا فنابوا عنا وأوصلوا وجعنا لكل منصة وتظاهرة استطاعوا الوصول إليها..

فالمنطق والحكمة في هذه الظروف لهو أمر واجب فنحن في حقبة تغيرت أشكال النضال ولكن الأكيد دون الإنزياح ولو للقليل القليل من الأخلاق والشرف في معايير النضال فمن يدعو للحرية ولحقوق الشعوب يصعب عليه إلا أن يبقى قيد أحكام وأعراف أخلاقية تزكي انسانيته مهما حاول الطرف الآخر سلبها منه..

الحروب معارك خاسرة إذا لم يكن وقودها وهدفها وطن، فسليب الأرض لن يقتنع بأي إنجاز وربح وهمي لا رصيد معنوي له في تاريخ نضاله سيصبح يومًا ما وقفة تاريخية لها وقعها وعظمتها…

الحقيقة أحيانًا مع من يتقن الحكاية ولكن لكل كذبة نهاية، ويبدو أننا في حقبة سنشهد فيها هدم الكثير من مدن الملح وصمود مدن البحر…

* كاتبة وروائية فلسطينية 

https://anbaaexpress.ma/ahl1m

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى