في الوقت الذي يفر فيه جموع الانفصاليين الأرمن من إقليم ناغورني قره باغ إلى أراضي أرمينيا خشية التحرك السريع للجيش الأذربيجاني الذي سيطر على الإقليم المضطرب والمنقسم، تواصل إسرائيل وأذربيجان العمل بقوة لتوثيق العلاقة الدبلوماسية والأمنية والعسكرية بينهما بشكل أكبر.
وبلغت العلاقات الأمنية بين البلدين أوجهها مؤخرا، حيث نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” – الخميس المنصرم – عن وكالة أنباء “أسوشيتد بريس” أن إسرائيل أقامت جسرا جويا نقلت عبره أسلحة وذخائر من مطار “عوفدا” العسكري في النقب إلى أذربيجان، واستمر ذلك حتى قبل يومين من شنّ باكو حربا استعادت خلالها الإقليم من أرمينيا.
وأشارت “يديعوت أحرونوت” إلى أنه بينما كانت المفاوضات جارية لمنع التصعيد، تدفقت طائرات الشحن الأذربيجانية على القاعدة المعروفة بأنها الوحيدة في إسرائيل التي تتعامل مع تصدير الأسلحة والصواريخ والمتفجرات، وهبطت 6 رحلات جوية – على الأقل – في المطار بين 1 و17 سبتمبر/أيلول الماضي، وشنت أذربيجان هجوما بعد يومين.
وسبق أن تحدثت صحيفة “هآرتس” عن 92 رحلة شحن عسكرية بين أذربيجان ومطار “عوفدا” بين عامي 2016 و2020، ونقلت عن سفير أرمينيا لدى إسرائيل أرمان أكوفبيان قوله إنه “في حرب 2020 كنا نرى مثل هذه الرحلات الجوية كل يومين، والآن حدث ذلك مرة أخرى، وأدى إلى الصراع الحالي، نحن نعرف ما يحدث.
دور مهم
ويقدر الخبراء في مراكز الأبحاث في تل أبيب أن إسرائيل زودت أذربيجان بنحو 70% من ترسانتها بين سنتي 2016 و2020، مما منح أذربيجان ميزة على أرمينيا، وعزز الصناعة الدفاعية والأسلحة الإسرائيلية، وقدروا أن الأسلحة الإسرائيلية تلعب دورا “مهما للغاية” في تمكين الجيش الأذربيجاني من تحقيق أهدافه.
ووفقا للتقديرات، فإنه تم استخدام صواريخ إسرائيلية بعيدة المدى وطائرات إسرائيلية مسيرة لشن هجمات في أرمينيا، كما حمت في الوقت نفسه المجال الجوي الأذربيجاني بصواريخ “باراك-8” أرض-جو.
وعلى مدى العقدين الأخيرين، أفادت التقارير الأجنبية بأن إسرائيل باعت للجيش الأذربيجاني أنظمة أسلحة مركزية قيمتها مليارات الدولارات، بما في ذلك طائرات مسيرة، وصواريخ مضادة للدبابات، وصواريخ أرض-أرض دقيقة، وغيرها.
وقبيل الكشف عن الجسر الجوي للأسلحة الإسرائيلية، وقعت صناعة الطيران الإسرائيلية – هذا الأسبوع – اتفاقية مع وكالة “أذراكوموس” لبيع قمرين صناعيين للتجسس من نوع “أوبتسات 500”.
وحسب تقرير لصحيفة “غلوبس” الإسرائيلية – التي تعنى بالشؤون الاقتصادية- فمن المتوقع أن يصل حجم الصفقة إلى نحو 120 مليون دولار.
حسم الصراع
ويعتقد الصحفي الإسرائيلي المختص في الجغرافيا السياسية ديان شموئيل إلباس أن الجسر الجوي المحمّل بالأسلحة الإسرائيلية – حسب ما نشرته وكالات أجنبية – هو الذي ساعد أذربيجان على حسم الصراع في قره باغ.
وبالتوازي مع إقامة هذا الجسر، أُعلن رسميا توقيع صفقة بين البلدين تبيع بموجبها الصناعات الجوية الإسرائيلية قمرين صناعيين إلى أذربيجان.
وأوضح إلباس أن هذه الأقمار الصناعية تعد ذات عمر طويل وقدرات تصويرية عالية، وحتى قبل تسليمها ستوفر صناعة الطيران الإسرائيلية – التي تتمتع بالتعاون مع أذربيجان بخبرة الأسلحة المتجولة “هاروب” وصواريخ “لورا” – التدريب على التكنولوجيا والتشغيل المطلوبين؛ وهو ما يتوج ثمرة التعاون العسكري بين البلدين.
وأشار إلى أن حجم التجارة الإجمالي بين إسرائيل وأذربيجان اتسع على نحو ملحوظ خلال العام الحالي، علما أنه في سنة 2022 بلغ 1.718 مليار دولار، قائلا إنه “ومنذ ذلك الحين استمر الزخم، حيث تُظهر صفقة الأقمار الصناعية ذلك”.
ومؤخرا، وحسب منشورات أجنبية، فقد كُشف النقاب عن أن أذربيجان تسمح لإسرائيل بوصول نادر وغير محدود تقريبا إلى حدودها الطويلة مع إيران، وكان كل هذا بفضل الأسلحة العديدة التي تزود بها إسرائيل الجيش الأذربيجاني الذي يقاتل الجيش الأرميني.
