في هذه الأيام يعزل شخص نفسه كما عهدناه، وهو المدعو أحمد ويحمان بخرجات طائشة وغير مسؤولة. ولعله من تلك الطينة البشرية التي تتمنى أن تجد لذاتها موطيء قدم في مشهد سياسي كبير على مقاسها القزمي.
وهو بالكاد أن يكون منسجما مع ذاته فبالأحرى أن يؤطر بعضا من الناس ويصعب عليه أن يسمع صوته حتى عند أولئك الذين لا صوت لهم. ولأنه كما هو، تجده يورط نفسه بتلفيق الاتهامات وتوزيع أخطرها على الأحرار بركوب أمواج عاتية بحثا عن الإثارة والتميز.
مرصده الذي ثبت أنه بدون رصيد أظهر في السنوات الأخيرة أنه غير قادر على ما يسمى بالتعبئة الجماهيرية بسبب غياب منظومة فكرية متجانسة وبسبب خطاب استهلك وأصبح متجاوزا بالاتكاء على قومية عربية لا علاقة لها إطلاقا بالنسيج المغربي القائم على التعدد ولا بالوعي الجماعي عند المغاربة القائم على التعايش والتسامح، وعلى إمارة المؤمنين من أبناء الديانتين المسلمون منهم واليهود.
ولأن الخطاب فارغ من المحتوي الوطني المطلوب جماهيريا، اضطر هذا الرجل أن يتهم الشرفاء بما ليس فيهم. اتهم الأمازيغ بالخيانة والعمالة والتخابر مع ما يسميه العدو الصهيوني على حد مزاعمه. كل خرجاته لا تحيد عن هذا الخطاب التخويني وكأنه يحاول أن يقنع نفسه بما يقول أو كاد المريب أن يقول خذوني. فهو يكذب ثم يكذب ويواصل الكذب حتى تتهيأ له على أنها الحقيقة.
والغريب في الأمر أن كل اتهاماته التي يكيلها لعموم الأمازيغ يدعي كل مرة أنه لا ينطق من فراغ بل أنه يملك من الأدلة والبراهين يقيم عليها الحجة التي لا ياتيها الباطل لا من أمامها ولا من خلفها. ويدعي أن ضباطا إسرائيليين يزورون المغرب من حين لآخر لتدريب شبكات من الأمازيغ في أماكن بجبال الأطلس لا يعلمها إلا هو ولا تعلم عنها الأجهزة المغربية التي يعود لها الفضل في تفكيك عدة شبكات إرهابية وهي في مهدها إلا تلك الشبكات التي تدور في مخيلة الخببببببير ويحمان فهي عصية على الأجهزة الأمنية المشهود لها عالميا بكفاءتها.
واليوم يتزحلق السيد ويحمان من رأسه إلى أخمس قدميه على مضمار ذي مطبات بعد أن تهيأ له أنه في حالة انتشاء من جراء مظاهرات حاشدة لم يكن له فيها إلا دور “الكومبارس”.
وبعد أن اعتقد أنه قد سجل نقاطا أطلق من عقاله كالبعل الهائج ليرفس. ومن دون حسابات هذه المرة أراد أن يصطاد فتصيد ووقع في المحظور قانونيا وجنائيا.
وعلى غير عادته اتهم ناصر الزفزافي ورفاقه، سواء كنا معهم أو ضدهم، بأنهم كانوا مخترقين من طرف الموساد الإسرائيلي وأن الأحداث التي عرفتها منطقة الريف كانت من وراءها المخابرات الإسرائيلية لزعزعة أمن واستقرار المغرب.
وردا على تلك الادعاءات طالب الزفزافي ورفاقه في بيان لهم النيابة العامة بفتح تحقيق في المزاعم الواهية مادامت في نظرهم على أنها شبهات ينبغي للقضاء أن يتأكد منها لأنها تمس بأمن البلاد واستقراره.
وعلى الدولة أن تقف على الحقيقة بعينها إما أن هناك مفتري يجب أن ينال العقاب المنصوص عليه جنائيا وبالتالي إيقافه عند حده أو هناك بالفعل من يتواطأ مع الخارج وبالتالي يجب القصاص منه.
فنحن أمام اتهامات خطيرة ومباشرة لها طرفان غير مجهولين أحدهما دعا إلى تحريك المسطرة وينبغي تفعيلها. والقانون يعتد بها من باب الإنصاف وإحقاق الحق.