علاقة عسكرية مثمرة
بدوره، يرى المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة “بار إيلان” درور منور أن هناك علاقة عسكرية مثمرة منذ القدم بين إسرائيل وأذربيجان، وهي العلاقة التي توطدت في السنوات الأخيرة، إذ باعت إسرائيل صواريخ وطائرات مسيرة بمليارات الدولارات، التي تشن بها أذربيجان حربا ضد أرمينيا.
بيد أن هذه العلاقة – وفق منور “ذات طابع إشكالي، فحسب ما ينشر في وسائل إعلام أجنبية، فإن أذربيجان توفر لإسرائيل إمكانية الوصول إلى حدودها مع إيران، بل وتسمح بإنشاء قواعد استخباراتية تنقل معلومات قيمة إلى تل أبيب”.
وأضاف أن للجيش الأذربيجاني كميات هائلة من الأسلحة ووسائل الحرب التي تأتي إليه مباشرة من إسرائيل، قائلا إن الصناعات العسكرية الإسرائيلية راضية جدا عن تجارة الأسلحة المختلفة التي تنشأ بين البلدين، والتي تضخ إليها مبالغ ضخمة.
ورجح أن تحتفظ إسرائيل بقواعد استخباراتية على أراضي أذربيجان، وقد تم تهريب الأرشيف النووي الإيراني الذي سرقته إسرائيل كجزء من عملية الموساد المعقدة عام 2018، من هناك إلى أذربيجان حتى قبل إحضاره إلى إسرائيل.
من السر للعلن
وافتتحت أذربيجان سفارة لها في إسرائيل في مارس/آذار الماضي، وذلك بهدف عدم التركيز فقط على العلاقات الأمنية الفرعية والسرية، بل لتطوير مجالات أخرى؛ مثل البنية التحتية وتحلية المياه والنقل المائي والزراعة، حسب تقدير موقف صادر عن المعهد الإسرائيلي “ميتفيم” المختص في السياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط.
ووفقا للمعهد الإسرائيلي، تعد أذربيجان المورد الرئيسي للنفط إلى إسرائيل، وخلال عام 2022 صدّرت إليها ما يشكل نحو 40% من النفط الذي تستهلكه إسرائيل خلال ذلك العام، كما أن رجال الأعمال الإسرائيليين لديهم فرص عديدة لتطوير أعمال تجارية ممتازة مع أذربيجان.
وحسب “ميتفيم”، فليس هناك شك في أن العلاقات الإسرائيلية الأذربيجانية تزداد تماسكا، لكن قيام إسرائيل بتزويد هذا البلد بكميات كبيرة من الأسلحة ووسائل الحرب قد يسبب ضررا لإسرائيل، خاصة من الناحية السياسية والدبلوماسية.
وهناك مشكلة في أن الأذربيجانيين يستخدمون السلاح الإسرائيلي نفسه ضد الانفصاليين الأرمن، خاصة في الصراع الدائر هذه الأيام، وهذا لا يقدم إسرائيل على نحو إيجابي.
نفي
وردا على ذلك، نفى النائب في البرلمان الأذربيجاني وعضو لجنة العلاقات الدولية فيه راسيم موسابيكوف أن تكون تل أبيب قد أقامت جسرا جويا لنقل أسلحة بشكل متعجل للقوات الأذربيجانية لمساعدتها في حسم الصراع في الإقليم “المتمرد”.
وقال موسابيكوف إن أذربيجان “تقليديا تشتري أسلحة ومعدات وتقنيات عسكرية إسرائيلية وعلى مدار سنوات طويلة، وتقوم عادة بعملية النقل شركة” سيلك واي إيرلاينز الأذربيجانية.
ورفض النائب الأذربيجاني الربط بين عملية نقل الأسلحة الإسرائيلية التي حصلت قبل يومين والعملية العسكرية الأخيرة التي شنتها بلاده في قره باغ.
وأوضح أن القوات العسكرية الأذربيجانية تمكنت من القضاء على التشكيلات المسلحة الانفصالية الأرمينية في الإقليم بسرعة، وفي وقت لم يتجاوز 24 ساعة، وأن بلاده لم تكن على الإطلاق بحاجة إلى أية أسلحة أو معدات إضافية من أي بلد كان، فضلا عن تشغيل جسر جوي لهذا السبب.
كما شدد على أنه “ليس من السر أن لدى أذربيجان من الأساس أسلحة إسرائيلية، وهي تقوم بذلك بشكل منتظم في سياق تعزيز أمنها القومي”.
ومن المعروف أن إسرائيل تتمتع بتحالف إستراتيجي مع أذربيجان وتبيع أسلحة بقيمة مليارات الدولارات لهذا البلد. وفي المقابل، تزود أذربيجان إسرائيل بالنفط، وحسب بعض المصادر بالوصول إلى الحدود الإيرانية.
ووفق مصادر إسرائيلية، قامت طائرات شركة “سيلك واي” الأذربيجانية بأكثر من 92 رحلة شحن من قاعدة عوفدا الجوية، وهو المطار الوحيد في إسرائيل الذي يمكن من خلاله توريد المتفجرات المصنفة بأنها مواد خطرة محظورة بالطيران، بالنظر إلى أن تشريعات الطيران الإسرائيلي تحظر نقل المتفجرات من مطار بن غوريون، نظرا لوقوعه وسط منطقة مكتظة بالسكان.