ففي هكذا قضايا وبهذه الخطورة الجسيمة تنتقل الأمور إلى أن تصبح قضية رأي عام. ومن حق المغاربة كما هو من واجب الدولة ألا تترك الحبل على الغارب لأن التمادي في إطلاق بعض الأحكام الجاهزة قد يؤدي إلى حالة من التسيب والفوضى إلى درجة الخروج أحيانا عن الثوابت والمقدسات.
بدليل على ما نقول أن المدعو ويحمان لم يقف عند حدود محاولاته توريط الأشخاص، بل تجاوز إلى ما هو أخطر من ذلك بعد أن سمح لنفسه في هذه الأيام بالتدخل في الحقل الديني بالتهجم على وزير الأوقاف، ومتماديا في غيه بمخاطبة أئمة المساجد وتكليفهم بما ينبغي أن تكون عليه خطب صلاة الجمعة.
أهل الريف وغيرهم من الأمازيغ هم أكبر من أن تنالهم هذه التهم المجانية. ومن يريد أن يسيء إليهم عليه أن يعود الى التاريخ ليجد فيهم أناسا عاشوا منذ أن كان لهم وجود في هذه الديار وغيرها في كنف ملكيات. فهم ملكيون حتى النخاع، جيناتهم تنبض على إيقاع ذلك.
وهم كذلك دعاة وحدة. فالمدعو عزيز هناوي الذي يرهق نفسه في إعطاء صورة سيئة عن الأمازيغ وكأنهم دعاة انفصال بالإصرار على وجود خطر يهدد وحدة الأمة.
ويصور لنا سيناريو متعسف فيه بالادعاء أنه إذا ذهبت هذه الوحدة، أي وحدة الأمة، فما الجدوى من وحدة التراب. وعلى هذا الشخص أن يعلم جيدا أن هذا الخطر الذي يريد أن يروجه هو من محض خياله وبنات أفكاره الشيطانية، والواقع يثبت عكس ذلك.
فالأمازيغ سكان المغرب الأولون حينما جاءهم العرب كغزاة ردوهم على أعقابهم خاسئين ولما جاؤوهم فاتحين وحاملين رسالة الإسلام امتزج الدم الأمازيغي بالدم العربي وتشكلت بذلك الهوية المغربية وازدادت تعددا وتسامحا بعودة اليهود إلى ديارهم هربا من محاكم التفتيش. ثم أن المرابطين والموحدين، وهي سلالات أمازيغية، كانت بفضل حرصها على وحدة المغرب أن أعطت له إشعاعا وامتدادا غير مسبوق في التاريخ.
ولأن الحاضر هو انعكاس للتاريخ وامتداد للماضي فإن الملوك العلويين أبانوا عن حرصهم الشديد على أن الوحدة الترابية لا تستقيم إلا بوحدة الأمة.
ووحدة الأمة لا تستقيم هي الأخرى إلا باعتراف الشريك من دون تمييز لا في الأصول ولا في الحقوق. وأخطر ما يهدد الأمة هو الٌإقصاء وعدم الاعتراف بالآخر والارتماء بالكامل في أحضان قومية عنصرية.
فدستور المملكة لعام 2011 حمل معه فلسفة ملك عاقل وحمل معه رؤية ثاقبة توحد ولا تفرق بإعادة الاعتبار لشركاء هذا الوطن من الأمازيغ.
ولذلك، بالقدر الذي نقر فيه أن بلادنا عاقدة العزم، بفضل الرعاية الملكية، على تكريس الديمقراطية بإتاحة المجال لحرية التعبير، فإن هذه الحرية يجب أن تبقى في منأى من يريد العبث بها وتغيير مسارها، وأن تبتعد عن المساس بحرية الشريك وحفظ حقوقه وصون كرامته. صحيح أنه إذا كانت الدولة أحيانا قد تتجاوز ملاحقات في بعض القضايا المتصلة بالشأن العام لكي لا يعطي ذلك صورة لا تليق بالاشعاع السياسي والحقوقي الذي نتوخاه جميعا لبلادنا.
أما فيما يتعلق بالتعسفات والتطاول على حقوق الغير من المواطنين فلابد من تفعيل المساطر وهي واحدة من مرتكزات الأمن الاجتماعي الضرورية واللازمة لبناء دولة الحق والقانون. فمغربنا هو الحاضن لنا جميعا به نفتح القوس وبه نغلقه. هو السقف العالي ولا يعلى عليه.